تشهد مصر جدلاً محتدماً بين القوى السياسية في مصر والمنقسمة ما بين داع إلى «الدستور أولا»، ومؤيد للانتخابات أولا وفقا للاستفتاء الشعبي حول التعديلات الدستورية. وفي تأكيد على انتقال الجدل إلى المطبخ السياسي في مصر، قال رئيس مجلس الوزراء المصري، د.عصام شرف، «إن تأجيل الانتخابات البرلماية قد يعطي الفرصة لنضج عدد أكبر من الأحزاب السياسية الجديدة»، غيرأنه عاد ليقول: «إنه إذا جرى الاستقرار على تحديد الانتخابات، فإن كل الجهود سوف تبذل لإنجاحها، وإن الشرطة وقتها ستكون جاهزة لحمايتها». والتصريحات المنسوبة ل «شرف» أدلى بها لبرنامج تلفزيوني، وأفردت لها صحيفة «الأهرام» المصرية صدر صفحتها الأولى ليوم الأحد 19 يونيو الجاري. من جانبها، حذرت جماعة الإخوان المسلمين من الالتفاف حول نتائج الاستفتاء الشعبي الديمقراطي الذي نص على الانتخابات البرلمانية أولا. وقال د. رشاد البيومي عضو مكتب الإرشاد بالجماعة «للعربية.نت»: «لا الإخوان ولا شرف يحق لهم إبداء رأي بعد رأي الشعب الذي قال كلمته في الاستفتاء على التعديلات الدستورية والتي أقرت جدولا زمنيا محددا يقتضي إجراء الانتخابات أولا، ونحن نحذر من الانقلاب على الديمقراطية وإرادة الشعب». ولكن لصالح من سيحسم الأمر في النهاية؟ وإذا كان هناك اتجاه للدستور أولا تلبية لمطالب قوى سياسية بعينها فكيف سيخرج المجلس العسكري من مأزق الاستفتاء الشعبي الذي كان أول نتيجة ديمقراطية للثورة المصرية؟ وماذا سيفعل مع القوى السياسية الأخرى التي تطالب بالانتخابات أولا وتريد احترام نتائج الاستفتاء وعلى رأس هذه القوى حزب العدالة والحرية، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك الفصائل الأخرى من التيار الإسلامي كحزب الوسط، وحزبي النور والفضيلة السلفيين، والجماعة الإسلامية. ويقول البيومي عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين: «نحن لا يقلقنا أن يكون الدستور أولا أو الانتخابات، ما يقلقنا هو الالتفاف حول رأي الشعب والديمقراطية التي كنا نتمناها، لذلك ففي حالة ما إذا صدر قرار بتأجيل الانتخابات، فلن يدخل الإخوان في معارك مع أي طرف ولن نناصر فصيلا سياسيا ضد آخر، ولكن إذا ما تم تأجيل الانتخابات فستكون سابقة ستدمر حياتنا الديمقراطية مستقبلا». وعن رأيه في الفصائل السياسية التي تطالب بالدستور أولا، أكد البيومي أن «هذه الفصائل أقلية في المحيط السياسي، وهي التي وضعتنا في هذا المأزق، وعليها أن ترضخ لرأي الشعب وأن تخرجنا من هذا المأزق كما وضعتنا فيه». تحذير للعسكر بدوره، وفي لهجة شديدة، هدد حزب «الحرية والعدالة»، الذي أسسته جماعة الإخوان المسلمين، بالوقوف في وجه المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم إذا ما استجاب لدعوات قوى سياسية تطالب بوضع دستور جديد للبلاد قبل إجراء أي انتخابات. وقال عصام العريان نائب رئيس الحزب، في تصريحات صحفية نشرت الأحد الماضي: «البلد لها خط مستقيم وخريطة طريق واضحة لكن هناك من يريد أن يعرقل التقدم وفق هذا الخط». وأضاف «هناك إعلان دستور بُني على استفتاء رسمي له مشروعية السيادة، ولايمكن لأي شيء ولامية مليون توقيع ولا مظاهرات ولا أي جهد يلغوا نتيجة الاستفتاء.. إن ما يلغي الاستفتاء هو استفتاء جديد، وهو ما اعتبره «ضرباً من ضروب المستحيل لأن معناه عودة العجلة إلى الوراء». وأوضح «انتقدنا المجلس العسكري كثيراً ومازلنا، ونقول له إذا غير في خريطة الطريق التي حددها الإعلان الدستوري سنكون أول من يقف ضده»، وقال ‘'هناك إعلام يريد أن يضخم ويصدر كل فترة فزاعة جديدة، بدأنا بفزاعة الإخوان ثم فزاعة السلفيين، فالاقتصاد ثم الأمن، ثم الدستور أولاً''. وتطالب قوى وأحزاب سياسية ومرشحون محتملون للانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر بتأجيل الانتخابات البرلمانية ووضع دستور جديد للبلاد أولا، وأطلق نشطاء من هذه القوى حملة لجمع 15 مليون توقيع على وضع الدستور أولا. ودعت إلى مظاهرة مليونية الشهر المقبل لإقناع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم بوضع الدستور قبل إجراء الانتخابات. ويرى مراقبون أن قصر الفترة المقررة قبل إجراء الانتخابات البرلمانية لن يسمح بإفراز قوى سياسية جديدة، لتستفيد القوى الأكثر تنظيما والباقية منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك في حصد مقاعد أكثر من غيرها داخل البرلمان. ويخشى نشطاء ليبراليون وعلمانيون أن تسيطر جماعة الإخوان المسلمين على غالبية مقاعد البرلمان المقبل مما يمكنها من السيطرة على لجنة وضع دستور جديد للبلاد. المجلس العسكري ينفي وفي تصريحات لصحيفة «اليوم السابع» المصرية المستقلة، نفى اللواء محمد العصار مساعد وزير الدفاع وعضو المجلس العسكري ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» منسوبا إليه حول إمكانية تغيير الجدول الزمني للانتقال الديمقراطي في مصر. وقال العصار: «إن ما نشرته الصحيفة كان خارجا عن السياق الذي تحدثت فيه خلال لقائي بأعضاء الغرفة التجارية الأمريكية، ولم تنقل الصحيفة كلماتي بدقة»، مشيرا إلى تأكيده خلال هذا اللقاء على التزام المجلس العسكري باختيار الشعب المصري الذي كشفت عنه نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ومن ثم فإن الطريق الذي اختاره المصريون هو الانتخابات. 3 ملايين توقيع وفي سياق متصل، انتهت القوى السياسية الداعية إلى الدستور أولا من جمع 3 ملايين توقيع بهدف توحيد القوى السياسية حول المطالب الخاصة بوضع الدستور أولا قبل إجراء الانتخابات البرلمانية، تمهيدًا لعرضها على المجلس العسكري، وتتمثل هذه القوى في الجمعية الوطنية للتغيير وحركات الشباب الثورية وائتلافاتها وبعض مرشحي الرئاسة وعلى رأسهم د. محمد البرادعي ود. أيمن نور وعمرو موسى، فيما يعارض المفكر الإسلامي د محمد سليم العوا وهو أحدث الداخلين إلى سباق الرئاسة الدعوة إلى «الدستور أولا». ويوضح نور المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة «أن الدعوة إلى الدستور أولا ليست التفافا على الديمقراطية أو الاستفتاء، ونحن نحترم هذا الاستفتاء ولسنا أقلية تطالب بالدستور أولا، فالاستفتاء كان على 7 مواد فقط في حين جاء بعده إعلانا دستوريا به أكثر من 50 مادة أسقط بعضها عددا مما جاء في الاستفتاء». وأضاف «نحن نؤمن أن الدستور أولا سيخرجنا من هذا اللغط ويضعنا على بداية الطريق الصحيح لدولة ديمقراطية حديثة تبدأ بدستور للبلاد أولا وتنتهي بانتخابات مجلس شعب نزيهة وبينهما تجري انتخابات الرئاسة».