حافظ المغرب القاضي عياض المولد والنشأة يعود نسب القاضي عياض بن موسى اليحصبي إلى إحدى قبائل اليمن العربية القحطانية، وكان أسلافه قد نزلوا مدينة بسطة الأندلسية من نواحي غرناطة واستقروا بها، ثم انتقلوا إلى مدينة فاس المغربية، ثم غادرها جده عمرون إلى مدينة سبتة، واشتهرت أسرته بسبتة؛ لما عُرف عنها من تقوى وصلاح، وشهدت هذه المدينة مولد عياض في (15 من شعبان 476ه = 28 من دجنبر 1083م)، ونشأ بها وتعلم، وتتلمذ على شيوخها. فتوفي في (9 من جمادى الآخرة 544 ه = 14 من أكتوبر 1149م). الرحلة في طلب العلم رحل عياض إلى الأندلس سنة (507ه = 1113م) طلبًا لسماع الحديث وتحقيق الروايات، فنزل قرطبة أول ما نزل، وأخذ عن شيوخها المعروفين كابن الحاج، وابن رشد، وأبي الحسين بن سراج وغيرهم، ثم رحل إلى مرسية سنة (508ه = 1114م). عاد عياض إلى سبتة؛ فاتجهت إليه الأنظار، والتفَّ حوله طلاب العلم وطلاب الفتوى، وجلس للتدريس وهو في الثانية والثلاثين من عمره، ثم تقلد منصب القضاء في سبتة سنة (515 ه) وظل في منصبه ستة عشر عامًا، كان موضع تقدير الناس وإجلالهم له، ثم تولى قضاء غرناطة سنة (531ه) وأقام بها مدة، ثم عاد إلى سبتة مرة أخرى ليتولى قضاءها سنة (539ه). القاضي عياض محدثًا كانت حياة القاضي عياض موزعة بين القضاء والإقراء والتأليف، غير أن الذي أذاع شهرته، وخلَّد ذكره هو مصنفاته التي بوَّأَتْه مكانة رفيعة بين كبار الأئمة في تاريخ الإسلام. وألَّف القاضي في شرح الحديث ثلاثة كتب هي: مشارق الأنوار على صحاح الآثار وهو من أدَلِّ الكتب على سعة ثقافة عياض في علم الحديث وقدرته على الضبط والفهم، والتنبيه على مواطن الخطأ والوهم والزلل والتصحيف، وقد ضبط عياض في هذا الكتاب ما التبس أو أشكل من ألفاظ الحديث الذي ورد في الصحيحين وموطأ مالك، وشرح ما غمض في الكتب الثلاثة من ألفاظ، وهو على ترتيب حروف المعجم. أما الكتابان الآخران فهما إكمال المعلم شرح فيه صحيح مسلم، وبغية الرائد لما في حديث أم زرع من الفوائد. وله في علم الحديث كتاب عظيم هو الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع القاضي عياض الفقيه درس القاضي عياض على شيوخه بسبتة المدونة لابن سحنون، وهو مؤلَّف يدور عليه الفقه المالكي، ويُعَدُّ مرجعَهُ الأول بلا منازع، وقد كُتبت عليه الشروح والمختصرات والحواشي، غير أن المدونة لم تكن حسنة التبويب؛ حيث تتداخل فيها المسائل المختلفة في الباب الواحد، وتعاني من عدم إحكام وضع الآثار مع المسائل الفقهية. وقد لاحظ القاضي عياض هذا عند دراسته المدونة على أكثر من شيخ؛ فنهض إلى عمل عظيم، فحرَّر رواياتها، وسمى رواتها، وشرح غامضها، وضبط ألفاظها، وذلك في كتابه التنبيهات المستنبَطة على كتب المدونة والمختلطة.