قليلة هي مراكزالفكر (Think tanks) بالمغرب مقارنة مع التحديات الكبرى التي تواجهنا . فحسب التقرير الذي أنجزته جامعة بنسيلفانيا سنة 2009حول مراكز الفكر نجد أن المغرب يتوفر على 9 مراكز فقط بالإضافة إلى مركز الدراسات والأبحاث المعاصرة الذي تأسس سنة 2009 ، مقابل 29 في مصر، و 19 في فلسطين، و11 في لبنان. وللإشارة فإن هناك مركز مغربي واحد هو الذي تم ترتيبه دوليا، إنه مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية الذي يرأسه عبد الله ساعف، حيث احتل الدرجة الأولى مغربيا والخامسة عربيا و22 على مستوى منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط . أما الولاياتالمتحدةالأمريكية فهي تحتل الدرجة الأولى عالميا حسب عدد مراكز الفكر (1815) وقوة تأثيرها في صناعة القرار.تتبعها الصين(428) والمملكة المتحدة (285) والهند(261) تم ألمانيا (190) وفرنسا (132). ويمكن تعريف مراكز الفكر بأنها كل هيئة مستقلة تستطيع بفعالية أن تنتج أفكارا علمية وموضوعية وبإمكانها أن تؤثر على صاحب القرار من منطلق أن الأفكار هي التي تحكم العالم لأنها هي التي تصوغ الرؤيا والتصور. وحسب المعايير الدولية فإن مراكز الفكر يجب أن تتمتع باستقلال مالي، ثم أن يكون لها تأثير ما في الرأي العام وفي صناعة القرار، أيضا أن تمتلك قدرات وإمكانيات من أجل إصدار تقارير دورية شاملة أومتخصصة. في هذا السياق، يتضمن كتاب التفكير الاستراتيجي ومراكز الفكر في البلدان العربية، الصادر حديثا ضمن منشورات المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، دراسات مهمة عن تجارب الفكر الاستراتيجي في العالم. الدراسات توقفت عند أبرز معطيات التفكير الاستراتيجي، ثم الرهانات وأهداف مراكز الفكر في إصلاح الدولة، وأيضا الفكر الاستراتجي والفضاءات القطاعية. واستخلصت الدراسات أن العالم العربي يعيش أزمة أفكار واستشارة. كما أن عدد المراكز، بالرغم من التطور الملحوظ خلال العقد الأخير، ما تزال قليلة مقارنة بحجم الأزمة المعاشة، كذلك فإن تأثير المراكز الموجودة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والمجتمعي في البلدان العربية شبه منعدم. فعلى سبيل المثال، أبرزت الدراسة إلى محورية دور مراكز الفكر في التجربة الأمريكية، إذ نجد أن الثلاث مراكز فكر الأكثر تأثيرا في العالم توجد في الولاياتالمتحدة ويعني الأمر : مؤسسة ''بروكنز انستيتيشيون '' ومجلس العلاقات الخارجية'' ''ومركز كارنجي'' وهي تمارس تأثيرا كبيرا على الرأي العام الأمريكي . مما يفسر مدى تمركز مراكز الفكر على المستوى العالمي. مغربيا، ولئن بينت الإحصائيات وجود أزيد من 6300 مركز أفكار في 169 بلد، فإن نصيب المغرب يظل محدودا( 10مراكز). واعتبرت الدراسة أن دواعي حاجة المغرب لمراكز الفكر تتمثل في وظيفة صناعة الأفكار الجديدة، ثم إمداد الحكومة بالأطر وبالخبراء المتخصصين، ثم إنها تشكل أداة مكملة للمساعي الحكومية للتوسط وإدارة الأزمات. أما عن مبررات عدم انتشار مؤسسات الفكر بالمغرب، فأرجعتها بعض الدراسات إلى طبيعة النظام السياسي وأدوات اشتغاله، ثم اعتماد الملك على مستشاريه المقربين. من جانب آخر توقفت دراسات أخرى عند ضعف التمويل وفقدان الاستقلال المالي لمعظم المراكز، وأزمة البحث العلمي في المغرب. بالمقابل اعتبرت دراسة أخرى أهمية العوامل السوسيولوجية في إعاقة عمل مراكز الفكر بالمغرب. وتتجلى هاته العوامل في ضعف ثقافة الاستشارة، وغياب ثقافة احتضان مشاريع الفكر الاستراتيجي من قبل أرباب الاقتصاد. من جانب آخر، خلصت مجمل الدراسات على أن معالجة ضمور الفكر الاستراتيجي في المغرب يتطلب أولا إعادة الاعتبار لمراكز الفكر من الجوانب القانونية والمالية. بل إن البعض اعتبر أن ''لا مجال لتطور الفكر الاستراتيجي بدون مناخ ديمقراطي حقيقي وفضاء استراتيجي أوسع''. مع أولويات إعادة صياغة منظومات التفكير، ثم المساهمة في بلورة إطار مناسب اجتماعي لتنمية دور الفكر والاستشارة وسط المجتمع وبين صناع القرار السياسي والاقتصادي. وكذلك تجسير الفجوة بين السياسي والعلمي. في إطار أشمل هدفه تأسيس مراكز فكر أكثر ديمقراطية ومبنية على المعرفة العلمية. وبعد أحداث 16 ماي ,2003 وفي خطاب ملكي بمناسبة ذكرى عيد العرش قال جلالته:''لأن بلدنا يعرف انتقالا شموليا يتطلب تعزيز قدرات الرصد والتدبر والتوقع ، فقد قررنا إحداث معهد ملكي للدراسات الإستراتيجية ينكب على هذه المهام الحيوية للتحكم والتفاعل مع التحولات العميقة الداخلية والخارجية ''. المعهد سيرى النور سنة ,2007 وقد أنتج المعهد تقريرا ''يتيما'' هم الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيرها على المغرب. اعتبرت الدراسة أنه وأمام تواضع مستوى الأداء الدبلوماسي المغربي وضعف الديبلوماسية الموازية وفي ظل تصاعد وتيرة الأزمات، فإنه أصبح من الملح التفكير في وضع سياسة واضحة ضمن المصالح الحيوية للمغرب. وذلك من خلال الاعتماد على مراكز قصد تجاوز هشاشة المغرب الجيوسياسية والإطار الجغرافي المحدود المرتكز حاليا على الاتحاد الأوروبي، مع البحث عن تحالفات أوسع.