"ميتا" تعلن عن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي جديد    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    مدرسة التكنولوجيا تستقبل طلبة بنصالح    جماعة طنجة تصادق على ميزانية 2025 بقيمة تفوق 1،16 مليار درهم    المغرب يعتبر نفسه غير معني بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري        إقليم تطوان .. حجز واتلاف أزيد من 1470 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك خلال 4 أشهر    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في الدورة الثانية من مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية    خطاب خامنئي.. مزايدات فارغة وتجاهل للواقع في مواجهة إسرائيل    التعادل ينصف مباراة المحمدية والسوالم    أساتذة كليات الطب: تقليص مدة التكوين لا يبرر المقاطعة و الطلبة مدعوون لمراجعة موقفهم    هكذا تفاعلت الحكومة الإسبانية مع قرار محكمة العدل الأوروبية    مغاربة يحيون ذكرى "طوفان الأقصى"    مصدرو الخضر والفواكه جنوب المملكة يعتزمون قصْدَ سوقي روسيا وبريطانيا    قرار محكمة العدل الأوروبية: فرنسا تجدد التأكيد على تشبثها الراسخ بشراكتها الاستثنائية مع المغرب    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني ودخول 30 مركزا صحيا حضريا وقرويا حيز الخدمة بجهة فاس مكناس    وزير خارجية إسبانيا يجدد دعم سيادة المغرب على صحرائه بعد قرار محكمة العدل الأوربية    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    مسؤول فرنسي: الرئيس ماكرون يزور المغرب لتقوية دعامات العلاقات الثنائية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    امزورن.. سيارة ترسل تلميذاً إلى قسم المستعجلات    المحامون يقاطعون جلسات الجنايات وصناديق المحاكم لأسبوعين    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    فيلا رئيس الكاف السابق واستدعاء آيت منا .. مرافعات ساخنة في محاكمة الناصري    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الجماهير العسكرية تطالب إدارة النادي بإنهاء الخلاف مع الحاس بنعبيد وارجاعه للفريق الأول    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    دعوة للمشاركة في دوري كرة القدم العمالية لفرق الإتحاد المغربي للشغل بإقليم الجديدة    لحليمي يكشف عن حصيلة المسروقات خلال إحصاء 2024    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    تقدير موقف: انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وفكرة طرد البوليساريو "مسارات جيوسياسية وتعقيدات قانونية"    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خديجة رياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ل "التجديد": أغلب المحاكمات المرتبطة بمحاربة الإرهابغير عادلة مما جعلنا نطالب بإعادتها
نشر في التجديد يوم 29 - 09 - 2010

خلفت الشكاية التي رفعها أحد الإسرائيليين المقيم بالمغرب ضد عضوين من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ردود فعل في صفوف مجموعة من الفعاليات الجمعوية، وبهذا الخصوص أكدت خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خلال الحوار الذي أجرته مع التجديد أن تهمة معاداة السامية لا توجد أصلا في القانون المغربي، معتبرة ما حدث حملة شنيعة تعرضت لها الجمعية من جهات معروفة بعدائها لها.
وبخصوص استمرار حالات الاختطاف بالمغرب، أكدت الرياضي أنه مادام هناك استمرار للإفلات من العقاب للمتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، سواء في الماضي أو الحاضر، فلن تتوقف تلك الانتهاكات.
في حوار اليوم مع خديجة الرياضي، توقفنا عند مقاربة الدولة مع ملف الإرهاب، والخلافات الأخيرة التي عرفتها الجمعية بعد مؤتمرها الأخير..
لثاني مرة ترفع دعوى قضائية بتهمة معاداة السامية في المغرب، كيف تقرؤون الشكاية المرفوعة ضد أعضاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالصويرة؟ وهل يمكن اعتبار البلاغ الشهير لوزارة الداخلية ( قضية كاريكاتيريست أخبار اليوم) ممهدا لمثل هذه الدعوات؟
في حدود علمي لم يسبق أن توبع أحد بمعاداة السامية في المغرب فهي لا توجد أصلا في القانون المغربي. أما الشكاية الموضوعة ضد الجمعية فأي قراءة لها لن تستقيم إلا باستحضار الشروط والظرفية التي جاءت فيها. وهنا لابد أولا من الرجوع للحملة الشنيعة التي تعرضت لها الجمعية من جهات معروفة بعدائها لجمعيتنا وبمواقفها المناهضة لحقوق الإنسان. فهناك من قام بالتحريض ضد الجمعية، وهناك من طالب بحلها وهناك من دعا أعضاءها للانشقاق. لكنها حملة لم تحقق هدفها وهو ضرب مصداقية الجمعية وتشويه سمعتها لدى الرأي العام الدولي بالأساس، الذي يعتبر تقارير الجمعية مصدرا موثوقا به، وتحاليلها ومواقفها مرجعا من المراجع في مجال أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب. بل ربما أعطت تلك الحملة نتائج عكسية، بالنظر للحضور الكثيف والنوعي لوسائل الإعلام في الندوة الصحفية المنظمة في نهاية شهر يوليوز والمخصصة لتقديم تقريرنا السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان والتغطية الإعلامية التي حضي بها.
ثانيا، تُعتبر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إحدى الجمعيات الملتزمة بفضح جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية للكيان الصهيوني وحضرت إلى جانب أول مواطنة فلسطينية ترفع شكاية ضد الجيش الإسرائيلي أمام المحكمة الجنائية الدولية (وقد استدعيناها مؤخرا لتكريمها بالمغرب دعما لمبادرتها ومنعنا من ذلك)، كما تحرص الجمعية على إحياء الأيام الدولية للتضامن مع الشعب الفلسطيني وتناهض كل أشكال التطبيع مع إسرائيل، في نفس الوقت الذي تدعو فيه لعدم الخلط بين الصهيونية، كحركة استعمارية استيطانية عنصرية، واليهودية كديانة تحترم ككل الديانات. وتعارض الجمعية الشعارات التي تعادي اليهود أوتحملهم مسؤولية الجرائم الصهيونية، تماشيا مع اقتناعها التام باحترام حرية الاعتقاد وبعدم التمييز بسبب الدين وضرورة فصل الدين عن الدولة. وهذا منظور ساهم في فضح استغلال الصهيونية للديانة اليهودية لحشد الدعم لمشاريعها الاستيطانية.
ثالثا، يعرف فرع الجمعية بمدينة الصويرة تطورا مهما، وأصبح يتتبع العديد من الملفات من ضمنها تلك المتعلقة بالتواجد الصهيوني بالمدينة ويفضح اللقاءات التطبيعية التي تتم بها.
لكل هذه الاعتبارات تكون هذه الشكاية الصهيونية، وما حاولت أن تبثه من خلط بين مناهضة الصهيونية ومعاداة السامية، أداة لعرقلة عمل الجمعية مركزيا وفرعيا ليس فقط في مجال مناهضة الصهيونية ولكن أيضا في مختلف المجالات، عبر زعزعة الثقة والمصداقية التي تحظى بهما الجمعية لدى الرأي العام الدولي والأوربي بالأساس نظرا للأهمية التي يوليها لمسألة معاداة السامية.
جاء التقرير السنوي الأخير للجمعية المغربية صادما فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كيف ترون في الجمعية تطور هذا الملف في المستقبل القريب؟
لقد تعاملت الدولة مع نتائج هيئة الإنصاف والمصالحة شبيه بتعاملها القديم والمتجدد مع حقوق الإنسان وتوظيفها شكليا كواجهة لتحسين صورة المغرب عند الرأي العام الدولي. وقد تمكنت من ذلك فعلا بعد الدعاية القوية التي خصصت لعمل الهيئة خارجيا حتى قبل التعريف به بالداخل. لكن بعد مرور سنوات دون تنفيذ تلك التوصيات اتضح للجميع غياب الإرادة السياسية لدى الدولة للوفاء بالتزاماتها رغم أن تلك التوصيات هي نتاج، بالأساس، لمقاربتها الخاصة. وتقرير منظمة العفو الدولية الحامل لعنوان الوعد الضائع الصادر سنة 2009 يعكس حدود التوظيف الذي راهنت عليه الدولة. وأكثر من هذا فالتقرير النهائي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان حول متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة الصادر في بداية السنة يشكل تراجعا عن التوصيات نفسها ويؤكد تخلي الدولة بشكل رسمي عن تفعيل تلك التوصيات بعد 4 سنوات من التماطل والتعتيم.
فبالنسبة لنا في الجمعية نعتبر أنه ما دام هناك استمرار للإفلات من العقاب للمتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان سواء في الماضي أو الحاضر لن تتوقف تلك الانتهاكات وهو ما يتطلب بدوره وجود قضاء مستقل ونزيه وكفء. ومن ضمن التوصيات التي لم يتم الشروع في إعمالها تلك المتعلقة بوضع استراتيجية لعدم الإفلات من العقاب بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. مما شجع على استمرارها. وتطور هذا الملف رهين بالدور الذي ستقوم به الحركة الديمقراطية بشكل عام في التصدي لتلك الانتهاكات بدءا باستعادة الحركة الحقوقية لعملها الوحدوي بخصوص ملف الانتهاكات الجسيمة وتحسين أداء هيئة المتابعة المنبثقة عن المناظرة الوطنية، من جهة لفرض تطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ومن جهة أخرى للعمل على تفعيل توصيات المناظرة الوطنية مما يستوجب الإسراع بتنظيم المناظرة الوطنية الثانية.
ارتبطت جل الانتهاكات التي سجلها تقرير الجمعية بلمف الارهاب. كيف تقيمون المقاربة الأمنية المعتمدة في غياب مقاربة تفسح المجال لخيارات أخرى مثل الحوار على غرار تجارب دول أخرى؟
أغلب جرائم الاختطاف والاحتجاز والتعذيب والمحاكمات غير العادلة هي فعلا ناتجة عن مقاربة الدولة لملف الإرهاب ويشكل بذلك الجزء الأكبر من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان السياسية والمدنية. إلا أن التقرير السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان لسنة 2009 الذي قدمته الجمعية للصحافة نهاية يوليوز الماضي، بسط مجمل الخروقات التي تابعتها الجمعية - وليس فقط التي تتسم بالجسامة خ وقد مست مختلف أصناف الحقوق بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحقوق الفئات والحقوق الجماعية. وفي ما يخص مقاربة الدولة لملف الإرهاب فهي موضوع انتقادات حادة بسبب تسييد المقاربة الأمنية وبسبب الانتهاكات الجسيمة التي واكبتها. ونعتبر أن الأغلبية الساحقة من المحاكمات التي همت ملفات ما يعرف بمحاربة الإرهاب هي محاكمات غير عادلة، مما جعلنا نطالب بإعادة تلك المحاكمات مع احترام تام لشروط وضمانات المحاكمة العادلة أو إطلاق سراح المعتقلين الذين حوكموا في إطارها. كما نطالب بإطلاق سراح عدد من معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية لأننا مقتنعون بأن اعتقالهم مرتبط بآرائهم ومعتقداتهم التي عبروا عنها سلميا. وبالنسبة لنا في الجمعية فالمخططات والإجراءات الكفيلة باجتثاث جذور الإرهاب وهي نفس الإجراءات التي ناضلنا من أجلها منذ تأسيس الجمعية وليست مرتبطة بظهور جرائم الإرهاب في بلادنا وهي: احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها ومناهضة الإمبريالية وإقرار الديمقراطية وضمان الكرامة وحقوق الإنسان السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجميع، وإقرار سياسة تعليمية وثقافية وإعلامية تعيد الاعتبار للعقل وللفكر العلمي على أنقاض الفكر الخرافي ونزعات اللاتسامح الديني والتطرف والتكفير والتي كان للدولة نفسها في فترة معينة دور كبير في إذكائها.
يلاحظ استمرار تناسل خلايا الإرهاب وظهور حالات العود. هل يمكن اعتباره من الناحية الحقوقية مؤشرا على استمرار الانتهاكات في ظل المقاربة الأمنية؟
في غياب حكامة أمنية جيدة - وهي أيضا موضوع إحدى توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي بقيت حبرا على ورق - وفي ظل انفلات الأجهزة الأمنية من أي مراقبة حكومية أو برلمانية أو غيرها ، وفي غياب قضاء مستقل يضمن الحق في المحاكمة العادلة للجميع كشرط لإجلاء الحقيقة، يصعب تقييم ظاهرة الإرهاب من خلال تصريحات وزارة الداخلية ومحاضر الشرطة القضائية. أما مؤشرات استمرار الانتهاكات الناتجة عن المقاربة الأمنية لظاهرة الإرهاب كثيرة ومعروفة من خلال تتبعنا لممارسات الأجهزة الأمنية، من اعتقالات خارج نطاق لقانون، واحتجاز في أماكن غير معدة قانونا للاعتقال والاستنطاق من طرف أجهزة غير مخول لها ذلك قانونا. كما نستقي الانتهاكات التي تمارسها الأجهزة الأمنية من خلال شهادات الضحايا، خاصة فضحها للتعذيب الذي تعرضوا له، ومن ملاحظة المحاكمات التي لا تأمر بالتحقيق في مزاعم التعذيب، وتقصينا حول أوضاع المعتقلين في إطار هذا الملف داخل السجون، والممارسات الانتقامية التي يتعرضون لها داخلها... فمن الناحية الحقوقية لا ينازع أحد في تورط الأجهزة الأمنية في ممارسات انتهاكات حقوق الإنسان، والدولة بنفسها اعترفت بوجود خروقات وتجاوزات في هذا الصدد.
تعمد كثير من الصحف إلى نشر محاضر الضابطة القضائية وإدانة المشتبهين في الإرهاب قبل إحالتهم على القضاء. كيف ترون هذه الظاهرة مع العلم أن بيانات وزارية وندوات صحفية لمسؤولين تسقط في نفس الأمر؟
للصحافة دور نبيل يجب أن تقوم به في نشر قيم حقوق الإنسان والتعريف بها كما لها دور الإخبار وإيصال المعلومة وأيضا فضح انتهاكات حقوق الإنسان لكن في احترام تام لكرامة الناس وشرفهم ودون المس بالذمم. وقد سبق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن وضعت شكاية لدى الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري حول بث القناتين الرسميتين لتصريحات وزير الداخلية ووزير الإتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، بعد اعتقال المتابعين في ملف بلعيرج، اعتبرتها انتهاكا لسرية التحقيق ولقرينة البراءة ولكرامة المشتبه فيهم وتشكل توجيها للقضاء. لكن الهيئة لم تتجاوب مع مطلب حق الرد لدفاع المعتقلين الذي طالبنا به. فعندما يتعلق الأمر بالإعلام الرسمي وبتورط أجهزة الدولة في هكذا عمل يصبح الضرر أكبر في غياب فصل للسلط واستمرار قضاء فاقد للاستقلالية ويعمل بالتعليمات، لأن ذلك ينزع من المواطنين الذين يتعرضون للاعتداء على حقوقهم من طرف الدولة أي وسيلة لرد الاعتبار وجبر الضرر ورفع الظلم الذي لحقهم. وكل هذا مرتبط بطبيعة الدولة التي لا تتوفر على مقومات دولة الحق والقانون الذي يتساوى فيها الجميع أمام القانون ويشكل فيها القضاء حاميا للحقوق وضامنا للحريات.
ارتباطا بما سبق، هل للصحافة دور ما في انتهاكات حقوق الإنسان حين تصطف مع الرواية الرسمية المتطاولة على المؤسسة القضائية؟
كما قلت للصحافة دور نبيل يجب أن تقوم به. وفي الدول الديمقراطية تعتبر الصحافة سلطة رابعة حيث العلاقة بين السلط الثلاثة الأخرى المعروفة تكون متوازنة ولا تهيمن أي واحدة على الأخرى. ويكون القضاء المستقل الكفء والنزيه ملجأ لكل من اعتبر نفسه ضحية تعسف أو ضرر من أي جهة كانت. والصحافة عندما تصطف مع جهة معينة دون توخي الموضوعية والحياد والتقصي وتبتعد عن قواعد العمل الصحفي المهني الذي يحترم أخلاقيات المهنة تكون أيضا منبعا للضرر. وهذا موضوع يشغل بال الجميع وفي مقدمتهم الصحافيون النزهاء أنفسهم الذين يضعون هذا الموضوع على رأس اهتماماتهم. لكن لا يمكن أن نساوي بين مستوى المسؤولية التي تتحملها الأجهزة الأمنية والحكومية والمؤسسة القضائية في انتهاكات حقوق الإنسان ومسؤولية الصحافة. كما أن غياب قضاء مستقل يجعل ضبط العلاقة بين الحرية والمسؤولية في الممارسة الصحفية مسألة صعبة حيث وحده القضاء المستقل الكفء والنزيه له صلاحية تقدير الخطإ وكلفته في حال انتهاك الصحافي لقيم المهنة وقواعدها. لأنه غالبا ما يستعمل أيضا خطاب المسؤولية للإجهاز على الحرية من طرف الدولة خاصة وأن الإعلام الرسمي أول من ينتهك أخلاقيات مهنة الصحافة من خلال توظيف هيآت إعلامية تمولها جيوب المواطنين والمواطنات لخدمة مواقف ومصالح أجهزة الدولة.
حقق النضال الحقوقي كثيرا من الانجازات في المغرب، كيف تنظرون إلى مستقبل هذا النضال في ظل التحولات التي يعرفها المغرب على أكثر من صعيد؟
يواجه النضال الحقوقي العديد من التحديات لعل أبرزها هو المنحى التراجعي عن الإنجازات التي تم تحقيقها. وقد اعتبرت الجمعية دائما أن المكاسب التي تحققت في مجال حقوق الإنسان هي مكاسب جزئية وهشة بمعنى أنها لم تمس كل حقوق الإنسان حيث الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من أكثر الحقوق تهميشا وانتهاكا. كما أن ما تحقق في الحقوق الأخرى قابل للتراجع في غياب ضمانات دستورية تشكل مدخلا لدولة الحق والقانون. وقد اصطدمت تلك المكاسب بأول امتحان وهو ما عرف بمحاربة الإرهاب حيث تم الرجوع لممارسات الماضي ولانتهاكات جسيمة شبيهة بسنوات الرصاص، وتلا ذلك قمع الصحافيين والحقوقيين الذين فضحوا تلك التراجعات. كما أن تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين وانتهاك حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية أدى إلى تنامي الحركات الاحتجاجية فووجهت بالقمع والعنف بدورها مما جعلنا نعيش وضعا تنتصب فيه تحديات كبيرة أمام النضال الحقوقي.
ونعتبر أن من بين المعيقات والحواجز الأساسية لتشييد دولة الحق والقانون واحترام حقوق الإنسان هو استمرار الدستور غير الديمقراطي الحالي. وهو ما جعل مؤتمراتنا الثلاثة الماضية تتبنى المطالبة بدستور ديموقراطي ضمن شعارها الأساسي. وقد كان شعار المؤتمر الأخير للجمعية مكثفا لمنظورنا لمستقبل النضال الحقوقي وهو : حركة حقوقية وديمقراطية قوية من أجل دستور ديمقراطي ودولة الحق والقانون ومجتمع الكرامة والمواطنة، ويؤكد على أهمية وضرورة تضافر جهود الحركة الحقوقية والحركة الديموقراطية ككل وتقوية صفوفها وتعزيز التضامن في ما بينها من أجل إقرار دستور ديمقراطي، من حيث منهجية صياغته من طرف ممثلي القوى الحية بالبلاد، ومضمونه الديمقراطي، وأسلوب المصادقة النهائية عليه بواسطة استفتاء ديمقراطي حر ونزيه.ومن أجل تشييد دولة الحق والقانون، التي تعتبر العلمانية إحدى مواصفاتها، ومجتمع الكرامة والمواطنة الذي يقر بالكرامة كقيمة عليا كرامة الوطن وكرامة الشعب وكرامة الإنسان ويضمن لجميع مواطناته ومواطنيه التمتع بكافة حقوق الإنسان وأيضا الاحترام التام لحقوق المواطنة وما تستوجبه من مساواة فعلية بين كافة المواطنين وبين النساء والرجال في كافة المجالات ودون تحفظات وتطهير كل التشريعات من مفهوم المقدس والتراتبية الاجتماعية وتعزيز القيم الإنسانية الكبرى وفي مقدمتها: الكرامة والحرية والمساواة والتضامن وقدسية الحياة.
العلمانية وحقوق الانسان والمواثيق الدولية
استغرب كثيرون اعتبار العلمانية، التي لم تلق إجماعا داخل جمعيتكم، ضمن حقوق الإنسان في أدبياتها، وهو ما يجعلها أقرب إلى حزب سياسي منه إلى جمعية حقوقية. وهناك من يعتبر الأمر فقط آلية من آليات الصراع الداخلي في الجمعية، ما تعليقكم؟
نوقشت العلمانية داخل الجمعية خلال اكثر من ست سنوات. طرحت في المؤتمر السابع وتأجل الحسم فيها ثم في المؤتمر الثامن وتقرر من جديد عدم إدراجها في مقررات المؤتمر ونظمت بعد ذلك العديد من الندوات استدعي لها مناصرون ومعارضون للعلمانية وندوات داخلية أعطيت فيها الكلمة لكل وجهات النظر المتواجدة داخل الجمعية. واختتم النقاش حولها في ندوة 21 مارس - التي استدعي إليها قياديون سابقون في الجمعية - باتفاق الجميع على أننا لا نختلف داخل الجمعية حول المواقف بما فيها الموقف من العلمانية. وتوصل الجميع بشأنها إلى خلاصة مفادها عدم إدراج العلمانية كمبدإ من مبادئ الجمعية لكن فقط كمواصفة من مواصفات دولة الحق والقانون. وهو الموقف التوافقي الذي طرح في المؤتمر. وفي خضم النقاشات حول العلمانية التي نظمتها الجمعية خلال تلك السنوات، لم يكن هناك معارضون للعلمانية من حيث تناقضها مع المطالب الحقوقية، بل اعتبر الجميع أن النضال من أجل حقوق الإنسان في كونيتها لا يتعارض مع النضال من أجل العلمانية، وأن الاحترام الفعلي لحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا لا يمكن أن يتم إلا في مجتمع علماني حيث تسمو المواثيق الدولية على التشريع المحلي. ويعتمد المعارضون لتبني العلمانية أساسا على مسألة موازين القوى السياسية وصعوبة الدفاع عن العلمانية في الوقت الراهن، وأن الدولة يجب أن تبقى دولة دينية لأنه إذا انتزع منها الدين سيصبح سلاحا بيد الحركات الدينية المتطرفة . وهذا أعتبره شخصيا من صميم المقاربة السياسية والتحليل السياسي. لأننا كجمعية حقوقية يجب أن نعتمد المبدئية في المواقف وليس التكتيكات السياسية. أما اعتبار العلمانية في حد ذاتها مطلبا سياسيا فقد برز بشكل أكبر بعد المؤتمر التاسع. وفي كل الأحوال فالعلمانية لها مضمون حقوقي باعتبارها مواصفة من مواصفات دولة الحق والقانون وهو الذي يهمنا ونركز عليه، والعلمانية شرط ضروري - لكن غير كافي - للديمقراطية، وهي تركيز لعدد من المطالب الحقوقية كاحترام حرية العقيدة وسمو المواثيق الدولية عن التشريع المحلي والمساواة الفعلية بين النساء والرجال وغيرها من المطالب الحقوقية التي لا يختلف عليها أحد وسط الحركة الحقوقية برمتها.
أما استعمال الخلافات للصراع حول المواقع فهذا أيضا عرفته المؤتمرات السابقة للجمعية. وكان الموقف من الأمازيغية هو الذي يستعمل لهذا الغرض إلى أن تم تبني الجمعية لموقف الترسيم الدستوري للغة الأمازيغية. وطبعا، لم يكن المؤتمر الأخير في منأى عن هذه الممارسة، سواء باستعمال الموقف من العلمانية أو الموقف من النزاع في الصحراء أو من الحريات الفردية...
نقطة العلمانية من ضمن النقاط التي أسفرت عن انسحابات من الجمعية إبان مؤتمرها الأخير. هل تعتقدون أن الاستمرار في رفع شعار العلمانية حق من حقوق الإنسان سيساعد على حل المشاكل التنظيمية المرتبطة به، خاصة أنه يقرأ على أنه محاولة إقصاء أحد مكوناتها الأساسيين؟
أولا لا بد من التذكير أن الخلافات داخل الجمعية ليست وليدة المؤتمر الأخير. فالجديد في الأمر هو ما عرفته خلافات المؤتمر الأخير من تغطية صحافية واسعة، لا يفسر ذلك إلا محاولة بعض الجهات توظيف تلك الخلافات لتصفية حسابات سياسية قديمة مع الجمعية. واللجوء إلى التغليط والافتراء وابتعاد العديد من الكتابات عن الموضوعية والحياد أكبر دليل على ذلك.
فقد عرفت الجمعية خلافات داخلية كثيرة في مسارها النضالي. منها ما أدى إلى انشقاق في صفوفها، عبر تشكيل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، ومنها ما أدى إلى انسحاب مجموعة من الأعضاء في بداية التسعينات. كما عرف مؤتمرها السابع سنة 4002 انسحاب مكون من مكوناتها احتجاجا على عدد المقاعد التي اقترحتها لجنة الترشيحات لأعضائه. وتعايشت الجمعية مع هذه الخلافات وعالجت ما هو قابل للمعالجة وربطت علاقات العمل المشترك مع الهيآت التي شكلها المنشقون والمنسحبون واستمرت في العمل والتطور.
أما ما وقع في المؤتمر الوطني التاسع من سحب لعدد من المرشحين للجنة الإدارية لترشيحاتهم وانسحابهم من المؤتمر فهو حسب المنسحبين لا يرتبط بالضرورة بالموقف من العلمانية بل هناك عدد كبير من المنسحبين يربطون موقفهم بالاختلاف فقط حول تدبير التمثيلية التعددية داخل أجهزة الجمعية ولا علاقة له بالمواقف. لكن استغلال المواقف من أجل التفاوض حول المواقع، كما سبق الذكر، كان حاضرا.
أما الاستمرار في رفع شعار العلمانية، فنتائج المؤتمر الأخير واضحة وقد تبنى المؤتمر الصيغة التي اقرحتها اللجنة التحضيرية والتي كانت بدورها محل نقاش واسع وتوافق الجميع وهي اعتبار العلمانية إحدى مواصفات دولة الحق والقانون. كما أن المقرر الخاص بحقوق المرأة اعتبر أن النضال من أجل احترام حقوق المرأة والمساواة الفعلية بين المرأة والرجل يتطلب النضال من أجل دستور ديمقراطي علماني. وهذه قرارات ملزمة للجميع إلى حدود المؤتمر المقبل الذي يملك وحده صلاحية تغييرها. لا يحق للمتحمسين للعلمانية أن يتجاوزوا هذه المواقف كما لا يحق لمعارضيها أن يطالبوا بالتراجع عنها الآن. ويبقى النقاش الداخلي الديمقراطي والصريح مفتوحا على مصراعيه فهو وحده الكفيل بتطوير مواقف الجمعية في إطار الالتزام بمرجعيتها ومبادئها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.