في محاولة منهما لتطويق الخلافات، أجرى ملك اسبانيا خوان كارلوس اتصالات هاتفية مع الملك محمد السادس، اتفقا فيه على الالتقاء قريبا في لقاء غير رسمي. وذلك لتخفيف التوتر، جرّاء الأحداث المتوالية خلال الأشهر الأخيرة، والتي تعرض خلالها مواطنون مغاربة للتعنيف من قبل الشرطة الإسبانية في مليلية، مما خلّف ردود فعل غاضبة من لدن المغرب. وقال متحدث باسم القصر الملكي في إسبانيا، إن الملكين أشارا إلى العلاقات الجيدة بين البلدين، وأكدا على ضرورة أن لا تتعكر هذه الأجواء الطيبة بسبب سوء تفاهمات. وأضاف أن إسبانيا مستعدة تماما لإيضاح ما يلزم إيضاحه. هذا، وقد هاجمت الحكومة المغربية إسبانيا، في خمسة بيانات متوالية منذ منتصف يوليوز الماضي، حول قضيتين اثنتين: الأولى تتعلق بسوء معاملة الإسبان للمواطنين المغاربة في مليلية، وصلت حدّ ضربهم وتعنيفهم. أما القضية الثانية فتتعلق بما جاء في آخر بيان مغربي اتهم الشرطة الإسبانية بالعنصرية بعدما امتنعت عن نجدة مهاجرين أفارقة في البحر المتوسط، معربا عن دهشة الرباط للصمت الإسباني إزاء هذه التجاوزات الخطيرة. وحسب دبلوماسي مغربي، فإن العلاقات بين البلدين لا يمكن إلا أن تكون جيدة، مثمنا إجراء اتصال هاتفي بين ملكي البلدين لاحتواء التوتر، خاصة وأن العلاقات بين الجارين غاليا ما تثير مشاكل جزئية، يجب الحذر من أن تتحول إلى أزمة أكبر. وأضاف لالتجديد أن مسؤولي البلدين لم يصلا بعد إلى تطبيق روح معاهدة الصداقة لسنة ,1991 والتي تقتضي وجود اتصال مباشر ودائم حول الملفات الكبرى بين البلدين. واعتبر المسؤول نفسه أن ثمة مشكل تواصل حدث فيما يبدو جرّاء الاعتداءات على المواطنين المغاربة في مليلية، مما اضطر الملك خوان كارلوس إلى أن يتدخل بنفسه. وتتسم العلاقات بين البلدين بالمد والجزر، وفي السنوات الأخيرة، باتت تمتاز بالتباين، فعلى المستوى الاقتصادي بلاحظ أنها في تقدم مضطرد، إذ منذ 2008 باتت إسبانيا الشريك التجاري والاقتصادي الثاني للمغرب، لكن على المستوى السياسي فإن العلاقة ظلت ترواح مكانها. وقال أستاذ العلوم السياسية محمد العمراني بوخبزة، إن ملف الاعتداءات ذو طابع حقوقي وليس سياسي، فهو شبيه بملف أميناتو حيدار، لكنه كشف عن ازدواجية المعايير لدى الإسبان اتجاه المغرب. مشيرا في الوقت ذاته إلى ملفات أخرى، يتسم فيها الموقف بالغموض أو الرفض. الحالة الأولى تتعلق بموقف إسبانيا الغامض من الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، أما الحالية الثانية فهي رفضهم لطرح المغرب المستمر لاسترجاع سبتة ومليلية، آخرها في التصريح الحكومي الأخير في أبريل الماضي، ووقوفهم ضد المغرب في مجلس الأمن بخصوص مزاعم انتهاك حقوق الإنسان في الصحراء. وخلال الأشهر الأخيرة، سجّل المغرب تجاوزات إضافية للإسبان، منها ضبط أنشطة تجسسية إسبانية في شمال المغرب، خاصة في منطقة الريف، ثم الفتور الذي استقبل به الإسبان السفير المغربي الجديد في مدريد، وثالثا ضبط طائرة هيلكوبتر عسكرية إسبانية فوق مناطق بالساحل الشمالي. ولم تجد إسبانيا ما ترد به على المغرب سوى استغلال قضية طرده لمنصرين أجانب منهم اثنين إسبان، ضبطوا متورطين في عمليات تنصير للأطفال والشباب. التوتر الذي تسببت فيه الاعتداءات الإسبانية على مغاربة وأفارقة، يعكس في الحقيقة خلفيات علاقة مثقلة بملفات كبيرة، لم تستطع قيادة البلدين بعد أن تحقق بشأنها أي تقدم يذكر، مثل قضية الصحراء، وملفات التجارة والاقتصاد والتسلح، والحدود البحرية. ويسهم القرب الجغرافي بين البلدين، والإرث الاستعماري التاريخي الذي يغذيه استمرار الاحتلال الإسباني لسبتة ومليلية والجزر الجعفرية، في إذكائها التوتر أكثر. تؤججه الرغبة الإسبانية في تقويض الأهمية الجيوستراتيجية للمغرب، والتي تجعله ذو أولوية في السياسات العسكرية والاقتصادية الفرنسية والأمريكية على السواء.