استضاف الموقع الإلكتروني لحركة التوحيد والإصلاح في حوار حي الدكتور عبد الصمد بلكبير، الباحث والأستاذ الجامعي. وقد تناول الحوار موضوع حوار الغرب مع الحركات الإسلامية. وذلك على خلفية الإعلان الأمريكي والأوروبي عن مبادرة اليد الممدودة للإسلاميين المعتدلين في العالم الإسلامي، مبادرة قابلها البعض بالتأييد، وعارضها البعض الآخر. وقد تناول الحوار مع زوار الموقع دوافع الغرب إلى هذا الحوار مع الحركات الإسلامية، وكذا مدى أهلية هذه الحركات واستعدادها لذلك، ومخاطر مد اليد إلى أمريكا وهي التي تذبح المسلمين في عدة بقاع من العالم. ألا ترون أن اقتراح الغرب للحوار مع الحركات الإسلامية، وقبول هذه الأخيرة لذلك يدور مع دوران المصلحة وجودا وعدما؟ لا شك أن مسألة المصلحة معتبرة، سواء في العلاقات بالأفراد، أو العلاقات بالأفراد والشعوب، وهي مسألة بديهية، لأن مضمون تلك العلاقات مصالح متبادلة قريبة أو بعيدة المدى، بما في ذلك أكثر العلاقات حميمية، كالعلاقات الأسرية، ومثيلاتها، والعيب ليس في المصلحة بحد ذاتها، بل في طبيعتها ونوعيتها، هل هي مصالح مفيدة للأطراف، أم أنها مضرة. هل على حساب المبادئ والقيم، أم تخدمها وتنطلق منها؟ في خضم دعوة أروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية لفتح الحوار مع الحركات الإسلامية، ألا ترون أن تمادي البعض في طروحاته التي ما كان له أن يعلن عنها لولا هذه الدعوة للحوار، هو استقواء بهذا الغرب وإنهاك للدول العربية الإسلامية بالاستعانة بجهات خارجية؟ إن التناقضات، ومن ثم الصراعات، هي من طبيعة داخلية دائما. ولا يلعب فيها الخارج، وفي الغالب، سوى دور المساعد الداعم لهذا الطرف، والمناوئ للطرف الآخر. فالتناقضات بين المجتمعات الإسلامية وحركاتها من جهة، وإدارات دولها من جهة أخرى هي تناقضات ذات طبيعة موضوعية وداخلية. ولا يمكن تصورها وكأنها أمر مصطنع، أو مستورد من الخارج. وللإشارة فتدخل الخارج لا يفسر وجود هذا الطرف أو ذاك. وعندما يتدخل الخارج في تناقضاتنا، يجب الإقرار أولا أنه لا بد متدخل، بالرأي أو بالسيف، خصوصا عندما يكون هذا الخارج رأسمالية استعمارية امبريالية توسعية مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفعلا، ففي الزمن الفارط كانت هذه الأخيرة تدعم الأنظمة ضدا على شعوبها وحركاتها المعارضة، منها طبعا الحركات الإسلامية، واليوم نلاحظ بداية تغيير، جزئي غالبا، لهذا الموقف من أمريكا، حيث نلاحظ تزايد انتقاداتها للأنظمة من جهة، وانفتاحها الأولي على الحركات الإسلامية المعارضة من جهة أخرى. وما يفسر موقفها هو مصالحها، سواء منها الآنية، أو الآجلة والمقبلة. ولنتذكر في هذا الصدد أن الرأسمالية الغربية، والتي كانت تحتضن وما تزال الأنظمة الرأسمالية التابعة لها، استنتجت أن هذا الاحتضان أضحى ينتقص من مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ويهددها باللاستقرار، وذلك بفعل انتشار الفساد المستورد من قبلها بالضبط، وهو ما يتجلى في عدة مظاهر: قروض بفوائد ضخمة لا توظف في ما اقترضت له، ولا تعود إلى البنوك الغربية، أسواق ينضب معينها ويقل استهلاكها، فقر ينتشر بتواتر يومي، شروط غير مشجعة على الاستثمار... كل ذلك وغيره ينتج بطالة وهجرة وتطرفا وجرائم منظمة... إلخ. وكل ما سبق جعل أمريكا تستنتج أن سياستها تلك بدأت ترتد عليها بعكس مقاصدها، فرفعت عدة شعارات ومن مختلف أجهزتها المالية والتجارية والسياسة الدولية تستهدف ما تسميه بالإصلاحات، غير أن أيا من ذلك لم يؤت أكله المرغوب، فالفشل الذريع للغرب بشكل عام مع المدللين في إدراة الدول التابعة، دفعه إلى إعادة التفكير في العلاقة من أصلها. وفي هذا السياق جاء الانتباه المتأخر للحركات الإسلامية، خاصة وأن هذه الأخيرة تميزت خلال الفترة الأخيرة على الأقل بأمرين، الجماهيرية الكاسحة وانتصار استراتيجية الاعتدال والعقل وسيادة أسلوب العمل المدني والسياسي الشرعي في عمل الكثير من الحركات. إن التجاء الغرب إلى هذه الحركات هو ضرورة وليس اختيارا، ويستهدف إنقاذ مصالحها قبل أن يستهدف مصالحنا، غير وقوع تقاطع بين استراتيجية الحركة الإسلامية، واستراتيجية الغرب في لحظة معينة، لا يعني توحد أو وحدة منطلقاتهما ولا أهدافهما، كذلك، فقد تكون لحظة عابرة، وقد تطول، وفي نظري يجب الاستفادة منها موضوعيا مع الحذر من أي التباس أو غموض في العلاقة قد يوحي بأن هنالك استقواء بالخارج في صراع الداخل. وعلى كل حال، فجل الحركات الإسلامية التي تعمل في إطار الشرعية في الوطن العربي توضح دائما، وتؤكد أن وطنيتها فوق كل اعتبار، وأن نزاهتها لا تقبل التباسا أو غموضا، غير أن ذلك لا يكفي لإزالة كل التساؤلات الممكنة، خصوصا وحرب الإعلام التي تستهدف التدليس والتلبيس كأهم أدوات أعداء الشعوب وحركاتها المكافحة في حربهم ضدا عليها. أليس من الخطر على الحركات الإسلامية قبول سياسة اليد الممدوة مع الغرب؟ ألن يفقدها ذلك قاعدتها الشعبية المعهودة والتي بنيت على أساطير معاداة الغرب بكل الطرق الشعبوية التي تثير أحاسيس المواطنين وتجعلهم في تبعية عمياء لهاته الحركات دون أي اطلاع على برامجها السياسية أو تطلعاتها المستقبلية؟ هناك في سؤالكم على الأقل مسألتان تحتاجان إلى توقف، الأولى مسألة علاقة المواطنين أو الجماهير بالحركات الإسلامية والتي تعتبرونها علاقة مبنية على الجهل والشعبوية، وفي هذا ضمنيا احتقار للمواطنين، ولعقول وأحاسيس من يتعاطون مع الحركات الإسلامية، فالشعبويات لا تستطيع أن تنتصر دائما وعلى مستوى شعب بعينه لمدى طويل. والحال أن ما نلاحظه بالنسبة للساحة العربية والإسلامية عموما، أن ثمة استمرارية وشيوعا لتيارات الفكر والتنظيمات السياسية الإسلامية، الأمر الذي يرفع عن علاقتها بمواطنيها اتهامكم. أما مسألة الخطر فهو تهديد دائم، فكل علاقة مع عدو أو خصم، تحتمل النجاح أو الإخفاق، فهذه حرب باردة أو ساخنة، والعبرة بنتيجة الحرب، وليس بنتيجة معركة أو معركتين، والمؤكد أننا في الحروب لا ننتصر عن طريق الهروب منها أو الابتعاد عنها، بل باقتحامها ومواجهة جميع ممكناتها واحتمالاتها، بما في ذلك السلمية منها، والعبرة في هذا الصدد هي الثقة في النفس المستمدة من الثقة في الأهداف والمبادئ والثقة في الشعوب، وهذا هو الحصن الحصين الذي يحمي من جميع الأخطاء أو الأخطار، وإذا وقعت فهو كفيل بأن ينقذ منها، فليس من المعقول الانعزال، بل تجب المواجهة بجميع الوسائل، بما في ذلك الحوار أو التفاوض المبني على وضوح الأهداف، ووضوح المقاصد، والمعرفة الدقيقة بمن تحاوره. والاستعداد الدائم للمراجعة وللنقد ولتصحيح الأخطاء أمام الشعب ومعه بدون تردد، أو خوف من إعلان مكامن الأخطاء أو الفشل. الأستاذ عبد الصمدبلكبير لماذا أنت بالضبط في هذا الحوار؟ وليس أحد رموز حركة التوحيد والإصلاح أو أحد المحسوبين على التيار الإسلامي في المغرب؟ خاصة وأننا نعرف أنك أحد ناشطي اليسار المغربي المعتدلين؟ وهل يمكن أن ينتهي حوار أمريكا والغرب مع الحركات الإسلامية بنتيجة لصالح المسلمين؟ ولا ننسى أن أمريكا مازالت أيديها تقطر بدماء إخواننا في العراق وفلسطين وأفغانستان... وتدنس مقدساتنا. فهي تمد لنا يداوتذبح إخواننا باليد الأخرى؟ أنا هنا لأنني مغربي عربي مسلم، أتعاون مع إخوة مغاربة عرب ومسلمين، تجمعنا إليهم أرض مشتركة ومجتمع مشترك وذاكرة مشتركة وأهداف مشتركة في الديمقراطية والعدالة والتقدم، وعبرة التاريخ الحديث والمعاصر دلتنا على أن ثمة روافد ثلاثة لنهضة هذه الأمة، إما أن تتعاون فننجح، وإما أن تتصارع وتتنابذ، فيكون مصيرنا ما هو عليه وما وصفته في العراق وفلسطين وغيرهما. هذه الروافد الثلاث هي التي تجيب، كل من جانبها، على المعضلات الثلاث للأمة: معضلة الحكم، ويجيب عنها التيار الليبرالي، الذي يطرح مسألة الديمقراطية كمفتاح، ويمكن إدخال القوميين ضمنهم. وتيار العدالة الاجتماعية، أو الاشتراكي، الذي يجيب على معضلة التفاوتات الاجتماعية ويعتبرها أساس معضلة الحكم. ثم التيار الذي يمكن وصفه بالهوياتي، الذي لا يقتصر على جواب سؤال ماذا نريد؟ بل يتجاوزه نحو سؤال أعمق هو من نحن ومن نكون؟ وفي مقدمة هذا التيار يوجد التيار الإسلامي. ورهاني اليوم، كما هو رهان العديد من المناضلين العرب، هو محاولة الملاءمة والتعاون بين هذه التيارات الثلاثة، عوض الصراع الذي أدى بها إلى ما تعرفه، سواء مصر (عبد الناصر والإخوان المسلمون)، أو سوريا البعث والإخوان المسلمون، أو عراق صدام والثورة الإسلامية في إيران، إلى أخره من المآسي التي تفسر راهننا البئيس، والذي بلغ درجة التجرؤ على احتلالنا العسكري المباشر. وبخصوص الشق الثاني للسؤال، فيجب التذكير أن الغرب، وفي مقدمته الولاياتالمتحدةالأمريكية، ليس متجانسا، بل تتوزعه مصالح وتناقضات، وبالتالي صراعات يفسرها التطور الذي يحصل على مستوى كل رأسمالية على حدة، أو على مستوى العالم، والذي يسيطر اليوم في الولاياتالمتحدةالأمريكية هو المجمع المالي الصناعي العسكري والبترولي، مبتزا ومرغما بقية الرأسماليات الأمريكية (العقارية، التجارية، الفلاحية، المدنية عموما...) على أن توظف فوائدها الاقتصادية لصالح طرف، وعلى حساب بقية الأطراف، وهذا المجمع هو الذي يعادينا، ويحاربنا في الوقت نفسه الذي يحارب شعبه أيضا، غير أن لهذه القيادة حدودا تنتهي عندها... وأعتقد جازما أن هذا الذي يتحدث عنه اليوم كحوار غربي (أمريكي بالذات) مع أنماط محددة من الحركات الإسلامية العربية وغيرها هو تعبير عن إرادة ومطامح وأهداف نمط من الرأسمالية وليس غيره، ويكشف عن بداية النهاية لاستراتيجية وبداية انبثاق استراتيجية أخرى مضادة داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية بالذات، وهذه البداية للتحول السياسي الاستراتيجي تعكس تحولا في نمط العلاقة بين المجمع الصناعي العسكري، والمجمع الصناعي الأمريكيين. وتكشف أن حرب الإرهاب بدأت تتكشف عن فشلها، وبدأ البحث عن بدائل أخرى: أي البحث عن أنماط أخرى للتسويق غير تسويق الدبابات والمزمجرات والجنود، بل تسويق فورد وكولكات، وجيليت، إنها حالة نسترجع فيها لحظة من التاريخ المعاصر في أواسط السبعينيات عندما انسحبت أمريكا من سوق الحرب في الفيتنام منهزمة، لتفتح سوق الصين الشعبية التجارية السلمية، إنه تحول من قيادة المجمع العسكري إلى قيادة المجمع الصناعي المدني... وإذا كان مقصد الولاياتالمتحدة التكتيكي من إعلانها نيتها في فتح الحوار والتعاون مع الحركات الإسلامية، فقط الضغط على إدارات الدول التابعة لها في الوطن العربي من أجل أن تفتح أوراش الإصلاح وتمارسها بجدية، فهذا يفيدنا، لأنه تعبير عن تراجع في الهجمة الغربية، وقبول ولو جزئي لبعض أو لكل من مطالبنا الإصلاحية المختفلة في التعليم والقضاء والإدارة وتخليق الحياة العامة والسكن إلخ. أما إذا عرفنا كيف نفعل ونستثمر جيدا هذه البداية من التراجع الغربي عن الهجوم نحو نوع (تعاون) فعندئذ ستكون الأرباح أعظم، والمكاسب أكبر، وذلك رهين في نظري بتلافي السقوط في تصارع تياراتنا الوطنية في ما بينها، واستخلاص العبرة والدرس من تاريخ الغرب معنا في كونه يشجع طرفا ضدا على الآخر، فيكون جوابنا هو تعاوننا وتكاملنا ومواجهتنا له بخطاب وطني مستقل وديمقراطي. ألا ترى أن هذا الاهتمام من لدن الغرب بالحركات الإسلامية نوع من السياسة الرامية إلى محاولة تذويب قوة هذه الأخيرة، بعدما عجز ت أنظمتها على ذلك، أي محاولة خلق نوع من التوازن يضمن الحفاظ على مصالحها في الدول العربية؟ لا أتصور سياسة بدون مصالح، فالسياسة تعبير عن لقاءات أو صراعات مصالح جماعات أو دول، وهذا أمر يجب التعامل معه باعتباره واقعا موضوعيا، ويبقى المطلوب هو الجواب على سؤال: ما هي مصلحة الولاياتالمتحدة في فتحها الحوار مع الحركات الإسلامية، وقد تبعتها في ذلك أوربا. وهنا سأقتصر على المثال التجريبي والنموذجي الملموس الذي جربته أولا في الحالة التركية، قبل أن تفكر في تعميمه، فبالرغم من سيادة الجيش، ودولته العلمانية المتطرفة، وتبعية تركيا المطلقة لجميع الاستراتيجيات الغربية في المقدمة منها الأمريكية، فقد كان الفشل ذريعا لنظامها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وعمقت الأزمات كلها، في الوقت نفسه الذي لم تستطع فيه إدارة دولتها الهيمنة على الشعب التركي، الذي استمر مسلما، بل وتعمق إسلامه باعتباره حصنا لاستقلاله ولكرامته ولمستقبله. فمن أجل الإنقاذ ماذا كان على الغرب أن يفعل مع احترام آليات الديمقراطية الليبرالية سوى أن يسمح للإسلاميين أن يأخذو إدراة الحكم من أجل إنقاذ الاقتصاد والدولة. تلك كانت مصلحة الغرب في تركيا، والتي لم تكن في تعارض مع مصلحة الشعب التركي وحركاته الإسلامية المعارضة، إن تقاطع المصلحتين في هذه الحالة، لا يعني بحال تطابقهما، بل قد يعني تناقضهما في المسار بل وتصارعهما في المآل. وهذا المثال يسمح لنا بفهم بعض حالات أوضاعنا العربية، وخاصة الحالة المصرية. ألا ترون أن الحوار يجب أن ينطلق أولا من الداخل بيننا، بين اليسار واليمين قبل الحوار مع الغرب؟ أتفق معك، فالحوار يجب أن يكون داخليا أولا، قبل أن يكون مع الخارج، ومن الأفضل أن يكون موحدا في ما بيننا مع الخارج، غير أن الأمر مع ذلك قد يحتاج إلى بعض التوضيح، إذ ما هي حدود الداخل، وحدود الخارج؟ ذلك لأن هنالك من في الداخل الوطني يمثل مصالح الخارج الاستعماري، كما أن في الخارج هنالك من تعتبر مصالحه متناقضة مع مصالح أولئك الذين نعاني من استغلالهم أو من استعمارهم، ومن ثم فالتعامل معهم والتعاون معهم ضدا على خصومهم وأعدائنا سيكون لمصلحة التقدم والديمقراطية، والأمثلة على ذلك كثيرة، فالحركات السلمية في الغرب... والحركات المضادة للعولمة. هل تعتقدون أن هذه السياسة الغربية في صالح الحركات الإسلامية، خصوصا وأن هذه الأخيرة تعيش ظرفية خاصة اليوم. في جميع الحالات لا يجوز للفاعل السياسي أن يتردد أو يرتبك أو يتراجع، وهو في ميدان المعركة، عليه أن يكون دائما مستعدا في جميع الاستعمالات حربا أو سلما، حوارا أو مفاوضة، المهم أن يتشبث بمبادئه وأهدافه وعلاقته بمواطنيه، نحن وأهدافنا سننجح في السلم وبالسلم، أكثر مما يمكن أن نحققه في شروط الصراع والحرب، نحن لا نلجأ إلى أسلحة المقاومة، بما في ذلك العنيفة منها، إلا اضطرارا، وردا لفعل، وليس اختيارا في شروط السلام وفي شروط الحوار والمفاوضة، نستطيع أن نحقق أهدافنا أكثر من غيرها من الشروط. تطرح الولاياتالمتحدةالأمريكية اليوم الحوار مع الحركات الإسلامية، لكن السؤال المطروح هو ما مدى استعداد الحركات الإسلامية لفتح هذا الحوار، وخصوصا الحركات الإسلامية في المغرب؟ أنا غير مخول بالحديث نيابة عن الحركة الإسلامية المغربية أو غيرها، ويمكن توجيه السؤال إلى أحد قياداتها في الموقع أو في الصحف، ومع ذلك فتصوري المبني على حدود معرفتي أن الحركات الإسلامية في المغرب كما في غيرها من البلدان، لا مانع لديها أن تحاور خصومها في الداخل أو أعداءها في الخارج، فليس لديها ما تخسره في الحوار سوى جهل أعدائها بأهدافها وطبيعتها الديمقراطية والمضادة للعنف والحوار والتفاوض، لذلك مفيد دائما للطرف القوي بأفكاره وببرامجه وبثقة المواطنين فيه. ويخسر فيه الضعيف الذي تتناقض مطامحه مع إمكانيات الواقع والتاريخ، وبالتالي مع مصالح ومطامح الشعوب. فلا خوف إذن على الحركات الإسلامية أو غيرها أن تفتح حوارا شرط أن يكون معلنا مكشوفا واضح الأهداف والمقاصد، ولا يخفي عن الشعب أمرا يهمه في الحوار. حوار الدول الأوربية وأمريكا مع الحركات الإسلامية ليس رسميا، وقرارته لن تغير من سياسة الهمجية التي تتزعمها أمريكا في اتجاه بلدان إسلامية، فما الذي تنتظره الحركات الإسلامية من هذا الحوار. فتح الحوار من قبل أمريكا والغرب عموما يعبر على الأقل عن عاملين: من جهة بداية النهاية لاستراتيجية الهجوم العسكري ضدا على ما يسمى بالإرهاب، وهو عامل موضوعي مبني على موازين القوى وعلى استنفاذ الفائض الاقتصادي عسكريا واستنزافه، ذلك أنه محدود الكمية ومحدود الامتداد في الزمن نتيجة لذلك، ومن ثم سيقع التحول من اقتصاد الحرب وسياسته إلى اقتصاد السلام وسياسته، أما العامل الثاني فهو الجناح الرأسمالي المتضرر من الاقتصاد العسكري، وهو في هذه الحالة أوربا باستثاء إنجلترا وبعض مرتزقة أوربا الشرقية، وأيضا رأسمالية الاقتصاد المدني داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، الذي لا ينتج دبابة أو رصاصة أو نعشا، أو لوجستا عسكريا، بل ينتج لباسا، وسيارة، ومعجون أسنان... ومن مصلحتنا أن نتعامل، بل ونتعاون مع هذا الشق في الرأسمالية لننتصر به على خصومهم وأعدائنا في الرأسمالية الغربية ذاتها، ألا وهو المجمع الصناعي والمالي العسكري. هل الحركات الإسلامية قادرة في الوضع الحالي للمشاركة في الحوار مع الغرب؟ الحركات الإسلامية ليست متكافئة ولا متوازنة على مستوى الساحة الإسلامية، فهناك العريقة منها نسبيا، وذات الجذور والتاريخ الذي يحصنها، وهنالك الحديثة والتي لم تجرب بعد في مجالي العمل الفكري والسياسي ما يسمح لها فعلا بأن تكون ندا في الحوار مع دهاء الغرب الرأسمالي. وما بين هذين المستويين هنالك حركات بالرغم من حداثتها، إلا أن زمانها السياسي والتاريخي كانا من الكثافة بحيث عوضاها عن افتقادها الجذور التاريخية... ومع ذلك فلا شك أن بين الحركات الإسلامية المختلفة علاقات وتبادل تجارب وحوار مكنها كل في ساحته من أن تستفيد من تجارب الآخرين، وأيضا فالمعرفة العلمية والتي لا شك أن الكثير من أطر الحركات الإسلامية اليوم تتوفر عليها، هذه المعرفة هي، من جهة ثانية، تسمح بنوع من القدرة على المكافأة والتوازن، وبالتالي الندية، وسبق وقلت أن الحصانة مرتبطة بمدى تشبث التنظيمات بمبادئها من جهة، ووضوح أهدافها لقياداتها من جهة أخرى، ومتانة ارتباطها بشعوبها من جهة ثالثة.