يتطلب الحديث عن الفتح الإسلامي الوقوف على القاموس المتداول في إثارته، غير أن النتيجة التي توصلت إليها العديد من البحوث والدراسات الموضوعية التي أنجزت في الموضوع كما يقول التيجاني بولعوالي في كتابه الإسلام والأمازيغية عندما توصل إلى نتيجة مفادها أن الأمازيغ استجابوا بشكل تلقائي للإسلام، وأن الإسلام جاء لينتصرلا بالسيف، الذي وظف سياسيا وإيديولوجيا لخدمة مختلف البلاطات التي تعاقبت على احتكار الدين الإسلامي، وإنما بالقيم التي استمرت بالرغم من اندثار تلك البلاطات وتلاشيها، مما يفند كون الإسلام مجرد غزو مادي أو استعمار سياسي . ويشدد بولعوالي في السؤال، تأكيدا على تلك القاعدة العامة لفلسفة الفتوحات الاسلامية، كيف يمكن تفسير تشبث الأمازيغ بالإسلام عبر مراحل تقلدهم سدة الحكم، واستقلالهم الكلي عن دار الخلافة في المشرق، إذ كان باستطاعتهم الردة عن الإسلام والرجوع إلى معتقداتهم التي كانوا يعتقدونها قبل مجيء الإسلام؟ وهو معطى تاريخي لا ينكره حتى معتنقوا مقولة إكراه الأمازيغ على الاسلام، ويوضح أن مسألة إسلام أمازيغ المغرب، كما هو الشأن بالنسبة لغيرهم، مبنية على القناعة والرضى. والأمر لا يتوقف على مرحلة تاريخية معينة بل يستمر بعد عدة قرون إلى اليوم. لذلك يتساءل بولعواليكيف يمكن استيعاب استمرار تمسكهم بهذا الدين في الوقت الحاضر، وهم يملكون الحرية التامة في اختيار طريق أخرى؟ فهذه الاعتبارات التي لا ينكرها أحد هي، حسب بولعوالي، ما يؤدي بحسب العديد من الدارسين إلى اعتبار أن هذه المعطيات لها دلالة واحدة تكمن في كون الفتح الإسلامي إنما هو فتح بالقيم التي استقرت في النفوس ليس تحت ضغط السيوف، وإنما تحت رحمة الحقيقة الإسلامية المطلقة التي زرعت في القلوب الطمأنينة الأمل. وبالرغم من هذه المعطيات الحقيقية، فإن محاربة الأمازيغيين للإسلام في بداية انتشاره بشمال إفريقيا-كما يقدمها الطرح الاستشراقي وأيضا التغريبي- أمر جد عادي، غير أن هذا لا يعني أنهم حاربوا الإسلام على أساس عدائي، وإنما حاربوه من باب الدفاع عن بلادهم والذود عن هويتهم الأمازيغية. والموقف الدفاعي الذي اتخذه الأمازيغ من الفاتحين المسلمين الأوائل، لا يعادل ما فعلته القبائل العربية وعلى رأسها قريشا وبلدان أخرى في محاربة الإسلام، بالرغم من الأواصر الدموية والعشائرية القوية التي كانت تربط بينهم وبين من حملوا رسالته في بداياتها. وبناء على هذا فإن مقاومة الانتشار الاسلامي لا تخص الأمازيغ حتى نجعل منها حجة على كونهم أكرهوا على الدين، ما دام العرب أنفسهم حاربوا الدين قبل أن يعتنقوه. من جهة أخرى فإن الإسلام لا يمكن أن يوضع في نفس السلة التي يوضع فيها غيره من المستعمرين، كالبيزنطيين والوندال والرومان وغيرهم، فهؤلاء جاؤوا بنية تحقيق ما هو مادي بالدرجة الأولى، عبر الاستيلاء على السواحل والأراضي الزراعية واسترقاق الناس ونحو ذلك، أما الإسلام فجاء بنية تحقيق ما هو معنوي بالدرجة الأولى، وهو نشر رسالته السماوية والدعوة إليها. والأهم أن الإسلام جاء ليحرر الإنسان من استعباد أخيه الإنسان له، فتحرر بذلك الأمازيغ من سطوة الغزاة الشماليين وأصبحوا سادة أنفسهم وسادة العالم الذين بددوا بنور الإسلام ظلمات على أوروبا وجزء لا يستهان به من أفريقيا. لقد صار الإسلام دين الأمازيغ بشكل سريع لأنه جاء ليملأ ذلك الفراغ الروحي الذي لم يتمكن أي دين آخر من ملئه بشكل سليم. ثم إن تلك الأخلاق والمعاملات التي حث الإسلام على التحلي بها كانت حاضرة بشكل لافت في الشخصية الأمازيغية التي وجدت في العقيدة السمحة سندا روحيا يخلصها من حيرتها الوجودية، وماديا يحررها من أسر الشعوب الأوروبية التي كانت تنظر إلى سكان شمال أفريقيا نظرة دونية مبنية على الاحتقار والازدراء واغتنام خيراته.