ككل عام، كان شهر رمضان في هذه السنة محطة جديدة للتأكيد على نقاء معدن أبناء هذه الأمة وعمق تجذر الدين والأخلاق في أنفسهم وفي وجدانهم، وخاصة منهم الشباب المتوضئ الذي تعلق قلبه بالمساجد وتاقت نفسه للالتزام بالدين وبالأخلاق الرفيعة. وبموازاة هذه الصورة فقد كان هذا الشهر الكريم كذلك، محطة تسجيل العزوف الواضح للناس عن التفاهات والبذاءات من الأقوال والأفعال التي ملأت برامج القناتين الأولى والثانية، بل إن الناس خلال هذه السنة لم يكتفوا بالعزوف فقط، ولكن بادروا وبقوة، سواء في شبكة الانترنيت أو على صفحات الجرائد أو في مجالسهم العادية، للتنديد والتعبير عن استيائهم ورفضهم لهذه الرداءة والعبثية التي طبعت هذه البرامج، بل وطالب بعضهم بمحاسبة الجهات التي ضيعت الأموال وأنفقتها على التفاهة دون عائد ولا فائدة. وإن في ذلك لعبرة ودرسا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فليل الميوعة والرداءة والعبثية قصير، وما أن يطلع الفجر حتى يتبدد الظلام، ولذلك، أرجو أن يكون ما حصل هذه السنة فرصة لأن يفهم أولئك الذين ينفقون الأموال الطائلة ويضيعون الجهود الكبيرة في تنظيم مهرجانات الهرج والمرج والصخب والميوعة بدعوى تشجيع الفن، أنهم إنما يتجنون بذلكم على الفن ويشوهونه ويحرفونه عن رسالته السامية، وأن الفن من كل أفعالهم بريء. كما أرجو أن يفهم أولئك الذين يزعمون أن إقبال الشباب على هذه المهرجانات دليل عن ابتعادهم عن الغلو والتشدد بل وعن التدين بشكل عام، أن يفهموا أنَّ إشاعة الفاحشة والرذيلة والإباحية وتوفير فضاءات الجرأة والتجرؤ على حرمات الله وعلى كل معاني الأخلاق هو خطر محدق بهذا البلد، وأنه ليس من العقل معالجة مشكل بمشكل أكبر منه، كما أرجو أن ينصتوا لصوت العقل وأن يفهموا أنهم بتشجيعهم الانحراف والتطبيع معه إنما يعملون بذلك على تحطيم كل الجهود التي تسعى جاهدة المؤسسات التربوية والتثقيفية القيام بها. على أولئك الذين يحبون أن تشيع الفاحشة بين الناس، أن يعتبروا من تلك الصفعات المتتالية التي يتحملها المغرب والشعب المغربي في كل مرة بسبب سياساتهم، وقد جاءت آخرها من دولة البحرين وفي مستهل شهر رمضان، حينما طردت خمسمائة فتاة مغربية بصفة فنانة، ولعلهن يكن راقصات أو ضحايا لإحدى شبكات الاتجار في الرقيق الأبيض. وعلى أولئك الذين يشجعون الدعوة إلى الشذوذ العلني والجماعي، وإباحة الزنا والتطبيع معه، والدعوة إلى إفطار في نهار رمضان بشكل جماعي علني منظم ومقصود، وغيرها من الدعوات المستفزة والمُقرفة، باسم الدفاع عن الحرية الفردية وعن حقوق الإنسان، عليهم، أن يفهموا أنهم بذلك إنما يسعون لنشرالفتنة والبلبة، وأنهم بتجرئهم على انتهاك القانون وتكسير الإجماع الوطني والثوابت الدينية، إنما يسعون إلى تحطيم أسس التماسك الاجتماعي والعبث بالأمن الروحي للمغاربة، وتهديد السلم الاجتماعي للمجتمع، وبذلك فعليهم أن يفهموا أنهم إنما يلعبون بالنار. أرجو كذلك أن يفهم كل من يعتقد أنه بإشاعة الفاحشة وتعميم الرذيلة والإباحية إنما يبني المجتمع الحداثي الديمقراطي التقدمي، أنه واهم، وأن ما يقوم به لا يبني شيئا على الإطلاق وأنه إنما يُهدِّم ويُحطِّم كل معاني الانتماء لهذا الوطن وكل معاني التربية والتنشئة لأبناء الوطن. وأرجو أن يتأملوا جيدا في تجربة تركيا التي فعل فيها أتاتورك كل شيء من أجل إبعاد الشعب عن الدين وطمس كل مظاهر التدين ، والذي استعمل كل وسائل الترغيب والترهيب والقمع والقهر، لكننا رأينا ، وبعد أقل من نصف قرن فقط على وفاته، كيف بدأ الشعب التركي يُقبِل على دينه وقيمه، وكيف ظهر جيل جديد تربى في محاضن التدين التي تخرج منها شباب صالحون مصلحون يعملون على مصالحة الدولة مع دينها ومع شعبها، ويعملون على بناء تركيا جديدة متقدمة ومزدهرة ومعتزة بتاريخها وتراثها وانتمائها الحضاري الإسلامي. وفي الختام فإنني إن كنت قد نبهت أهل الفساد وأنصاره والمنتفعين منه أن حبله قصير، وأنه لا يصح إلا الصحيح، وأن مخططاتهم لن تفلح ولن تنجح أبدا بإذن الله، فإنني بالمقابل أقول لأهل الصلاح ولجميع الغيورين والشرفاء ،أن جهودكم لن تذهب سدى وبأنها هي التي ستبقى وهي التي ستدوم، لأن الله تعالى يبشرنا بقوله سبحانه {أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} فما علينا إلا أن نثبت على منهجنا ونستمر في البناء وفي التربية وفي إعداد الشباب الصالح المصلح لبلده ودينه وأمته، المتمسك بجذوره المعتز بانتمائه، شباب فاعل ومنفتح على كل أشكال وآليات التجديد والتطور من أجل تحقيق النهوض الحضاري المنشود.