أخنوش: التوازن التجاري يتحسن بالمغرب .. والواردات ضمن "مستويات معقولة"    رئيس الحكومة يؤكد أن صادرات قطاع ترحيل الخدمات حققت نتائج غير مسبوقة بلغت 18 مليار درهم        «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    البحرية الملكية تُحرر طاقم سفينة شحن تحمل العلم الليبيري بطانطان    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    في مديح الرحيل وذمه أسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم»    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة    الجيش المغربي يشارك في تمرين بحري متعدد الجنسيات بالساحل التونسي    المحامون يواصلون شل المحاكم.. ومطالب للحكومة بفتح حوار ووقف ضياع حقوق المتقاضين    "أطباء القطاع" يضربون احتجاجا على مضامين مشروع قانون مالية 2025    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل        متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    أقدم استعمال طبي للأعشاب في العالم يكتشف بمغارة تافوغالت    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    معدل البطالة في صفوف الشباب المغربي يتجاوز 39 في المئة    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    "المعلم" تتخطى عتبة البليون مشاهدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    المنتخب المغربي يستعد لمواجهة الغابون ببعثة خاصة واستدعاء مفاجئ لحارس جديد    تقرير: سوق الشغل بالمغرب يسجل تراجعاً في معدل البطالة    مسار ‬تصاعدي ‬لعدد ‬السجناء ‬في ‬المغرب ‬ينذر ‬بأرقام ‬غير ‬مسبوقة ‬    مزور… الدورة الوزارية ال40 للجنة الكومسيك، مناسبة لتعزيز الاندماج الاقتصادي بين الدول الإسلامية    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    كيوسك الإثنين | "زبون سري" يرعب أصحاب الفنادق    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    ارتفاع أسعار النفط بعد تأجيل "أوبك بلس" زيادة الإنتاج    الباشكي وأيت التباع يتألقان في بلوازن    السعودية تعلن اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي    مظاهرات بمدن مغربية تطالب بوقف الإبادة الإسرائيلية بغزة    الخطوط الجوية الفرنسية تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر    تحقيق أمني بطنجة بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة في بنك المغرب    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    ابن تماسينت إبراهيم اليحياوي يناقش أطروحته للدكتوراه حول الحركات الاحتجاجية    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العمل الإسلامي في زمان ما بعد الحداثة- بقلم امحمد جبرون
نشر في التجديد يوم 29 - 12 - 2008


إن ألف كلمة لا يمكن أن تتحدث ببلاغة صورة واحدة لفتت انتباهي في السنوات الأخيرة ظاهرة الفتور وتراجع الحماس الدعوي الذي بدأ يظهر على قوى أساسية في العمل الإسلامي المعاصر في الكثير من البلاد الإسلامية ومن بينها المغرب، حيث فقدت العلاقة بين الحركة الإسلامية والشعوب العربية الكثير من حرارتها، فلم يعد لقادة العمل الإسلامي التقليديين (الإخوان المسلمين)، ومبادراتهم السياسية والتنظيمية ذلك الوهج الذي كان لهم في السابق. بطبيعة الحال هناك عدة عوامل جديدة يمكن أن تفسر لنا هذا التطور السلبي في مسيرة العمل الإسلامي في العقدين الأخيرين، وفي مقدمتها الحرب على الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، والتضييق المستمر الذي تمارسه العديد من الأنظمة العربية على كل ما هو إسلامي.. إلخ، ولكن حقيقة هذا التطور وأسبابه الموضوعية ـ في نظرنا ـ تقع في مستوى أعمق من هذا بكثير، إذا لم تدركه الحركة الإسلامية، وتتكيف معه، ستجد نفسها بعد وقت وجيز خارج التاريخ، وغير فاعلة فيه. إن التحليل العلمي والموضوعي لوضعية العمل الإسلامي في اللحظة الراهنة يجب أن يتجاوز العوارض والأشكال نحو الجواهر والأسرار، التي تتميز بقدر من الثبات والاستمرارية. وفي هذا السياق لابد من ربط ما يطرأ على هذه الظاهرة الإنسانية من تحول وتبدل بما يجري في الواقع الإنساني ويتفاعل. فالتناول المنغلق للظاهرة الإسلامية الذي يعزلها عن عوامل المحيط المحلي والدولي لن يؤدي سوى إلى مزيد من الأخطاء والانحراف في معالجة الحالة. وسنسعى في هذا المقالة للقيام بشيء من هذا، والمغامرة باقتراح تأويل مختلف لوضعية العمل الإسلامي الحالية، نعتقد صوابه من الناحية العلمية مقارنة بعدد من الأنماط التأويلية والتفسيرية السائدة اليوم في الساحة الإسلامية. لقد ظهرت أولى تجارب العمل الإسلامي في بداية القرن الماضي، متزامنة مع انتصارات الحداثة الشاملة في المجالات الاقتصادية (الرأسمالية)، والثقافية (العقلانية)، والسياسية (الليبرالية)، التي ترجمت بعد استقرارها في الغرب إلى حركة استعمارية عنيفة طالت مختلف مناطق المعمور، وتضرر منها بشكل خاص العالم العربي والإسلامي. ويبدو من خلال مراجعة سريعة لأدبيات ومفردات الخطاب الإسلامي التي تبلورت على امتداد القرن العشرين الحضور القوي لموضوع الحداثة بمظاهرها المختلفة الفكرية والتنظيمية، لقد كانت بمثابة الضمير المستتر الذي يقف خلف معظم المواقف والتعبيرات دون أن يظهر. الشيء الذي يدفعنا للقول، وباطمئنان كبير أن العمل الإسلامي في البلاد العربية هو أحد ثمار الحداثة غير المباشرة، وشكل مختلف في التفاعل معها، شأنه في ذلك شأن التيار القومي والتيار الليبرالي واليساري. فالمتابع عن قرب لتطور الظاهرة الإسلامية خلال القرن العشرين يلاحظ بيسر استعارة الحركة الإسلامية الكثير من عدتها وثروتها المعرفية والتقنية من الحداثة الغربية؛ ويبدو هذا جليا في مجال التنظيم، ووسائل العمل، وبعض الأفكار السياسية والمبادئ المعرفية. وإذا كانت الحركة الإسلامية ورغم اتصالها بالحداثة وأخذها عنها في الكثير من الجوانب النقيض الموضوعي لها من الوجهة الإستراتيجية؛ ذلك أن غايات العمل الإسلامي ومقاصده لا تتفق ولا تتوافق تماما مع غايات الحداثة وأغراضها الوجودية، فإنها مع ذلك متأثرة بها وبالنكسات التي أصابتها وتصيبها. فمعظم الاستيعارات التي قام بها الإسلاميون وبكفاءة عالية من عالم الحداثة لمقاتلتها وهزمها أمست اليوم دون جدوى، وقليلة الأهمية، فعلى سبيل المثال وسائل الحداثة التقليدية في الدعاية والإعلام، التي انتهجتها الحركة الإسلامية منذ عقود: كالندوة، والمحاضرة، والتظاهرة، والصحيفة...، وبعض المبادئ الفكرية التي وظفتها وأصلتها كالعقلانية والليبرالية والعدالة الاجتماعية... أمست اليوم في أزمة، وفقدت جزءا مهما من تأثيرها ووهجها، ومن ثم جانب من أزمة العمل الإسلامي التي يعانيها في الظرف الحالي هي في العمق أزمة الحداثة. إن ما بعد الحداثة مفهوم غامض وملتبس، ولحد الآن لم يتوافق المفكرون الغربيون قبل غيرهم على محتوى دلالي معين، ورغم ذلك فإنه من الناحية العملية يعني الانفجار المعلوماتي وظهور مجتمع المعرفة، وسقوط معظم الثوابت التقليدية للحداثة سواء تعلقت بنظرية المعرفة أو طبيعة الوجود. وتتجلى المظاهر العملية لما بعد الحداثة في المجتمع الغربي، بشكل قوي وبارز، متمثلة في التمرد على سلطانها (الحداثة). والعالم العربي والإسلامي ونظرا لارتباطه الوثيق بالغرب والعولمة الثقافية والمعرفية التي يعيشها تأثر هو الآخر بعوامل ما بعد الحداثة النظرية والعملية وفي مقدمتها: ثقافة العبث واللاجدوى (عبدة الشيطان) التي بدأت تستقطب أعدادا كبيرة من الشباب العربي المسلم، وإشكاليات الحقيقة، ووسائل النشر والإعلام الجديدة مثل الانترنيت، والفضائيات، والتكنولوجيا الرقمية...، ونتيجة لذلك لم يعد الناس مهتمين بما تطرحه الحركة الإسلامية من قضايا وإشكاليات، ولا مقبلين على وسائل التواصل التقليدية التي تمكنت منها وبكفاءة عالية، ومالوا ميلا واضحا نحو الوسائط الجديدة، وخاصة فئة الشباب في الأوساط الحضرية. فخضوع المجال الحيوي للإسلاميين ـ على الأقل من الناحية العملية ـ إلى تأثيرات ما بعد الحداثة، وفي المقابل ارتفاع درجة المحافظة في الممارسة الإسلامية جعل جزءا عظيما من العمل الإسلامي خارج الواقع، ومن ثم خارج التاريخ. فما تنفقه الحركة الإسلامية التقليدية والمحافظة من أجل بث رسائلها القيمية والأخلاقية في المجتمع لا يحقق النتائج المرجوة منه، كما كان الحال في السابق، الشيء الذي يقتضي المبادرة السريعة للدخول في عصر ما بعد الحداثة، والتمكن من الفرص الدعائية التي تتيحها. إن هذا التخلف عن العصر لا ينطبق على سائر مكونات وفعاليات العمل الإسلامي فهناك من نشأ ـ ومنذ البداية ـ نشأة ما بعد حداثية، وبالتالي أنشأ في الواقع تنظيما افتراضيا ذي نفوذ كبير وواسع على صعيد العالم، والمثال البارز في هذا الباب تنظيم القاعدة، الذي يمكن اعتباره الوجه الآخر لما بعد الحداثة في العالم العربي والإسلامي، فأفكاره ضرب من ضروب العبث، ووسائل عمله افتراضية من القيادة إلى الخلية، وقوته تكمن في تأصيله للموت الذي تحتفي به فلسفة ما بعد الحداثة (نيتشه وفوكو)، وفي وسائل عمله الرقمية والتصويرية والمعلوماتية. إن فلسفة ما بعد الحداثة النظرية والعملية تجتاح العالم العربي والإسلامي بشكل هادئ وسريع، وتقترح علينا قضايا جديدة ووسائل ووسائط حديثة، واستمرار الإسلاميين في تجاهل هذه القضايا والوسائط، والركون إلى أجندة الحداثة التقليدية سيجعلهم وراء الأجيال الجديدة وليس أمامها، ويهدد المكاسب التي راكموها في الماضي.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.