منذ أكثر من شهر، يتتابع السجال ويحتدم حول التنبيه الذي أطلقه العلامة الإمام يوسف القرضاوي، بخصوص المخططات والجهود الحثيثة التي تقوم بها بعض الجهات الشيعية لنشر مذهبها ونفوذها في المجتمعات والأوساط الإسلامية السنية. وليس عندي - حتى هذه الساعة - أي رغبة أو نية للخوض في هذا صلب الموضوع وفي صميم هذه المعركة. ولكني أكتب هذه الكلمة على هامش القضايا المثارة والسجال الدائر، لعل فيها تنبيها ونفعا، ليس لأهل السنة، ولكن لأهل الشيعة وعقلاء الشيعة. أول ملاحظة أريد تسجيلها في هذه الكلمة، هي أن جماعة من المفكرين والكتاب من أهل السنة بادروا إلى مخالفة الشيخ القرضاوي والرد عليه، في الوقت الذي يعتبرونه شيخهم وإمامهم. وبغض النظر عن الصواب والخطإ الواقعين في هذه الردود السُّنية، فإنها أكدت عقيدة أهل السنة، في كونهم لا يضْفُون العصمة على أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فمن حق الإمام القرضاوي أن يعتز بكون بعض من تلاميذه وأصدقائه ومحبيه قد خالفوه وردوا عليه، حتى ولو كانوا مخطئين. فهذا هو نهج أهل السنة والحمد لله. الملاحظة الثانية هي أن ناسا من وجوه أهل السنة بادروا إلى ما يرونه إنصافا لإخواننا الشيعة ودفاعا عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فكتبوا ذلك ونشروه في العالمين. ومعلوم أن إنصاف المخالفين سمة من سمات أهل الحق والرشاد، بينما الطوائف المغالية المتعصبة عادة لا يصدر من أهلها مثل هذا السلوك. وهذا يقودني إلى الملاحظة الثالثة. وهي أننا لم نجد أحدا من الشيعة قام لينصف إمام أهل السنة، العلامة يوسف القرضاوي، ويذب عن عرضه ويعترف بمقامه وفضله ومكانته، ويستنكر السفاهات والوقاحات السافلة الموجهة إليه من عدد من الشيعة ومن الجهات الشيعية: في إيران وقطر ومصر والسعودية والكويت... وأنا لا أطلب منهم موافقة القرضاوي أو تقدير وجهة نظره أو تفهم دوافعه، ولكني أطلب منهم توقيره ورعاية منزلته وعرضه، كما أريد منهم قبل ذلك كلمة حق يوجهونها لسفهائهم وأراذلهم، من باب قول الشاعر: أَبَني حنيفة أَحكِموا سفهاءكم ... إني أخاف عليكم أن أغضبا ومن المعلوم أن قاعدة السب والشتم والقذف، لفضلاء الأمة وأعيانها، هي أحد مواطن الخلاف والتوتر بين السنة والشيعة على مر التاريخ. ومعلوم أيضا أن بعض علماء الشيعة يحاولون تخليص طائفتهم من هذه القاعدة الشنيعة التي تلازمهم ... فلعلهم لا يبقون ساكتين على الشتائم والسفالات الصادرة من صفوف طائفتهم. فهذا كل ما نرجو، وأما حق الاختلاف والمخالفة والاعتراض والمعارضة، في الرأي والتقدير، فبابه مفتوح ومجاله رحب، ويجب أن يبقى كذلك..