عرضت القناة الثانية الثلاثاء المنصرم فيلم مملكة السماء للمخرج الانجليزي ريدلي سكوت، في اطار برنامج سيني سطار. و اتبعته صبيحة الأربعاء ببرنامج وثائقي حول شخصية صلاح الدين الايوبي وريشار 1 ملك انجلترا الذي حاول ان يتحدى هذا الأخير. وتتجلى خطورة البرنامج في أنه يعطي صورة عن محرر القدس مخالفة للحقيقة وللتاريخ. فالبرنامج يبين أن اتجاه صلاح الدين الايوبي نحو القدس كان من أجل التكفير عن خطاياه التي ارتكبها سابقا، وليس من منظور عفائدي جهادي، كما أن مملكته قامت بحد السيف وليس عن تصحيح الأوضاع الاجتماعية الفاسدة. ورغم محاولة مخرج الفيلم المذكور الظهور بمظهر الموضوعية لكنه مرر من خلال موضوعيته هذه خطابه المزيف للحقيقة والذي بنى عليه تفسيره للحروب الصليبية. السياق التاريخي تشكل فترة الحروب الصليبية عنصرا أساسيا في المخيال الجماعي الغربي وعاملا رئيسيا يحدد طبيعة العلاقة السائدة بينه وبين المسلمين منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا. بل ان من الغربيين المتعصبين و الذين كانوا ضحية تفسيرات كنسية خاطئة عن تلك الحقبة، من يرى العالم العربي الا من زاوية تلك الصراعات الدموية. وقد اعادت احداث11 شتنبر الى الاذهان الغربية تلك الثقافة الدينية المتعصبة التي روجها رجال الكنيسة في الاوساط الشعبية الغربية بمعية يهود متصهينين كان غرضهم اضعاف العالمين المسيحي و الاسلامي عن طريق حروب لامتناهية. و ان كانت الدوافع الى الحروب الصليبية متعددة منها ما هو سياسيي و اجتماعي و اقتصادي، الا ان الدافع الديني كان هو البارز. ذلك أنه في العام 1095 بفرنسا قدم البابا اوربان الثاني مشروعه الديني ودعى فيه إلى قيام الحملة الصليبية الأولى على النحو التالي (أن كل من يرحل إلى بيت المقدس بدافع التقوى والورع وبهدف تحرير كنيسة الرب وليس بغية الحصول على المجد أو المال فإنه يستطيع بهذه الرحلة أن يكفر عن ذنوبه وآثامه كافة). وبالنسبة للمسلمين فإن الحروب الصليبية تعني الكثير في اذهانهم. فهي ترمز الى العداء المسيحي الغربي لهم، وترمز أيضا الى سفك دماء الالاف منهم في فترة كانوا يعاملون فيها (مثل اليهود) المسيحيين باحترام كما نصت على ذلك العهدة العمرية. كما أن الحروب الصليبية تمثل لهم جرحا عميقا اسمه الاستلاء على القدس وقد وعوا هذا جيدا عندما وصل الجنرال البريطاني الانبي الى قبر من استرجع الفدس من ايدي الصليبيين فصاح صحيته الشهيرة:ها قد عدنا يا صلاح الدين... . ومن ثم فان أي عمل ادبي او فني او سينمائي لا يراعي هذه الخصوصية او هذه الحقيقة فان يعتبر متواطئا وان كان من طرف المسلمين انفسهم . ولهذا فان مسؤولية الاعلام التاريخية والثقافية جسيمة . فاما ان تتبنى طرحا مسؤولا واما فإنها تتبنى افكار جهات معينة مغرضة. وهنا اذكر القارئ بحادثة ذات مغزى عميق، عندما قام المخرج الامريكي مارتان سكورسيزي باخراج فيلمه الشيطاني غواية المسيح، تحركت الكنيسة ومعها المجتمع المدني ضد هذا الفيلم. نفس الشيء بالنسبة لفيلم الام المسيح لميل جيبسون حيث ثار اليهود ضد الشريط لأنه ، في نظرهم، يعيد حقيقة محاولة اليهود قتلهم المسيح. السينما وكتابة التاريخ تعد السينما أخطر وسائط الاتصال الجماهيري إذ تلعب دوراً في تشكيل النموذج للآخر ويكمن الخطر بصورة فاضحة حين يقدم الغرب المواطن العربي والمسلم وكأنه سفاك دماء في محاولة تشويه متعمدة لحضارة و تاريخ العرب والمسلمين على خلفية يقدر أن لا تكون إلا سياسية دينية . لقد لعبت السينما ومنذ دهورها دورا خطيرا في تنميط صورة العرب و المسلمين ليس فقط لدى الغرب بل حتى لدى بعض الفئات المسلمة خصوصا المثقفة التي ترعرعت على يد اساتذة غربيين نفثوا سمومهم في عقولهم. وحرصت معظم الأفلام الغربية (95%)على تصوير المجتمع العربي على أنه مجتمع يقوم بإحباط أي فكرة مفيدة لإنسانية كما توحي تلك الأفلام عن طريق التلميح أو التصريح أحيانا، وً بأن فرصة تقدم المجتمع العربي لا يمكن أن تتم إلا عن طريق ثقافة أوربية وأموال أجنبية. والغريب حقاً ، كما قال احد الملاحظين الإعلاميين ، أن عملية التربص بالشخصية العربية خصوصاً الذي كانت تعني هي ذاتها الشخصية المسلمة استمرت دون وجه وما زالت في تحدٍ لم تعد المرحلة التاريخية الراهنة تساعد على استمراره بعد أن قلعت الإعلاميات الفضائية كل أسوار التحفظ المغلقة التي بنيت في الظلام لأهداف تخريبية. وهكذا ففي الوقت الذي اخذت السينما الغربية على عاتفها كتابة تاريخ البشرية وبالخصوص تاريخ المسلمين، ابتداء من فيلم حرب النار(الانسان البيدائي) الى غاية مملكة السماء ، اتجه الاعلام العربي الى تسويق هذه الرؤية من اجل سلخ المسلم عن هويته و التشكيك في تاريخه كما فعلت القناة الثانية بعرضها للفيلم المذكور اعلاه. دوزيم والمسؤولية الثقافية فيلم مملكة السماء ليس الاول من نوعه الذي تعرضه القناة فقد سبقته أفلام لا تتورع في أن تتهكم على المسلمين مثل أفلام جيمس بوند التي تصور العربي كشخصية شجعة او بدوية متخلفة. او بعض السلسلات التلفزيونية التي تتطرق لفترة الحروب الصليبية أو للمسلمين في الأندلس حيث يتم تقديمهم كغزاة. ناهيك عن البرامج الوثائقية في هذا الشان التي جلها أجنبية. مما يستوجب على القناة الثانية مراجعة سياستها السينمائية والثقافية اتجاه الجمهور المغربي الذي ينتظر منها الكثير خصوصا اعادة الاعتبار لحضارة المسلمين.