يلاحظ أنه بالرغم من التشريعات المتعلقة بحقوق الطفل التي سنها المغرب، وتوقيعه على الاتفاقيات الدولية، ماتزال البلاد تعاني من إكراهات وتعثر في هذا المجال. في نظركم ما السبب في ذلك؟ لقد سن المغرب بالفعل مجموعة من القوانين، واتخذ مجموعة من التدابير المرتبطة بحماية ودعم حقوق الطفل، وبخاصة؛ بعد المصادقة على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل سنة ,1993 غير أن بعض الفقهاء والمهتمين؛ لاحظوا أن معظم التشريعات توفر الحقوق للطفل بصيغ وحالات عامة، بالإضافة إلى عدم الانفتاح على الفاعلين المدنيين في حقل الطفولة؛ خلال إعداد هذه النصوص؛ التي تبين أنها تتضمن عددا من المقتضيات المتناقضة فيما بينها. فمدونة الأسرة على سبيل المثال؛ التي حاولت حماية الطفل على مستوى إثبات النسب، وضمان الحضانة والتربية.. هي نفسها التي تتيح إعطاء الإذن لتزويج القاصر؛ في المادة 20 منها.. ناهيك عن الإشكاليات القانونية والاجتماعية التي تسببها التعقيدات الإدارية والإجرائية؛ المرتبطة بمنح اسم للطفل في حالة إنكار الأب.. وهذه كلها معطيات تعمق من معاناة الطفل. وهو ما عبرت عنه العديد من التقارير والدراسات والأبحاث المنجزة من قبل بعض الجمعيات الوطنية ذات الصلة، و من قبل بعض الأكاديميين؛ والتي كشفت البون الشاسع بين النصوص والضوابط القانونية من جهة؛ وبين الواقع الصعب الذي تعيشه هذه الفئة في المجتمع؛ على شتى المستويات والواجهات(الهدر المدرسي، العنف بشتى مظاهره، الإهمال، الاعتداء الجنسي، التشغيل، المخدرات، الإعاقة..) من جهة ثانية. أما على مستوى الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب؛ في إطار تكييف منظومته القانونية الداخلية؛ مع المواثيق والاتفاقيات الدولية؛ المرتبطة بحقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق الطفل على وجه الخصوص، أو تلك التي أبرمها مع عدد من البلدان العربية والأوربية، ودول المغرب العربي..؛ وعلاوة على ضرورة وأهمية تفعيلها على أرض الواقع؛ فهي تظل أيضا بحاجة إلى نشرها؛ لتعميم المعرفة والفائدة بمقتضياتها. في نظركم؛ هل تلعب المؤسسات الوطنية المرتبطة بحقوق الإنسان؛ كالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط.. بعض الأدوار في حماية الطفل؟ تكتسي حقوق الطفل أهمية كبرى؛ بالنظر إلى ارتباطها بفئة اجتماعية مستضعفة، تعتبر ركيزة أساسية للمستقبل؛ وتظل دائما بحاجة إلى من يساندها، ويتحدث عنها، ويهتم بمختلف شؤونها. ومن هذا المنطلق؛ واعتبارا لشمولية حقوق الإنسان؛ فاحترام حقوق الطفل، والدفاع عنها؛ هو في أحد جوانبه ضمانة أساسية؛ لدعم احترام حقوق الإنسان لدى أجيال المستقبل.وأعتقد أن انشغال هذه المؤسسات الوطنية بقضايا حقوقية مختلفة؛ ينبغي ألا يثنيها عن الاهتمام بقضايا وحقوق هذه الفئة؛ التي هي في أمس الحاجة إلى من يتحدث عنها و يتحدث باسمها؛ ويمكن لهذه المؤسسات من الناحية الافتراضية أن تلعب أدوارا طلائعية على مستوى تعزيز هذه الحقوق؛ سواء من خلال أنشطتها الميدانية؛ أو عبر تقديم توصيات ومقترحات في هذا الشأن لصناع القرار في أفق بلورتها ميدانيا. هل تكفي المقاربة القانونية لحل إشكالية الطفولة المهملة في المغرب؟ مما لا شك فيه أن معضلة الإهمال في أوساط الطفولة؛ تترتب عنها مجموعة من الإشكالات والمخاطر المسيئة لهذه الفئة(أمراض خطيرة، تسول، تشرد، اعتداءات جنسية، التعاطي للمخدرات..). فإذا كانت المقاربة القانونية لحقوق الطفل وقضاياه بشكل عام؛ تنطوي على أهمية كبرى، لما توفره من ضوابط ونصوص تسمح بحماية هذه الفئة؛ فإنها تظل بدون فائدة أو جدوى، طالما لم يتم تعزيزها بإمكانات وتدابير إجرائية أخرى؛ تكفل بلورة النصوص على أرض الواقع والممارسة الميدانية. ولذلك؛ فالتعامل مع هذه الفئة هي مهمة جماعية، يفترض أن يتقاسم المسؤولية بشأنها كل من الدولة؛ بمختلف مؤسساتها، ومختلف الفاعلين؛ من أحزاب وجمعيات وأسرة ومدرسة وإعلام.. بشكل يطبعه التنسيق والتكامل والفعالية؛ في إطار خطة وطنية شاملة.