جيش الاحتلال يوسع هجومه البري في غزة والأمم المتحدة تدعو إلى وقف "المذبحة"    البوليساريو، إيران والجزائر: مثلث عدم الاستقرار الجديد الذي يهدد الصحراء والأمن الأوروبي    المغاربة يواصلون تصدر الجاليات الطلابية الأجنبية في فرنسا    رئيس الحكومة يترأس اجتماع اللجنة الوزارية لقيادة إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية.. "24,3 مليون مستفيد من التأمين الإجباري الأساسي"    منظمة النساء الاتحاديات تجدد التزامها بالدفاع عن قضايا المرأة والمشاركة السياسية    أكدت دعمها لدور لجنة القدس برئاسة جلالة الملك محمد السادس ..القمة العربية الإسلامية الطارئة تجدد التضامن مع الدوحة وإدانة الاعتداء الإسرائيلي على سيادة قطر    أسطول الصمود المغاربي: سيرنا 9 سفن لغزة ونجهز 6 للإبحار اليوم    اليونيسف: أكثر من 10 آلاف طفل في غزة بحاجة لعلاج من سوء التغذية الحاد    الكان، الشان، ودوري الأبطال: الكاف يرفع الجوائز المالية ويشعل المنافسة القارية    خوان ماتا يتعاقد مع ملبورن فيكتوري الأسترالي    أوناحي: الأسود جاهزون للتتويج بكأس أمم أفريقيا في المغرب    زيادة عامة في أجور العاملات والعاملين بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة    المستشفى العمومي بأكادير .. الورقة التي عرت عجز الحكومة وأسقطت قناع فشل المنظومة الصحية    بلاوي يشدد على الطابع الاستثنائي لبرقيات البحث ويدعو إلى صون حرية الأفراد    إطلاق طلبات دعم مشاريع الجمعيات العاملة في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة    أزيد من 4 ملايين.. عملية "مرحبا 2025" تسجل عبورا قياسيا    نور فيلالي تطل على جمهورها بأول كليب «يكذب، يهرب»    أوزود تحتضن سينما الجبل برئاسة محمد الأشعري وتكريم علي حسن و لطيفة أحرار وعبداللطيف شوقي    مسابقة لاختيار شبيهة للممثلة ميريل ستريب    الفترة الانتقالية بين الصيف والخريف تتسبب في ارتفاع الحرارة بالمغرب    أبو المعاطي: مكتب الفوسفاط في الريادة .. وتطوير الأسمدة ضرورة إستراتيجية    الممثل الهوليوودي روبرت ريدفورد يفارق الحياة        ضوابط صارمة.. منع "التروتنيت" في المحطات والقطارات وغرامات تصل 300 درهم    انتخابات 2026 .. الاتحاديون يطالبون بلجنة وطنية و"روبوتات بالأمازيغية"    إسبانيا تشترط للمشاركة في "يوروفيجن 2026" استبعاد إسرائيل    الأرصاد الجوية تحذر من زخات ورياح    مايسة سلامة الناجي تلتحق بحزب التقدم والاشتراكية استعدادا للاستحقاقات المقبلة    المغرب يتقدم في مؤشر الابتكار العالمي        لوكسمبورغ تعتزم الاعتراف بفلسطين    حفل الإعلان عن الفائزين بجائزة علال الفاسي لسنة 2024    "التغذية المدرسية" تؤرق أولياء أمور التلاميذ    كلاسيكو الرجاء والجيش يلهب الجولة الثانية من البطولة الإحترافية    عصبة الأبطال الأوربية.. أرسنال يحرم من خدمات ساكا و أوديغارد في مواجهة بلباو    أدب الخيول يتوج فؤاد العروي بجائزة بيغاس            أساتذة المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بطنجة يلوّحون بالتصعيد احتجاجًا على "الوضعية الكارثية"    الذهب يسجل ارتفاعا قياسيا مع تراجع الدولار قبيل اجتماع المركزي الأمريكي    ترامب يقاضي صحيفة نيويورك تايمز بتهمة التشهير ويطالب ب15 مليار دولار تعويضًا    الأداء الإيجابي يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    مهرجان "موغا" يكشف برنامج "موغا أوف" بالصويرة    غزة تتعرض لقصف إسرائيلي عنيف وروبيو يعطي "مهلة قصيرة" لحماس لقبول اتفاق    مجلة أمريكية: المغرب يفرض نفسه كإحدى أبرز الوجهات السياحية العالمية    أمرابط: رفضت عروضا من السعودية    دراسة: الأرق المزمن يعجل بشيخوخة الدماغ        صحافة النظام الجزائري.. هجوم على الصحفيين بدل مواجهة الحقائق    افتتاح الدورة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي الدولي بمشاركة مغربية    موسكو تعزز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع المغرب    بوصوف يكتب.. رسالة ملكية لإحياء خمسة عشر قرنًا من الهدي    الملك محمد السادس يدعو لإحياء ذكرى 15 قرناً على ميلاد الرسول بأنشطة علمية وروحية    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية        الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    المصادقة بتطوان على بناء محجز جماعي للكلاب والحيوانات الضالة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور محمد بولوز يكتب: حتى لا ينفد زادك.. تعال نؤمن بربنا ساعة
نشر في التجديد يوم 14 - 05 - 2008


كانت أولى جلسات النبي صلى الله عليه وسلم التربوية والعلمية والدعوية في دار الأرقم بن أبى الأرقم بن أسد بن عبد الله المخزومي، والواقعة على جبل الصفا، حيث يتلو على الأوائل من أصحابه رضي الله عنهم ما ينزل عليه من القرآن الكريم، ويعلمهم من هديه وسنته أمور دينهم ويباحثهم في شأن الدعوة وما وصلت إليه، وكانت تلك الدار بمثابة المؤسسة الرسمية المعلومة لأصحابه وبمواقيت ومواعيد محددة، يجتهد الجميع في إخفائها عن آذان وأعين المتربصين من كفار قريش، وكان بالتأكيد على هامشها جلسات أو حتى وقفات إيمانية ودعوية يقل عدد أفرادها بما لا يثير الانتباه، ومن ذلك ما اشتهر مثل قصة فاطمة بنت الخطاب وزوجها رضي الله عنهما، واللذين كان يأتيهما ـ بتعبيرنا الحركي اليوم ـ مسؤول الجلسة الإيمانية: خباب بن الأرث إلى بيتهما، ومعه الجديد مما ينزل من القرآن الكريم، وما يتلقاه من هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيقرئهما ويتعلمان منه، فكان رضي الله عنه يختلف إليهما حتى كشف أمرهم لعمر بوشاية بلغته عنهم. المسجد.. مركز التوجيه ولما فتح الله على المسلمين دار النصرة بالمدينة وبنى رسول الله المسجد النبوي، أصبح هو المركز الرسمي للتوجيه والتربية والتعليم ومختلف أشكال التزكية، وتم بأمر الله فرض صلاة الجمعة، وتشريع إجبارية الاستماع للخطبة الأسبوعية بشروطها وآدابها المعروفة، باعتبارها حدا أدنى، وبقي الباب مفتوحا للتنافس والاستزادة من زاد التزكية والعلم النافع، والجلسات الإيمانية، جاء في سنن ابن ماجة وصححه الألباني عن خباب بن الأرث رضي الله عنه قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري. فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صهيب وبلال وعمار وخباب. قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين. فلما رأوهم حول النبي صلى الله عليه وسلم حقروهم. فأتوه فخلوا به وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا، تعرف لنا به العرب فضلنا. فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد ... وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا. فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)، قال خباب: فكنا نقعد مع النبي، فإذا بلغنا الساعة التي يقوم فيها، قمنا وتركناه حتى يقوم. وهذا ابن رواحة رضي الله عنه لم تكن تكفيه جلسات النبي صلى الله عليه وسلم، وخطبة الجمعة في المسجد النبوي، وإنما كانت له رغبة جامحة في مجالس العلم والذكر والإيمان، ويمكن أن نسميها على مذهبه: مجالستعال نؤمن بربنا ساعة. روى أحمد في مسنده وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحابه، يقول: تعال نؤمن بربنا ساعة. فقال ذات يوم لرجل، فغضب الرجل، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله ابن رواحة إنه يحب المجالس التي تباهى بها الملائكة عليهم السلام. تزكية نبوية وبهذه التزكية النبوية الشريفة لم يعد الحديث بالنسبة لنا مجرد مذهب صحابي واجتهاد يخصه، وإنما سنة تقريرية امتدح النبي مسلكها، فدخلت فيما يندب إلى إحيائه من السنن والمحافظة عليه والحرص على الالتزام به، ولا يقولن أحد من أبناء الصحوة بأنه يكفيه ما لديه من علم شرعي، وزاد سابق، وما يتلقاه في خطبة الجمعة أو في الفضائيات العديدة ومواقع الانترنت المختلفة. ذلك أن هذا كله لا يرقى إلى حال التلقي المباشر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو حتى يقترب منه. ومع ذلك حرص ابن رواحة على جلسات تعال نؤمن بربنا ساعة. وهذا ابن مسعود رضي الله عنه كان يتخول الناس بالموعظة مرة في الأسبوع، خارج خطبة الجمعة، والتي كانت بالتأكيد أحسن حالا وأعمق أثرا من خطبنا اليوم. روى البخاري عن منصور عن أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود يذكر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم (وفي رواية لمسلم: إنا نحب حديثك ونشتهيه) قال: أما إنه يمنعني من ذلك، أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا. وفي رواية مسلم ما يفيد أن الجماعة من الناس كانوا يقصدونه في بيته لهذا الغرض، أي غرض التذكرة والموعظة. فعن الأعمش عن شقيق قال: كنا جلوسا عند باب عبد الله ننتظره فمرّ بنا يزيد بن معاوية النخعي فقلنا: أعلمه بمكاننا، فدخل عليه فلم يلبث أن خرج علينا عبد الله، فقال: إني أخبر بمكانكم، فما يمنعني أن أخرج إليكم، إلا كراهية أن أملكم. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخولنا بالموعظة في الأيام مخافة السآمة علينا. مجالس علم فهذه الجلسات من المفروض فيها أنها مجالس علم، وأنت فيها بين عالم أو متعلم، تفيد أو تستفيد، وفي كل خير وأجر كبير وثواب عظيم، لما يسمع فيها من آيات بينات من الذكر الحكيم، وأحاديث سيد المرسلين، وأقوال العلماء من السلف وغيرهم، روى الدارمي في سننه وصححه الألباني عن ابن عباس قال: تدارس العلم ساعة من الليل خير من إحيائها. ثم إنها مجالس تزيد عن مقصد العلم، أن يباهي الله بها ملائكته الذين قالوا يوما أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، وهي مجالس ذكر لما يتلى فيها من كتاب الله، وسنة رسول الله وهديه وأدعيته، وفي رحاب الذكر تتزكى نفسك، وتتطهر روحك، وفي أجوائه تأنس بالخير وتسعد بالجلساء الصالحين الذين لا يشقى بهم جليسهم، وتهب نسمات الحياة الحقة على روحك مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت. وهي مجالس تفكر في حالك وحال أسرتك وحيك ومجتمعك وأمتك، ومجالس تزاور وتفقد أحوال إخوانك في المشروع المشترك مهما اختلفت بكم سبل العمل في سياسة أو دعوة أو ثقافة أو نقابة.. وبتلك المجالس تقوى الألفة وتتعمق الأخوة وتزداد المحبة في وجه الله فتضمن مقعدا بين السبعة الفائزين بظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، فالجلسة حوض تنتعش فيه سمكة روحك، وجو تستنشق فيه الفضيلة والتزكية وتخرج به عن الأنانية والعزلة، وتنمو فيه فسيلة إيمانك، وتكبر بسببها اهتماماتك وتقوى إرادتك على فعل الخير والثبات فيه، والتعاون عليه، وبسببها تتذكر مسؤولياتك الفردية والجماعية، وفيها يكون التخطيط للدعوة والتفكير في تنبيه الغافلين وتثبيت المهتدين، وهي من الطاقة والزاد، وهي في جسم الحركة والجماعة بمثابة الأسرة في المجتمع، يقوى ويصلح بصلاحها، أو تذهب ريحه بفسادها. وإن لم تجد هذا الذي نصفه لك ،فاجتهد في إيجاده وإبداعه، ولا تلتفت لوسواس الهجر والابتعاد، واصبر نفسك لتنال المقام المحمود.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.