وأنا أتجول في شوارع الدارالبيضاء، لاحظت بل غمرتني أجواء الاستعداد بل التأهب للاحتفال بحلول العام الميلادي الجديد } الله يْدَخّلُو بالصَّحَّة و السلامة على المْغَارْبَة كاملين:عطلة مدرسية، وصلات إشهارية لحفلات و سهرات، مخبزات و مقشدات ازَّيَّنَت و أخذت واجهاتُها زخرفَها، مسابقات و جوائزومعارض تجارية وتخفيضات هامة، كل ذلك بالمناسبة... كل ذلك و مثله معه عناصر التَأَمَتْ لتَنْحَتَ في النفوس ضرورة و تقليد الاحتفال برأس السنة الميلادية، و صار من لا يحتفل و لا يساير هذه الأجواء كعازف -ضمن جوق موسيقي-على آلة وترية لا ينضبط للمقام و الميزان الموسيقي فيصدر صوتا نشازا و لايعزف على نفس الإيقاع !!! أطعت نفسي و أخذت في محاولة فهم مايجري وإيجاد أجوبة على جملة من الأسئلة من قبيل:ما الداعي ولماذا الاحتفال؟ ما هو الإنجاز الهام الذي حققناه؟ ما هو التقدم الذي أحرزناه؟ ماهو الحدث السار الذي حل بنا؟... سيل من الأسئلة يشد بعضها بعضا. لم أجد عندي جوابا، واتهمت نفسي بالجهل وهرعت إلى الجرائد أقرؤها و المجلات أتصفحها و الإذاعات ألتقطها والقنوات أستعرضها وألمحها لعلي أجد ضالتي في إحداها. فكانت الخلاصة هي أن واقعنا مشمس يبعث عدة إشراقات متفرقة من هنا وهناك، لكنها تُصدَم بغيوم متلاطمة بعضها فوق بعض. إشراقات هي عبارة عن مؤهلات الشعب المغربي وحضارته وتاريخه و تراثه وتنوعه وتعدده، وكذا عموم محاولات الإصلاح والتنمية،و مجمل الفرص المتاحة في الراهن و الاستقبال ،لكنها لا تفي بغرضها في بعث النور و التدفئة بفعل اصطدامها بغيوم كثيفة: غيوم الأمية و الجهل ورداءة التعليم وإفلاس الإصلاح بالجامعة وهامشية البحث العلمي، وغيوم التقهقر المستمر في السلم العالمي للتنمية، غيوم الفساد المقترنة بسياسة اللاعقاب، وغيوم الخصاص والتردي في البنيات والمرافق والخدمات الأساسية،وغيوم التراجعات في مجال الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والتدخل المباشر بأشكال متعددة لرسم الخريطة الانتخابية عند كل استحقاق، صورة مهترئة ومنفرة للمشهد السياسي مما يحضك حضا على مزيد من النفور وضعف المشاركة خاصة في ظل شبه الغياب للتأطير في برامج أحزابنا ومنظماتنا الشبابية وإعلامنا السمعي والبصري وفي الأنشطة الموازية بمؤسساتنا التعليمية والشبابية بشكل عام وفي ظل تراجع الوظيفة التربوية للأسرة،صور رمادية مشوهة للشأن الثقافي ،فقر و بطالة ، إقصاء وهشاشة وخصاصة. لم تفد البرامج العادية ولا الاستعجالية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في إقرار التوجه نحو القضاء عليها، بفعل الاختلالات في التدبير و التنزيل التي رافقتها.ناشئتنا مخمورة مخدرة بفعل القرب في ترويج المخدرات و الأقراص المهلوسة داخل الأوساط التعليمية ابتداء من مؤسسات التعليم الإعدادي،وأيضا بفعل الانفتاح غير المؤطر على ثقافات العالم بفعل ثورة تكنولوجيا الإعلام و التي كان من المفروض أن تشكل فرصة للتقدم والنهوض مما وَجَّه أنماطا في الاهتمام و التفكير واللباس والظهور )le look( بشكل عام والفنون.... قيم وسلوكات غريبة هنا وهناك، شبكات للدعارة تزكم الأنوف خاصة في محيط المؤسسات التعليمية، مشاريع ضخمة مدعومة لتحطيم نظامنا الأخلاقي والقيمي المجتمعي ب..آه ما أعنف هذه الغيوم، وما أقساها، لقد أفسدت على أجواء الاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة !!! إن مرور عام من حياتنا يذكرني بقول أحد العلماء لعله الحسن البصري: ابن آدم إنما أنت مجموعة أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك،إن الاحتفال الحقيقي أكبر من مجرد عطلة أو حفلة أو سهرة أو مسابقة أو تسابق على اقتناء الحلوى واحتساء المشروبات الغازية،إن الاحتفال الحقيقي هو أن نرضى على حالنا أفرادا و مجتمعا ودولة،هو أن تكون لنا في حياتنا أهداف مرسومة فنجلس للتقييم والتقويم و نحدد ما ذا حققناه من إنجازات نثبتها و ما اعترى أعمالنا من إخفاقات نحللها و نسطر برامج لتجاوزها.إن الاحتفال الحقيقي هو الذي نفرزبموجبه مشروعا مركزيا يلتف حوله المغاربة باعتبارنا بلدا يتوفر على جملة من المؤهلات البشرية والطبيعية والجغرافية والحضارية، ويقر توجه حقيقيا نحو الديموقراطية و نحو عقلنة فعلية للمشهد السياسي، و إقرار حقيقي لمبدأ تلازم المسؤولية مع المحاسبة، وأن يكون عندنا فصل حقيقي للسلط مع إصلاح كل واحدة منها وتقويتها بتمتيعها بصلاحيات حقيقية....آه ما أكثر الأماني وما أروع الأحلام، لكن أن نحلم و نسعى لتحقيق ما نحلم به أفضل من أن نعيش في العبث، و أن نحتفل بحلول رأس كل سنة و نحن نتقدم في إنجاز ما نحلم به خير من أن نحتفل و نحن نكتوي بنار الغيوم التي تحجب إشراقات ما نتوفر عليه من عناصر قوة و من فرص.