هل دعا الإمام مالك رضي الله عنه وتلامذته يوما ما إلى إعادة ترتيب القرآن، وإعادة كتابته كما يتردد بين الحين والحين في بعض المنابر المتخصصة في ضرب القيم الإسلامية؟ هل اعتقد الإمام مالك رضي الله عنه أن القرآن الكريم كلمة الله الباقية الخالدة قد تجاوزها الوقت، وأصبحت تاريخا مضى وانتهى كما تردد عدد من الأبواق الأمريكية التي اكترتها جهات أجنبية تسعى لتصفية الإسلام من نصوصه الناصعة الظاهرة؟ هل أفتى الإمام مالك رضي الله عنه بنشر الصور العارية في الصفحات الخارجية والداخلية للصحافة الصادرة في البلدان الإسلامية، خاصة في تلك البلدان التي اختارت مذهب إمام دار الهجرة مذهبا رسميا منذ قرون وقرون؟ هل أحل الإمام مالك رضي الله عنه أن تتاجر بعض الجرائد بصور كل ساقطة وساقط من أهل الهوى والفسق والفجور من المشرق والمغرب لتحويل المغرب والمغاربة إلى ماخور جنسي وبيت كبير للإباحية الجنسية؟ هل قال الإمام مالك رضي الله عنه إن الكشف عن العورات وإبداء الزينة الباطنة حلال مباح لا غبار فيه ولا يتعارض مع الآيات البينات والأحاديث الشريفة؟ هل تجرأ الإمام مالك رضي الله عنه فأفتى بالاعتراف بالشذوذ الجنسي وبحقوق الشاذين جنسيا، وضرورة تنظيمهم في هيئة أو حزب سياسي كما يفعل أهل الغرب، وكما يريد بعض المدافعين عن الحق في الانحراف باسم الحق في الاختلاف؟ وهل الآيات والأحاديث التي تدعو المسلمين والناس أجمعين إلى وجوب ستر العورات ولباس التقوى واحترام الآداب والأخلاق في العلاقات بين الجنسين آيات وأحاديث ظلامية تعيد الناس إلى القرون البدائية والعهود المظلمة؟ نسوق هذه الأسئلة وغيرها في ضوء الهجمة الإعلامية التي يتعرض لها علماء وخطباء المساجد ورؤساء وأعضاء المجالس العلمية هذه الأيام من لدن جهات -تدعي أنها مالكية وما هي بمالكية- لا يعجبها عودة المغاربة إلى التدين والأخلاق، ولا تعجبها إعادة تنظيم الحقل الديني، وتنشيط عمله وتجديد وسائله لمواجهة كل أشكال التطرف الديني واللاديني، وتتمنى أن يبقى الخطباء والوعاظ والعلماء ساكتين عن المنكر مطأطي الرؤوس، يباركون كل رذيلة ومخالفة شنيعة للآداب الإسلامية. أئذا قام أحد العلماء أو الخطباء أو الوعاظ والمرشدين يدافع عن كرامة النساء وصونها من كل ابتذال وعدوان، فقال مجرد كلمة نصح، ومجرد كلمة طيبة في الإعلام المكتوب والمسموع والمشاهد تهيج ضده جهات لا تخفي تبرمها من ذلك وتتمنى أن تغلق الأفواه وتكمم الألسن ويسكت أهل العلم والبيان، بل أن يصادروا ويحاكموا بتهمة تشجيع التطرف. أغلب الظن أن هؤلاء الهائجين قد كشفوا عن حقيقتهم لكل المغاربة، وبات شغلهم الشاغل هو محاكمة العلماء الذين يقومون بواجبهم، وتحولوا إلى محاكم للتفتيش تسعى لمطاردة كل الأصوات التي لا تعجبهم ولا تسير في ركابهم، بل نصبوا أنفسهم فوق الهيئات المختصة التي ينص عليها الدستور والقوانين التنظيمية. ويرى بعض المراقبين أن هؤلاء الذين يتعالى صوتهم في منابرهم إنما يكشفون عن قصدهم الحقيقي وساحة معركتهم الحقيقية المرتبطة بمكانة الدين في المغرب الإسلامي. في فاتح يوليوز نشرت شهرية لوموند ديبلوماتيك في عددها الأخير وعلى صفحتها الأولى وبقلم رئيس التحرير إغناسيو رامونيه مقالا حافلا بالمعطيات المؤسفة المؤلمة عن عنف الرجال ضد النساء في البلدان الغربية، رائدة حقوق الإنسان وثقافة النوع ورفع كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وغيرها من الشعارات والاتفاقيات والنظريات. هل يمكن أن يصدق عاقل أن تصبح السلوكات العنفية داخل عش الزوجية على قائمة أسباب الوفاة والإعاقة متقدمة على حوادث الطرق والسرطان؟ وسواء صدقتم أم لم تصدقوا، فإن هذا هو الواقع بين الأوروبيين البالغين من العمر بين 16 و44 سنة. وتكشف الأرقام والمعطيات الإحصائية أن ربع النساء ونصفهن ضحايا للتعذيب الزوجي. في البرتغال مثلا 52,8 في المئة من النساء اعترفن أن الأزواج أو الأخدان يعتدون عليهن بالضرب المبرح المؤلم. في ألمانيا تقتل ثلاث نساء كل أربعة أيام من قبل الأزواج أو الأصحاب، أي حوالي 300 امرأة سنويا. في المملكة المتحدة (بريطانيا) تغتال امرأة كل ثلاثة أيام،وفي إسبانيا واحدة كل أربعة ايام (10 في الشهر)، وفي فرنسا تموت 6 نساء كل شهر من العدوان الجسدي داخل البيوت، ثلثهن طعنا بالسكين واخريات حرقا بالنار أو خنقا أو ضربا مؤديا إلى الموت. وفي أوروبا كلها تقتل 600 امرأة سنويا (أي 2 في اليوم) تحت الوحشية الجنسية. وحسب علمنا وعلم من كتب هذا التقرير الخطير، فإن الثقافة الدينية ليست هي المتهم الأول ولا الثاني، ولا يوجد في أوروبا أئمة يحرضون الغربيين على قتل نسائهن، فهل هذه هي الحالة التي يريد المتعصبون الهائجون أن يصل إليها المغاربة بتبشيرهم المتواصل بالمشروع الحداثي الداعي إلى إسكات العلماء وتكبير السفهاء.