العلماء الأفارقة يشيدون بتوجيهات الملك    الذكرى الخامسة لتوقيع اتفاقات التطبيع.. "جبهة دعم فلسطين" تعلن عن تنظيم يوم وطني احتجاجي    تجدد الاضطرابات الأمنية في نيجيريا بعد خطف 13 مزارعا    انقلاب فاشل في بنين والرئاسة تطمئن    هايتي تعود إلى المونديال بعد 52 سنة    فيلم "سماء بلا أرض" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    عناصر الدرك بمراكش تطيح بمتورطين في سرقة سائحتين وتخريب سيارات بتسلطانت    مطاردة هوليودية تنتهي بحجز سيارة محمّلة بنصف طن من المخدرات بسيدي علال التازي    رد مكتب حقوق المؤلف على مغالطات نشرتها بعض المواقع الإلكترونية    المخرجة آن ماري جاسر: فيلم "فلسطين 36" يقدم أرشيفًا حيًا لمرحلة مفصلية في التاريخ    هرو برو: العناية البالغة للحكومة أنعشت جهة درعة تافيلالت ب17 مليار درهم من المشاريع    حادث سير مميت بالفنيدق جراء اصطدام شاحنة ببنايتين    الأسود يدخلون المونديال بخيبة 1998 وفخر 2022 وطموح 2026    بكين وموسكو تجريان مناورات عسكرية مشتركة مضادة للصواريخ على الأراضي الروسية    14 قتيلا في انقلاب حافلة بالجزائر    عودة مهرجان مواهب الدار البيضاء في دورته الثانية... فضاء يفتح الأبواب أمام الطاقات الشابة    عشرات القتلى في هجوم للدعم السريع    الدكالي: مفهوم الحكم الذاتي قابل للتأويل.. والمغرب انتقل إلى "الجهاد الأكبر"    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    حملة لتحرير الملك العمومي داخل ''مارشي للازهرة'' تقودها الملحقة الإدارية الخامسة    تجديد مكتب هيئة المهندسين التجمعيين بالجديدة وانتخاب قيادة جديدة للمرحلة المقبلة    المنتخب المصري يتعادل مع الإمارات    "حقوق المؤلف" يوضح "تغريم مقهى"    ارتفاع حصيلة ضحايا "حادثة الفنيدق"    النجمة الذهبية تزين "سماء بلا أرض" في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش    أخنوش من الرشيدية: "الأحرار حزب الإنصات والقرب... ومهمتنا خدمة كل جهة بالوتيرة نفسها"        سبتة المحتلة .. متابعة إسبانية في قضية اعتداء جنسي على قاصرين مغاربة    تظاهرة ضد السلطة في تونس تحت شعار "المعارضة ليست جريمة"    العراق يتخطى السودان ويصعد إلى ربع نهائي كأس العرب    11 قتيلا في هجوم مسلح داخل فندق بجنوب إفريقيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    جمال السلامي: الأهم هو أننا تفادينا مواجهة المغرب في كأس العالم    فتاح تؤكد البعد الاستراتيجي للشراكة الاقتصادية المغربية-الإسبانية    الوالي التازي يضع طنجة على درب المدن الذكية استعداداً لمونديال 2030    يوسف العمراني .. القرار 2797 يكرس محورية ووجاهة مخطط الحكم الذاتي كحل نهائي    توقيع ثلاث اتفاقيات لتطوير البنيات التحتية اللوجستية والتجارية بجهة الداخلة–وادي الذهب    جمعيات حماية المستهلك تثمن تحرك مجلس المنافسة ضد التلاعب بالأعلاف    لقجع يستقبل دياغنا نداي بالمعمورة        ستون صورة ومغرب واحد نابض بالعاطفة.. افتتاح استثنائي يكرّس المغرب في ذاكرة الصورة    لجنة تحكيم ثلاثية دولية لاختيار أفضل عرض سيرك لسنة 2025 بالدورة 7 للمهرجان الدولي لفنون السيرك بخريبكة    الركراكي: حكيمي يبذل جهداً كبيراً للحاق بالمباراة الأولى في "كان 2025"    المكتب الشريف للفوسفاط يستثمر 13 مليار دولار في برنامجه الطاقي الأخضر ويفتتح مزرعته الشمسية بخريبكة    أخنوش من الرشيدية: من يروج أننا لا ننصت للناس لا يبحث إلا عن السلطة    سطات .. انطلاق فعاليات الدورة 18 للملتقى الوطني للفنون التشكيلية نوافذ    تزنيت : دار إيليغ تستعد لاحتضان ندوة علمية حول موضوع " إسمكان إيليغ بين الامتداد الإفريقي وتشكل الهوية المحلية "    سوس ماسة تطلق برنامجاً ب10 ملايين درهم لدعم الإيواء القروي بمنح تصل إلى 400 ألف درهم لكل منشأة    تحذير من "أجهزة للسكري" بالمغرب    الكلاب الضالة تهدد المواطنين .. أكثر من 100 ألف إصابة و33 وفاة بالسعار        قبل انطلاق كان 2025 .. الصحة تعتمد آلية وطنية لتعزيز التغطية الصحية    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توجيهات قرآنية في الدعوة إلى الله
نشر في التجديد يوم 12 - 08 - 2005

قال تعالى: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) غافر 28
إن الذي يتتبع هذه التوجيهات القرآنية يسهل عليه أن يدرك مدى رحابة مجال الدعوة إلى الله على مستوى الانخراط والإسهام. وللحقيقة فإن الذي يناسب تنوع وتعدد مجال الدعوة إلى الله على مستوى المضامين هو التنوع والتعدد على مستوى المساهمين. ومع الوعي بأهمية التذكير بتعدد مجالات العمل الدعوي، إلا أن التنبيه على ضرورة الانخراط فيها له الأولوية في وقتنا هذا. فالدعوة لا تشكو من ضيق مجالاتها، ولكنها تشكو من قلة من يقوم على ثغور على هذه المجالات.
إن من بين ما تعاني منه الدعوة إلى الله النقص في الموارد البشرية وهو الأخطر وما عداه من الموارد من المالية وغيرها تبع له. وهذا النقص يرجع لاعتبارات متعددة من بينها تقصير المنخرطين في توسيع دائرة المساهمين، وتراجع بعض الدعاة أو تقاعسهم، وقد يكون غير ذلك من الأسباب. ومن بين ما غذى هذا الواقع شيوع كثير من المفاهيم، التي حالت بين الناس وبين القيام بهذا الواجب، وهذا من بين ما نسعى إلى تصحيحه من خلال هذه التوجيهات. ونريد أن نصل إليه اليوم، الذي يعتبر فيه كل مسلم أمر الدعوة إلى الله من أهم وظائفه في الحياة، ومن أهم مبررات وجوده في الأرض. وإذا شاع فينا مدة ليست باليسيرة ما اشتكى منه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من: جلد الفاجر وعجز الثقة، فإننا نتطلع إلى اليوم الذي يتحقق فيه عكس ذلك أي جلد الثقة وعجز الفاجر، وهو المدخل الأساس لمحاصرة الفجور والفساد، وهو المدخل الأساس لإشاعة الخير والصلاح.
والتوجيه الذي نسوقه اليوم يأتي في نفس الاتجاه، ففي الآية حديث عن فرد من الناس أحس في لحظة من اللحظات أن الأمر فوق أن يسكت عنه، فنطق بالحق وجهر به، وبأسلوب غاية في الحكمة والرأفة والرحمة والإقناع والتدرج.
قال تعالى: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه) إن الرجل ظل يكتم إيمانه دون تحديد مدة هذا الكتمان، ليبقى الباب مفتوحا على كل الاحتمالات. وهذه الصورة شاهدة على معاناة الدعوة والدعاة في تاريخ البشرية الطويل. والغالب أنه نفس الرجل الذي وقعت الإشارة إليه في قوله تعالى: (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين) القصص ,20 ولكن الطريف أنه مع كل ذلك يستصحب هم الدعوة، فينصح لها ويدافع عن أهلها مستثمرا ما بينه وبين محيطه من صلات.. وإذا كان هذا حل من يكتم إيمانه، فما بال من لا يكتم إيمانه؟ وهذا الموقف، الذي يتحرك فيه الفرد، هو نفسه الذي أشارت الآية الكريمة :(وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين) يس,.20
قد يكون التآمر على قتل نبي الله موسى من بين ما دعاه إلى الإفصاح عن حقيقة ولائه، فحين يصل الأمر إلى القتل لا يجوز السكوت (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم). والقتل من بين ما شدد الله فيه، ومن أبلغ ما نزل في ذلك قوله تعالى: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) المائدة 32 ، ويعظم الجرم حين يكون الذي استهدف بالقتل نبي الله موسى عليه السلام. وأن يكون القتل بلا مبرر، ومن حكمة الرجل المؤمن أن ذكرهم بهذه العلة، وهو قتل رجل لأنه قال ربي الله. ثم عطف عليها أن الذي يقول هذه الكلمة البريئة يقولها ومعه حجته، (وقد جاءكم بالبينات من ربكم ) في إشارة إلى الآيات التي عرضها موسى عليه السلام .ويدخل في حكم البينات كل الحجج والبراهين الصريحة والضمنية التي يقدمها الداعية.
ولقد استدل أبو بكر الصديق بذات الآية وهو يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث، الذي أخرجه البخاري عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه، فخنقه به خنقا شديدا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم). وهذا من فقه أبي بكر، إذ لم يجعل الآية خاصة بموسى عليه السلام، بل نظر إلى عموم معناها. وهذا من التطبيق العملي لقواعد التفسير عند الصحابة رضوان الله عليهم، وإن لم يصرحوا بالقاعدة.
ومن بين الأمور الهامة ما جاء في إقناع الرجل المؤمن كما في الآية: (وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم)، وهذا من التدرج بالمحاور في سبيل الإقناع. لقد أنكر عليهم ما هموا به لعدم وجود المبرر. ثم عاد ليذكرهم بقاعدة ذهبية في غاية الإنصاف والعدل فيفرض لهم أسوأ الفروض، ويقف معهم موقف المنصف أمام القضية، تماشياً مع أقصى فرض يمكن أن يتخذوه: ( وإن يك كاذباً فعليه كذبه)، وهو يحمل تبعة عمله، ويلقى جزاءه، ويحتمل جريرته. وليس هذا بمسوغ لهم أن يقتلوه على أية حال !
وهناك الاحتمال الآخر، وهو أن يكون صادقاً. فيحسن الاحتياط لهذا الاحتمال، وعدم التعرض لنتائجه: (وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم) وإصابتهم ببعض الذي يعدهم هو كذلك أقل احتمال في القضية، فهو لا يطلب إليهم أكثر منه. وهذا منتهى الإنصاف في الجدل والإفحام.
وفي بقية الآية كثير من المعاني التي تستحق أن يوقف عندها، وحسبنا هنا أن نختم بها ، قال تعالى على لسان هذا الرجل المؤمن: (يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا) وقوله تعالى عنه: (وقال الذي آمن: يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلماً للعباد ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد. يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد).
وكلها أساليب في الإقناع، لا تترك للمخالف أي شبهة يتمسك بها، وأهل الدعوة أحق الناس باستيعاب هذه الصيغ في الإقناع واستثمارها، وهو من باب إقامة الحجة وإبراء الذمة. وقد تحقق كل هذا كما في الآية على مستوى الفرد الواحد، والمطلوب أن يتحقق ذلك على مستوى الجماعات من باب أولى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.