يقف المرء مذهولا أمام منطق بعض المسؤولين ببلادنا، ففي الوقت الذي تواجه به مطالب الفئات المستضعفة من المواطنين بالتجاهل والتماطل والتسويف والتعلل بالإكراهات وقلة ذات اليد وارتفاع أسعار النفط وغيرها من المبررات الجاهزة، وتواجه أفواج المعطلين بالهراوات والإهانات المختلفة، نجد بموازاة كل ذلك غياب ترشيد ما هو موجود من الموارد والأموال في مجالات شتى من نواحي إنفاق المال العام، وليس آخرها إهدار المال في مهرجانات يطبع معظمها الهزال والتحلل من القيم وقصد التمييع وإلهاء الناس ولو لبعض الوقت عن واقعهم المرير. حيث عد ما أنفق فيها بالملايير وكانت تكلفة مهرجان الدارالبيضاء وحده: خمسة ملايير من السنتيمات وبلغ مهرجان الرباط مليارا ومائتي مليون سنتيم، وكلف مهرجان وليلي أيضا: مليارا ومائتي مليون وبلغت في بني ملال 350 مليون سنتيم، وغيرها من الملايير والملايين هنا وهناك. فالمهرجانات غير الرشيدة في مثل أحوالنا وظروفنا وحاجاتنا أحد وجوه التبذير الممقوت شرعا، قال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) (الأعراف: (29 وقد ورد هذا في الطعام والشراب فكيف في غيره وما هو أقل شأنا من ذلك، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القيل والقال وعن كثرة السؤال وعن إضاعة المال. فما الذي سينقص البلاد لو لم تنجز تلك المهرجانات على الصورة التي جرت عليها، والحال أن ما تقذفنا به الفضائيات والقنوات الإذاعية وما في الأسواق من أغاني ماجنة فيه الكفاية ويزيد من مسلسل التمييع والتفسيق، أم ترى ذلك يدخل في سياسة تقريب الفواحش والمشاركة فيها. جاء في تفسير القرطبي في قوله تعالى: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) (الإسراء: 26)، أي لا تسرف في الإنفاق في غير حق، قال الشافعي: والتبذير إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل الخير. وهذا قول الجمهور. وقال أشهب عن مالك: التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه، وهو الإسراف، وهو حرام لقوله تعالى: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) (الإسراء 27)) والذي يظهر أن جهات بعينها في هذا الوطن،لا يهمها أمر القيم والأخلاق والتنمية الحقيقية، بقدر ما يهمها التفسيق والتمييع وإخراج جيل مقطوع الصلة بتاريخه وحضارته الأصيلة يلهث وراء مزابل الآخرين في تبعية عمياء وانخراط كامل في مخططات خصوم الأمة.