تعالت في الأشهر الأخيرة أصوات كثيرة داعية إلى الانخراط الجماعي اللامشروط في مسيرة بناء مجتمع الحداثة والديمقراطية، تارة بدافع الإيمان الجاد بما لهذا المشروع المجتمعي من ضمانات تحقيق العيش الكريم وإنتاج التقدم وتحريك التاريخ، وتارة بدافع التماهي مع الموجة الكونية حتى لو أعوز الفهم عن إدراك مضامين الحداثة المطلوبة، وتارة أخرى رغبة في الاندساس وسط التيار حتى لا تضيع المصالح والامتيازات التي تظل ثابتا لا يجب أن يعتريها التحول ولا التبدل. وبغض النظر عن الاختلاف المشروع الذي لا ضير معه في تقبل كل الفهوم التي تنشد قوة المجتمع وتقدمه، هناك حاجة إلى التذكير بأن الأحلام الكبرى والطموحات العالية، إنما تتحقق بتراكم النجاح في الخطوات الصغيرة والامتحانات الجزئية، وهذا الأمر يعني الدولة كجهاز كما يعني الهيئات السياسية والمدنية وعموم الشعب، على السواء. وبمناسبة اقتراب تاريخ إجراء الانتخابات الجماعية، يقترب موعد امتحان جماعي لاختبار صدق الشعارات والخطابات المنادية بإرساء دعائم المجتمع الحداثي الديمقراطي، وهو ما يدعونا إلى طرح الأسئلة التالية على الحكومة والأحزاب والمجتمع: 1 هل الحكومة جادة في تمثل المعنى الذي أشار إليه جلالة الملك والقاضي باعتبار الانتخابات محطة عادية في حياة الأمة لا تستدعي كثيرا من الممارسات التي عفى عليها الزمن، والتي رأينا بعضا من صورها في آخر انتخابات مهنية؟ 2 هل الدولة جادة في اعتبار الانتخابات محطة يقوم فيها الناخبون باختيار من يرون أنه الأصلح للإسهام في حل معضلاتهم ومشاكلهم، وبالتالي اعتبار نزاهة الترشيح والتصويت والفرز وإعلان النتائج جزءا لا يتجزأ من طموح بناء مجتمع السلم والتنمية وعليها تحمل كامل مسؤوليتها في ذلك، وأن تكون قدوة للمواطنين؟ 3 هل الأحزاب مدركة لحجم مسؤوليتها في ضرورة تخليق حياتها السياسية الداخلية والاجتهاد في بناء مؤسسات تنظمها قوانين وتضبط سيرها مساطر، كحد أدنى ضروري للدفع في اتجاه إقامة المجتمع المنشود؟ 4 هل يمكن أن يستمر كثير من قادة الأحزاب في ركوب خطاب الحداثة والروائح الكريهة لبيع التزكيات وأثمنة حجز رؤوس اللوائح الانتخابية، تفوح من تحت أرويتهم؟ 5 هل يمكن أن تكون حداثة بأي معنى ما دام الاستعداد للانتخابات لا يكون بالمناظرات وقوة النقاش وإنتاج البرامج العملية وتربية أو اختيار من يرشح على أساس السيرة الحميدة والكفاءة، ولكن بحشد الأموال والاستعداد لطبخ الدجاج وإطعام جوعى السياسة وفقراء الضمير؟ 6 متى يمكن أن يسهم الشعب في إنجاح معركة الحداثة والديمقراطية ويغادر دائرة البؤس السياسي التي تجعله شريكا في مؤامرة إفساد روح الانتخابات عندما يتهاوى على موائد المفسدين ويمد اليد صاغرا لدراهمهم المشبوهة؟ إن شعار الحداثة والديمقراطية جميل وبراق، وأجمل منه أن يخطو كل منا خطوة صادقة تجاه قيم الصدق والأمانة وحب الوطن، وساعتها لن نهلك.. ولو بقي فينا بعض المفسدين!