ربما، وقبل أكثر من عام، لم تكن هيئة كبار ضباط الحرس الجمهوري العراقي وهم يتنقلون بين الأحياء والشوارع، شيئا يثير تفاؤل وإعجاب الكثير من العراقيين، فقد ارتبطت سمعة ضباط هذا الجهاز العسكري وعناصره إبان حكم نظام صدام حسين، بالكثير من الشدة، وأحيانا الشائعات التي طالت إنسانية عناصر هذه القوة التي اعتمد عليها النظام كثيرا في صد أخطار داخلية وخارجية. واليوم بعد مرور أكثر من عام على وعود الحرية والتحرير والدخول في منظومة الديمقراطية الجديدة، تصبح البدلة الخضراء، زي الحرس الجمهوري، مصدرا ملهما يعيد العراقيين إلى ماض، ربما لا يخلو من الدماء كثيرا، لكنه لم يكن يثير ذلك الشعور الذي يولده الاحتلال في النفوس. يشار إلى أن اتفاقا توصل له وسطاء عراقيون مع قوات الاحتلال الأمريكي، يقضي بدخول أحد قادة الحرس الجمهوري العراقي إلى المدينة مع قوة لحفظ الأمن وفض الاشتباك مع الأمريكيين. وبعد مرور أكثر من شهر على هجرة سكان الفلوجة العراقية لمدينتهم إثر القصف الجوي والبري الأمريكي عليها، بدأوا بالعودة، تعتريهم مشاعر مختلطة من الزهو بانتصار والألم والحسرة على ما فقدوه من أعزاء. وأعرب قاسم الدليمي (54 عاما)، الذي ترك الفلوجة ولجأ إلى أقارب له في بغداد ويستعد للعودة إلى بيته، عن اعتقاده بأن ما حصل لسكان مدينته، التي غدت أحد رموز الصمود في العراق "اختبار رباني لنا أثبتنا من خلاله أننا أناس لا نقبل الضيم" وفق تعبيره. وأشار الدليمي إلى أن الخسائر المادية التي يتوقع أن يشاهدها لدى وصوله الفلوجة "لا تهمني .. فكله فداء للعراق .. المهم النتيجة التي انتهت عليها المعارك .. الانتصار الذي نرى أننا حققنا يجعلنا ندخل مدينتنا مرفوعي الرأس". ويعتقد أهالي الفلوجة، أن الاتفاق الذي توصلوا له مع الأمريكي، يعتبر نصرا ساحقا لهم، خصوصا انهم اجبروا السلطات المحتلة على التعامل مع أحد كبار ضباط الحرس الجمهوري الذي كان على رأس عمله خلال فترة حكم الرئيس العراقي صدام حسين. أما العراقية أم وليد ذات الستين عاما، فقد أكدت، وهي تغالب دموعها، أنها تشكر الله على كل حال، وأشارت إلى أنها فقدت حفيداً لها في معارك الفلوجة "ومع ذلك أشعر بالرضا على ما تحقق، لقد كنت سعيدة ليس بقرب عودتنا إلى المدينة فقط، ولكني حينما رأيت الضابط العراقي بلباسه الزيتوني بكيتُ وشعرتُ بالفرح". وفي أحياء بغداد السكنية، يمكن أن تلحظ العديد من العوائل وهم يساعدون عوائل من الفلوجة على ترتيب حاجياتهم في السيارات التي ستقلهم إلى مدينتهم، وكانت عوائل عدة في بغداد استضافت لاجئين من الفلوجة طوال الأسابيع الماضية. وقال عبد الغني العاني، وهو معلم في أحد المدارس الابتدائية، فيما كان يضع حاجياته في السيارة التي ستقله إلى الفلوجة "العراق كله لم يصمد أمام القوات الأمريكية اكثر من عشرين يوما والفلوجة المدينة الصغيرة صمدت اكثر شهرا كاملا وصدت العدوان، أنها مفارقة قد يراها البعض عجيبة ، ولكن العجب يزول عندما نعرف أن من كان يقاتل في الفلوجة هم عراقيون إسلاميون خرجوا لله ولله فقط" وفق تقديره. ويقول مراسل ل "قدس برس" في بغداد، إن مشاعر من الفرح والسرور، صاحبها تصفيق حار في مقاهي العاصمة، حينما بثت وسائل الإعلام صورا للواء جاسم محمد صالح، وهو يترجل من سيارته في الفلوجة، بينما كان يرتدي زيه العسكري التقليدي الذي كان يرتديه عناصر الحرس الجمهوري إبان حكم النظام السابق "فقد أثار ذلك حنينا إلى تلك الأيام التي أصبحت جزءا من المخيلة العراقية قدس برس