قال الله جل ثناؤه: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون} العنكبوت:.14 هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين الذين اتخذوا الآلهة من الأصنام أولياء من دون الله يعبدونها، ويعتمون بحماها، شبه به حالهم العجيبة هذه بحال أعجب منها، وهي حال العنكبوت التي اتخذت بيتاً ضعيفاً تحتمي به من الأهوال والأخطار. ومناسبة هذا المثل لما قبله أنه لما ذكر الله سبحانه وتعالى بعضاً من تلك الأقوام الضالة التي كذبت برسل الله، واستمسكت بما كانت عليه من شرك، كان هذا المثل مرآة يرى الناس عليها وخاصة أولئك الذين غلظت طباعهم، وتبلدت مشاعرهم صورة مجسدة لهؤلاء المشركين، وما عبدوا من دون الله. فهؤلاء المشركون كالعنكبوت في ضعفها وصغر شأنها. وهم في يد القدرة القادرة، وإزاء سلطان الله الغالب القاهر أقل من العنكبوت شأناً، وأضعف منها حيلة، وحولاً. ثم إن هؤلاء المشركين في ضعفهم وصغر شأنهم قد اتخذوا من الأصنام وغيرها آلهة يعبدونها من دون الله، ليكون لهم منها قوة وسنداً، كما يقول الله جل وعلا: (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً) مريم:.18 فكان شأنهم في ذلك كشأن العنكبوت حين اتخذت لها بيتاً، أقامته حولها، لتسكن إليه، وتحتمي به. إنه لا يثبت لأية لمسة من ريح عابرة، أو حشرة طائرة. وإن هذه الآلهة التي دخل القوم في حماها لهي أوهى من بيت العنكبوت، لا تدفع عنهم أذى، ولا ترد عنهم شراً. وقد بين الزمخشري الغرض من هذا المثل فقال: الغرض تشبيه ما اتخذوه متكلاً، ومعتمداً في دينهم، وتولوه من دون الله بما هو مثل عند الناس في الوهن وضعف القوة، وهو نسيج العنكبوت. وقال السيد قطب في تعليقه على هذا المثل: ويريد أن يجسم ضعف هؤلاء الآلهة، أو الأولياء من دون الله عامة، ووهن الملجأ الذي يلجأ إليه عبادهم حين يحتمون بحمايتهم، فيرسم لذلك كله صورة مزدوجة. محمد إسماعيل عتوك