قرأت في جريدة التجديد المحترمة ضمن صفحة (فضاء للحوار) نداء الأم المصونة والكريمة (خ س/فاس) تحت عنوان (ابني يعاقبني.. وأنا أنهار!؟) والتي طرحت موضوعا ينم عن اهتمام وانشغال بالتربية داخل البيت حيث قل الالتفات إلى البيت والأسرة من لدن الأمهات والآباء على حد سواء إلا من رحم الله وضعف القيام بالمسؤوليات داخل هذه الخلية الأساسية في المجتمع، وخفت تحقيق مناعة قوية لهذا الركن الركين في أمتنا العربية... ومسكا للمشعل الذي تمسك به هذه الأم المعذبة خوفا من وقوعه وانطفاء نوره، أساهم بما فتح الله تعالى علي بصفتي أبا أعاني ما أعانيه في حقل التربية داخل الأسرة، وأسعى لتحصين أسرتي من كل الدخلاء المفسدين ومن كل المخربين والمغرضين هنا أدلي بدلوي لا لأحل مشكلة الأخت الكريمة بشكل نهائي، مع العلم أن الأخت المحترمة قد طرحت مجموعة من الإشكاليات التربوية التي تحتاج إلى فرز ودراسة كل واحدة على حدا وإن كان فيما بينها ترابط واتصال (.. طفلي عدواني يتشاجر مع زملائه.. الكل يلاحظ أنه غير منسجم.. يتلعثم في كلامه..) ولكن أضع بين يديها مجموعة من التوجيهات التربوية عساها تكون نبراسا ونورا لها في طريقها نحو صلاح ابنها وخروجها من الضيق الذي تشعر به هذه الأيام.. ولا أعتبر هذه المساهمة ورقة مستقلة بذاتها، بل مفتاحا لمناقشات هادئة وكتابات عميقة في هذا الموضوع الشائك «الثواب والعقاب» الذي يجب على كل أب وأم أن يهتم به وغيره حتى نجعل أسرنا في مأمن من المهالك والضياع لا قدر الله.. مدخل: الأسرة هي المهد الأول لنشأة الطفولة المبكرة، ومجمل علاقاتها تنعكس سلبا أو إيجابا على سلوك أطفالنا في أبسط علاقاتها وإيماءاتها الحيوية. و الأطفال كائنات أساسية ذات عواطف وانفعالات وحاجات تحيى تسر وتتألم.. مجموعة من القوى التي يجب صيانتها لتبقى حية تسمو وتعمل بنشاط وفعالية ضمن أسرها المتعددة الأنماط.. فإذا احترمنا في الطفل إنسانيته، سيشب على احترام نفسه، ويحتفظ بطابع الاحترام للآخرين، وإن رأيناه كتلة من السخافات فسيكون حزمة من التفاهات.. من هنا كان التوازن في المعايير السلوكية تجاه الأطفال كالثواب والعقاب من صميم الحياة التربوية الحسنة.. الاعتدال في المعاملة وإشعار الطفل بالعطف والتقدير، ومنح الحرية لرغباته الأساسية أو الاعتماد عليه في أداء الواجبات كنوع من المسؤولية.. واللجوء إلى التسامح والتواضع في المعاملة، من صميم التربية الناجحة.. قواعد تربوية عامة: قبل الحديث عن وسائل الثواب والعقاب وطبيعة استخدامها داخل البيت بالخصوص، يجدر بنا أن نذكر بعض القواعد الأساسية التي تحكم هاتين العمليتين.. القاعدة الأولى: (العقاب وسيلة لا غاية) الغاية من التربية هي إعداد الإنسان لممارسة مسؤولياته الإنسانية والرسالية، والعقاب هو وسيلة من الوسائل التي تعمل لخدمة هذه الغاية ومن أجلها، وليس من أجل تنفيس عن غضب أو عقدة أو شيء آخر.. القاعدة الثانية: (ملاءمة العقاب بنوعية الخطأ) وعملية الإعداد تشمل تدريب الطفل بين ما هو مقبول من السلوك وما هو مرفوض، وبين ما يعاقب عليه بقسوة وما يقبل منه على مضض.. وبذلك يملك قدرة التمييز بين مستويات السلوك. القاعدة الثالثة: (الثبات على ممارسة العقاب الملائم للخطأ) والثبات في نوع العقاب يثبت معرفة أنواع السلوك المختلفة التي يجب معرفتها من الطفل.. القاعدة الرابعة: (التدرج في العقاب) والمقصود من التدرج أن نلجأ في البداية إلى الأساليب البسيطة، ثم نتدرج بعد ذلك صعدا إلى ما هو أقسى (إذا لم تنفع الوسائل الأولى)، فالأكثر قسوة.. هذه بعض القواعد تنطبق من حيث المبدأ على الثواب أيضا، لأنه يخضع للمنطق ذاته، ولأن الثواب هو الوجه الآخر للعقاب.. الموقف العملي من الثواب والعقاب: على ضوء معطيات الواقع، يبدو أن موقف التربية الحديثة يقترب من المثالية! لا يجسده عمليا إلا النخبة القليلة جدا.. وإذا أردنا الوصول بالأولاد إلى ما نود من تربية وتعليم دون ثواب أو عقاب لكنا كمن يطلب إلى البشر أن يصبحوا ملائكة، ولخالفنا بذلك الطبيعة البشرية التي جبل عليها الإنسان منذ بدء الخليقة.. لذا كان لابد من التوسل بما يتلاءم مع طبيعة الإنسان الذي رغبه الله بالعبادة لجنة عرضها السماوات والأرض، أعدت للمتقين، وأرهبه من التمادي بالضلال، بنار حامية أعدت للعاصين.. وهنا لابد من موقف متوازن، يتبنى الثواب والعقاب بشكل معتدل لائق وحكيم، يعالج من خلاله مشاكل الطفل، فيحول دون غيه وانحرافه.. فما هو هذا المنهج الحكيم المتوازن؟ وكيف تمارس أساليب الثواب والعقاب؟ أساليب العقاب وأنواعه ليست العقوبة هي خاطر يخطر على قلب الأبوين أو أحدهما، ولا أقرب سبيل، فالموعظة هي المقدمة، والدعوة إلى عمل الخير، والصبر الطويل على انحراف النفوس لعلها تستجيب.. إن التربية الرقيقة اللطيفة الحانية كثيرا ما تفلح في تربية الأطفال على استقامة ونظافة واستواء، ولكن التربية التي تزيد من الرقة واللطف والحنو تضر ضررا بالغا لأنها تنشئ كيانا ليس له قوام. والنفس البشرية في ذلك كالجسم، فإذا رفقت بجسمك رفقا زائدا فلم تحمله جهدا خشية التعب، فالنتيجة أنه لا يقوى أبدا ولا يستقيم له عود، وإذا رفقت بنفسك رفقا زائدا فلم تحملها أبدا على ما تكره فالنتيجة أنها تتميع وتنحرف ولا تستقيم، فضلا عن ذلك فإنها تشقي صاحبها لأنها لا تدع له فرصة يتعود فيها على ضبط مشاعره وشهواته، فيصطدم بالواقع الأرضي الذي لا يعطي الناس قط كل ما يشتهونه. الموقف من الضرب وفروعه: حينما تنطق كلمة عقاب أول ما يتبادر إلى ذهن بعض الآباء والأمهات هو الضرب الجسدي، لذا كان لابد من معالجة الموقف من هذا الأسلوب قبل الحديث عن أساليب أخرى. يقول الأستاذ حسن عشماوي في كتابه "كيف نربي أبناءنا؟" «العصا وجارح القول لا يخلقان إنسانا صالحا أبدا.. قد يخلقان قردا مدربا تبدو على حركاته وسكناته مظاهر الأدب، ولكننا نريد أولادنا بشرا لا قرودا»، ويقول صاحب "رائد التربية العامة" «مجرم كل مرب يضرب الولد أبا كان أو معلما. مجرم من ناحيتين: كل ضربة تنزل بجسم الصغير في البيت أو المدرسة تعد انتهاكا لكرامة الإنسان، كل ضربة تنزل بجسم الصغير تغرس فيه روح الذل والخنوع أو روح الثورة والإجرام حسب رد فعله الفطري». ويصف (إيراسموس القرن 61) حالة بعض الأولاد إزاء العقاب فيقول: «ثمة أطفال يفضلون أن يقتلوا على أن يعاقبوا ضربا... وباللين والإنذار الرقيق نستطيع أن نخلق منهم ما نريد» (التربية عبر التاريخ. ومن قبل يذكر التاريخ أن رجلا شكى إلى الإمام علي كرم الله وجهه ابنا له فقال: "لا تضربه واهجره ولا تطل" أنواع العقاب: إذا كان الضرب الجسدي مرفوضا بشكل حاسم فماذا نفعل بأولئك المشاغبين والمخربين الذين لا تطيق حملهم الأرض ولا السماء، وكيف نستطيع إيقافهم عند حد؟ ضوابط للوالدين قبل البدء بعملية العقاب: 1 أن تستنفد باقي الطرق العلاجية لتقويم الخطأ كالنصيحة والحوار والتنبيه ومعرفة سبب القيام بالخطأ وغيرها من الطرق. 2 لا يعاقب الأبناء على الأخطاء من أول مرة. 3 أن يكون في سن يتلاءم ويتفاعل مع هذا اللون من التربية مثال ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع". 4 معرفة نوع الخطأ ومثاله الخطأ الناشئ عن الجهل. الأستاذ محمد بوهو