شغلونا بضرب العراق عن قضية القضايا فلسطين في خطبته للجمعة الأخيرة تحدث الشيخ يوسف القرضاوي عن الأوضاع التي تعيشها الأمة، ما بين تكالب أعدائها عليها وانشغالها قادتها بأنفسهم، "كل يقول نفسي نفسي" بتعبير الشيخ. واستنكر هذا الحال الذي يتخبط فيه العرب قائلا: "أين العروبة التي يزعمونها؟ أين جامعة الدول العربية وأين الميثاق المشترك؟ أين الغيرة؟" كما عمل في خطبته على كسر حاجز الخوف من أمريكا في قلوب المسلمين انطلاقا من تعامله مع التهديدات باغتياله. وأصر الشيخ القرضاوي على اعتبار القضية الفلسطينية أم القضايا، وقال: "إن قضية فلسطين هي قضية الأمة كلها، لا يجوز لنا أن ننساها، لا ينبغي أن يشغلنا عنها شاغل، حتى ما يجري في العراق أيها الأخوة، ما يجري في العراق هو لخدمة الصهيونية هو لخدمة "إسرائيل" المستفيد الأول من وراء هذا كله هو إسرائيل"،وأضاف "إضعاف العراق قوة لإسرائيل، تدمير أسلحة العراق خدمة "لإسرائيل". لا أخاف أمريكا لأسباب ثلاثة فيا أيها الأخوة المسلمون، بعد خطبة الجمعة الماضية، لقيني عدد من إخواني وتلاميذي وقالوا لي لقد بينت الأمور في خطبتك بينت الأمور وشفيت الصدور وأثرت الشجون وأبكيت العيون، ولكنا بعد هذه الخطبة أصبحنا نخاف عليك، قلت ممن تخافون عليّ؟ قالوا: نخاف عليك من الأمريكان، فإن ذراعهم طويلة، وإنهم يستطيعون أن ينالوا خصومهم في أي مكان، قلت لهم وهل هذه أول خطبة من نوعها؟ قالوا: لا، ليست أول خطبة ولكن الوطيس الآن حام، والماء في درجة الغليان وربما لم يصبر عليك القوم كما صبروا عليك من قبل أما علمت القانون الذي صدر في الكونجرس؟ القانون الذي يجعل من حق أمريكا في أي مكان وفي أي بلد أن تلاحق كل من تعتبره أمريكا عدوا لها أو خطراً عليها، تلاحقه باستخباراتها، تخطفه، تعتقله، تغتاله، بأي وسيلة من الوسائل لا تتقيد بقانون ولا بأخلاق ولا بأي اعتبار من الاعتبارات، ألم تقرأ هذا القانون؟ قلت لهم: بلى قرأته وعرفته، وعرفت بهذا أن أمريكا أصبحت أعظم بلطجي في العالم، لأنها تقتل الناس وتغتالهم بدون عريضة اتهام ولا محاكمة ولا دفاع ولا قضاء وهي التي تزعم أنها تقاتل من أجل حقوق الإنسان وحرية الإنسان وحرمات الإنسان وهي تقتل الناس بمجرد رأي رأته استخباراتها، دون أن تسمع دفاع الآخرين وأن تعرف ما ذنبهم، هذه أخطر بلطجة في العالم، وقد نفذت هذا في اليمن وضربت بالصواريخ أناساً في صحراء اليمن وغيرها، لها سوابق في هذا في أنحاء العالم. قلت لهم: أعرف هذا ومع هذا كله ومع أني أعرف طول ذراع أمريكا وسوابقها في اغتيال خصومها في القارات الخمس وسوابقها الحديثة والقديمة، مع هذا فإني لا أخاف أمريكا، لا أخاف أمريكا لأسباب ثلاثة. السبب الأول: أن أمريكا ليست إلهاً هي تريد أن تتأله في الأرض ولكنها ليست إلها، تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد ولا راد لقضائها ولا معقب لحكمها، ليست أمريكا إذا قالت للشيء كن فيكون، أمريكا بشر من البشر ومخلوق من خلق الله، لو سلط الله عليها بعض الزلازل أو الأعاصير أو الفيضانات لا تستطيع أن تفعل شيئاً، هذا هو السبب الأول. السبب الثاني: الإيمان بالقدر أننا نحن المسلمين نؤمن بشيء اسمه القدر، هذا القدر هو الذي يتحكم في هذا الكون، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، الله تعالى علم رسوله ليعلمنا وقال (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون)، (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم)، هذا ما نؤمن به، علم النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه عبد الله بن عباس وهو غلام قال له: "يا غلام أعلمك كلمات .." وكان من هذه الكلمات " .. اعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام وطويت الصحف"، لا نخاف، أعمارنا محدودة، آجالنا محددة، أرزاقنا مقسمة، لا يستطيع أحد أن ينقص من رزقك درهماً ولا لقمة، ولا يستطيع أحد أن ينقص من أجلك يوماً ولا ساعة ولا دقيقة ولا لحظة (إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون). السبب الثالث: اغتيالي تحقيق لأمنيتي في الشهادة أن أقصى ما تستطيعه الاستخبارات الأمريكية، وحلفاؤها من الموساد أو الموساد وحلفاؤهم من الأمريكان أقصى ما يستطيعونه وقد هددوا به من قبل أن يغتالوني، هذا ما أقصى ما يستطيعون، وهل هذا يخيف؟ والله هذا لا يقلقني ولا يخيفني ولا يحرك فيّ شعرة واحدة، إن هذا الأمر لو حدث فقد حققوا أمنية طالما دعوت الله بها في سجودي ودعوته بها في الأسحار، أن يجعل ختام حياتي شهادة في سبيله وابتغاء مرضاته تكون ختاماً لحياتي وكفارة لسيئاتي وثقلاً في ميزاني وهل هناك كسب أعظم من أن يعيش الإنسان داعية ويموت شهيداً؟ وهل أنا أعز وأغلى من الشهداء الذين نسمع عنهم كل يوم يسقطون في سبيل الله برصاص الإسرائيليين كل يوم وكل نشرة أخبار نسمع بشهداء جدد، هل أنا أعز من هؤلاء وأغلى من هؤلاء؟ هل أنا أغلى من يحيى عياش، وفتحي الشقاقي، وأبو علي مصطفى، وصلاح شحادة، وغيرهم؟ هل أنا أغلى من الشهداء الذين سقطوا في سبيل الإسلام حسن البنا وسيد قطب وأحمد بيلا وفيصل بن عبد العزيز وعبد الله عزام؟ لا زالت قوافل الشهداء مستمرة ويجب أن تستمر قوافل الشهداء لماذا نضن بأنفسنا أن نسقط صرعى في سبيل الله. الموتة الحسنة أن يقتل المرء في سبيل الله لا يخفني والله هذا، لقد استمعت منذ ما يقرب من ستين عاماً وأنا طالب في معهد طنطا سمعت الشيخ حسن البنا رحمه الله يخطب في ألوف قد احتشدت في مؤتمر وطني من أجل مقاومة الاحتلال الإنجليزي وطرد الإنجليز من مصر والسودان وكان الشيخ يعبئ الجماهير ويحرض الحاضرين ويقول لهم: إني كنت في شبابي أتلو بعض الأوراد، أدعية وكان من هذه الأدعية دعاء يقول "اللهم ارزقني الحياة الحسنة والموتة الحسنة" ما هي الموتة الحسنة أيها الأخوان؟ يقول الشيخ: أتظنون الموتة الحسنة أن يموت الإنسان على فراشه الوثير بين أهله وأولاده وأحبابه؟ أهذه الموتة الحسنة؟ فكل الناس يموتون هكذا، الموتة الحسنة أن يفصل هذا الرأس عن هذا الجسد في سبيل الله، فضجت الجماهير وكبّرت، وماذا جرى؟ لقد ختم الله لهذا الرجل بأمنيته التي تمناها وحقق له الدعاء الذي دعا به، وأنا أسأل الله أن يلحقني بشيخي شهيداً في سبيل الله، لا أخاف الموت أيها الأخوة، وماذا بقي من عمري حتى أضن به أو أحرص عليه؟ قالوا ربما ضيقوا عليك في رزقك ربما صادروا مالك، قلت: وهذا أيضاً لا يخيفني، معظم أموالي ومدخراتي كانت في بنك التقوى وقد صادروه باعتباره مؤسسة إرهابية وأن أصحابه من الإرهابيين، بدعوى أنهم يساعدون حماس، لا أخاف هذا، وما بقي من مال حتى لو صادروه، أنا والله لم أنشأ في الحلية والنعيم، ولست ممن ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، أنا ولدت في بيئة فقيرة، نمت على الحصير، أستطيع أن أعيش على الخبز والملح إذا كان ذلك في سبيل الله، وأنا هنا أتمثل بقول الإمام الشافعي: أنا إن عشت لست أعدم قوتاً وإذا مت لست أعدم قبرا همتي همة الملوك ونفسي نفس حر ترى المذلة كفرا شغلتنا أمريكا بقضية العراق عن فلسطين أيها الأخوة، لقد شغلنا هؤلاء القوم، وشغلوا العالم كله معنا، بقضية العراق وضرب العراق والعدوان على العراق، كما شغلوا العالم قبل ذلك مدة بتنظيم القاعدة وقادة القاعدة وبن لادن والظواهري وفي كل يوم يفكرون في جديد ويشغلون العالم بقضية بعد قضية، شغلونا بهذا كله عن المأساة الكبرى التي تحدث أمام أعيننا في كل يوم عن قضية القضايا عن أم القضايا عن قضية المسلمين الأولى عن المسجد الأقصى، عن أرض الإسراء والمعراج، وما يحدث فيها صباح مساء، من أعمال تقشعر لها الأبدان وتشيب من هولها الولدان، كل يوم، كل نشرة أخبار نسمع من الأحداث ما يمزق القلوب حسرات، ما يصعد النفوس زفرات، ما تذرف معه العبرات والعبرات، ولكن تبلدت المشاعر ماتت القلوب.. من كثرة ما تراه في كل يوم، كأن هذه الأشياء لم تعد تحرك ساكناً لم تعد تنبه غافلاً ، لم تعد عيناً تذرف دمعة.. لم يعد قلب يصعد زفرة مما يجري في أرض فلسطين، لقد قلت لكم في الجمعة الماضية إنني أحس كلما دمروا صاروخاً من صواريخ الصمود في العراق أن ضلعاً من ضلوعي يتكسر وأنا أقول اليوم، كلما سمعت أو قرأت أو شاهدت شجرة من أشجار الزيتون تقطع كأنما قطعوا شرياناً أو عرقاً من عروقي كلما أحرقوا أو دمروا منزلاً من منازل إخواننا في فلسطين كأنما أحرقوا قلبي ومهجتي، كلما أطلقوا رصاصة تقتل طفلاً أو شابا أو امرأة أو شيخاً كأنما هذه الرصاصة تخترق صدري، أين المشاعر؟ أين العواطف؟ أين القلوب الحية؟ لماذا يقابل الناس هذا بالهمود بالجفاف بالموت؟ الموت، موت القلوب وهو شر موت، أين أمة العرب؟ أين أمة الإسلام؟ ... أمريكا هي فرعون العصر أين العالم؟ هذا الطغيان الشاروني الصهيوني المستكبر المتجبر يؤيده الأمريكان، النفوذ الأمريكي المال الأمريكي السلاح الأمريكي، بهذا السلاح تضرب إسرائيل إخواننا وتقتلهم وأمريكا لا أقول إنها ساكتة لا هي مؤيدة ومساندة ومعضدة وشريكة في كل ما يجري، ما يجري في فلسطين تستطيع أن تقول تفعله إسرائيل بمساندة أمريكا، أو تفعله أمريكا بمساندة إسرائيل، فليس هناك فرق بين هذا وهذا، أمريكا هي فرعون هذا العصر، هذا الفرعون الذي علا في الأرض كما قال الله تعالى عن فرعون القديم (إن فرعون علا في الارض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين) هذه فرعونية العصر، فرعون قال لقومه (أنا ربكم الأعلى)، (ما علمت لكم من إله غيري).