من المتعارف عليه أن جميع المصاحف تكتب بتكليف خاص من الملوك والأمراء لخطاط معين، أو بمبادرة من الخطاط نفسه. وعلى مر العصور برز جمهرة من الخطاطين، امتازوا ببراعة الخط وجماله، وكتبوا المصاحف الخاصة والعامة سواء ممن احترفوا الكتابة، فأصبحت له مهنة، أو تعاطوا كتابته احتسابا أو إجازة... فأغلى أمنية لدى الخطاط أن يوفقه الله لكتابة المصحف الشريف بخط يده، وأن ينال هذا الشرف الكبير. ومهمة كتابة المصحف الشريف كاملا، كما يقرر أهل هذا العلم لا يقدم عليها إلا الخطاطون المتمرسون، وبعد تدريبات شاقة لأجل ضبط إيقاع خطي يسيرون عليه لكتابة المصحف في حوالي 600 صفحة، وذلك وفق قواعد مقررة عند علماء الرسم القرآني والضبط منذ قرون. فلا مهنة في الدنيا تستدعي الصبر والانكباب وحبس الأنفاس كرسم ألفاظ المصحف الكريم بالخط العربي، حتى يخرج نسخة متميزة خطا، ورسما، وضبطا. «التجديد» تطرح تجارب لبعض الخطاطين المغاربة المعاصرين، ممن تشرفوا بكتابة المصاحف الخاصة بالروايات المشهورة والقراءات المتواترة... اهتمام شعبي بكتابة المصحف على مر التاريخ المغربي على مر العصور، كان هناك اهتمام شعبي بالمغرب تمثل في نبوغ خطاطين كانوا يكتبون المصاحف الخاصة. وتذكر المصادر التاريخية منهم: _ محمد بن حريز المعروف بابن تاخميست الفاسي المتوفى عام 608 ه/ 1212م. كان له خط حسن، يكتب به المصاحف القرءانية، ويهديها – احتسابا – لمن يراه أهلا لها. _ محمد بن أبي القاسم القندوسي الفاسي، المتوفى عام 1278 ه/ 1861 م، قال في ترجمته من سلوة الأنفاس، «وكان له خط حسن جيد، كتب به عدة من الدلائل، وأخبرت أنه كتب مصحفا في اثني عشر مجلدا قل أن يوجد نظيره في الدنيا». _ محمد بن الحاج محمد الريفي التمسماني، الصويري، المتوفى بطنجة عام 1313 ه/ 95 – 1896 م، كان – على عكس سابقه – يكتب المصاحف وغيرها بخط دقيق على ورق رقيق، فينجز منتسخاته في حجم صغير جدا، يسعه داخل اليد، وكان له خط حسن. كتابة المصحف بخط نسائي وقد ساهمت المرأة المغربية بدورها في كتابة المصحف المغربي، ومن ذلك تذكر مصادر التاريخ، سيدة فاسية هي: الشريفة فاطمة بنت علي بن محمد المثالي الزبادي، أخت الشيخ عبد المجيد الزبادي الشهير، والمتوفاة في عام 1142 ه/1730م، فقد كتبت بخطها من القرءان الكريم، ما يربو عن 35 مصحفا. ويوجد بالمكتبة الملكية بالرباط – تحت رقم 4225 -: مصحف شريف خطته أنامل سيدة بدوية، تسمي نفسها عائشة بنت الحاج مبارك الشلح التكي، وخطها بدوي واضح متوسط مشكول ملون، وقد جاء في هامش «آخر المصحف بمداد مغاير: عام 1237، وهو إشارة لتاريخ الانتساخ. بلعيد حميدي.. رؤيا الرسول والمصاحف الستة في نهاية الثمانينيات أكرم الله الخطاط بلعيد حميدي المتقاعد من التعليم الابتدائي وأستاذ الخط بالمدرسة المولوية سابقا، برؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجاءت فيها إشارات وبشارات كتابة القرآن الكريم، فتحققت مع نسخ المصحف الأول عام 1999، لصالح مطبعة المعارف بالرباط. بعد عدة مراجعات كان آخرها على يد المصحح محمد ناجي محمد البهلولي مع نص الإشهاد بصحة المصحف. قبل أن يصبح المشرف التربوي وأستاذ فن الخط بالقاهرة لفائدة طلبة الأزهر الشريف من المهتمين بنسخ المصاحف الشريفة، حيث تمكن من كتابة خمسة مصاحف أخرى، المصحف الثاني كتبه عام 2003، المصحف الثالث عام 2004 وقد قام بزخرفته أخيه الأصغر حميد حميدي، المصحف الرابع عام 2006، وقد تفضل صاحب مطبعة الفضيلة بالرباط بطبعه وجعله وقفا لله تعالى وهو يوزعه في المساجد كل شهر رمضان وقد قام بزخرفته المذهب المغربي عبد الله الوزّاني، المصحف الخامس عام 2007 وكتب في حجم كبير بالعرض على غرار المصحف العثماني ويقال أنه أكبر مصحف كتب بالخط المبسوط ، ثم المصحف السادس. هذه التجربة في كتابة المصحف الشريف يختصرها بكل تواضع حميدي أول خطاط عربي مسلم يحصل على 3 إجازات في 5 فروع رئيسية» «إذا توفّرت لدى الخطاط نية خالصة في كتابة القرآن الكريم لهدف خدمته والإسهام في نشره، فإن الله تعالى يتكفّل بتهيئة كل العناصر المساعدة في نجاح العملية، أقول هذا لأنني أعيش هذه التجربة منذ كتابتي للمصحف الأوّل سنة 1999م». محمد عطفاي.. 5 مصاحف خطية من النوادر في وقتها فضيلة الدكتور الشيخ محمد علي عطفاي، أحد علماء القراءات في المغرب، شارك في التأليف والتحقيق في مجال القراءات وعلوم القرآن، وكتب خمسة مصاحف خطية كاملة، على ورق عادي وبقلم عادي في روايات كل من خلف عن حمزة، والدوري عن الكسائي، وهشام عن ابن عامر، وابن وردان عن أبي جعفر، ورويس عن يعقوب البصري، فيما مصحف سادس لم يكتمل في رواية البزي عن ابن كثير. وكل مصحف كتبه بالعد الذي يناسبه، فرواية ابن وردان كتبتها ب «العد المدني الأول»، وروايتي خلف والكسائي كتبتهما ب «العد الكوفي»، ورواية هشام ب «العد الدمشقي»، ورواية ابن كثير ب «عد مكة». .بدأ كتابتها بخط يده عام 1984، وواكب الكتابة بشكل مكثف من سنة 1986إلى سنة 1988، قبل أن ينهيها سنة 1992. لم تكن من غاية لدى عطفاي في كتابتها، سوى التبرك بالقرآن وامتحان حفظه، لما كتب هذه المصاحف كانت من النوادر في وقتها، إلا أنه لم تلبث أن ظهرت مصاحف بطباعة فاخرة. عبد الرحيم كولين.. مصحفان بالخط المغربي المبسوط بعدما أحس الخطاط عبد الرحيم كولين بأن لديه القدرة على الكتابة الجيدة، حين جعل له منهاجا خاصا في الخط المغربي المبسوط. كبرت عنده الرغبة بقوة في كتابة المصحف الشريف متأسيا بكتبة الوحي، الذين كانوا ممن حفظ الله بهم القرآن في السطور، إلى جانب حفظه في الصدور. تحققت أمنيته عام 2005، بكتابة أول مصحف شريف له لفائدة صاحب مكتبة و دارا للنشر و التوزيع، كان مصحفه الإمام في الكتابة هو المصحف الذي كان قد كتبه أحمد بن الحسن زويتن الفاسي رحمه الله. تحت إشراف ثلة من الفقهاء و الحفاظ و علماء الرسم القرآني والتفسير، و هم : الشيخ محمد الصالحي، الأستاذ عبدالله حمودي أستاذ علم التجويد، الأستاذ عبد الكبير مطر، الدكتور عبد العزيز العروسي العيادي، الأستاذ نورالدين الخلطي أستاذ مؤطر بحلقات التجويد، الأستاذ محمد الإدريسي أستاذ علم التجويد، الدكتور محمد الفيلالي، الأستاذ معاذ الخلطي، الأستاذ محمد الشاعري أستاذ علم التجويد، الدكتور عبد الفتاح الفريسي أستاذ علم القراءات و التفسير رئيس مركز الأندلس للدراسات القرآنية. كما أفاده الدكتور التهامي الراجي الهاشمي باعتماد العد المدني الثاني داخل هذا المصحف الشريف. و حسب تعليمات اللجنة التي كانت تشرف على العمل، فقد اعتمد في هذا المصحف رمزا واحدا معبر عن الوقف، و هو علامة «صه» للإمام الهبطي. و تم اعتماد العد المدني الثاني الذي اختاره الإمام نافع المدني رحمه الله، كما تم ذكر نوع السورة في أولها، مكية هي أم مدنية مع بيان عدد آي كل سورة . هذه التجربة الأولى كانت منطلقا إلى كتابة مصحف شريف ثاني استغرق منه خمس سنوات تقريبا، توزعت ما بين الكتابة و إعادة كتابة بعض الصفحات و التصحيح. قبل أن يتمكن من كتابة جزء «عم» برواية ورش و تم طباعته بتونس سنة 2008، وفي سنة 2009 أنهى كتابة القرآن الكريم بالخط المغربي المبسوط (رواية ورش) للدار العالمية للكتاب. محمد مكوار.. إصدار مصحف جديد يرد الاعتبار للخط المغربي والمصاحف المغربية راودتني فكرة نسخ المصحف الشريف بخط مغربي أصيل وجميل منذ ما يزيد على ربع قرن حين لاحظت الإقبال الكبير على اقتناء المصاحف المشرقية المكتوبة بخط واضح متعدد الألوان، ترتاح العين لقراءته، ولا يتعثر اللسان عند تلاوته، في مقابل قلة الإقبال على المصاحف المغربية، باستثناء ما كان يُقْتَنى منها لفائدة المساجد في غالب الأحيان... وفي هذا السياق، خطوت خطوتي الأولى من خلال مؤسستي «الدار العالمية للكتاب»، حيث قمت بنشر مصحف كريم سنة 1992 بالخط المغربي التونسي الجزائري الإفريقي الموحد بشراكة مع الدار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع ببيروت، كما نشرت مصحفا كريما ثانيا سنة 1995 مرسوم بخط الخطاط المغربي الذائع الصيت السيد عبد الإله المنجرة. وبالرغم مما لقيه المصحفان من استحسان لدى عموم القراء بوطننا العزيز، استقر عزمي على إصدار مصحف جديد، يرد الاعتبار للخط المغربي والمصاحف المغربية، حتى لا تبقى مجرد ذكرى تاريخية بالنسبة للأجيال الصاعدة التي لم تتعلم هذا الخط بالمدارس... ومن هذا المنطلق، تعاقدت الدار العالمية للكتاب منذ سنة 2006 مع الخطاط المغربي المقتدر السيد عبد الرحيم كولين لينسخ المصحف الشريف بالخط المغربي المبسوط الميسر، على أن يتم رسمه بشكل واضح، مُشْرِقٍ وجذاب قدر الإمكان... وبالفعل أنجزنا أول نسخة عرضناها على مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف، بصفتها المؤسسة المخولة بمنح تصاريح طبع وتداول المصحف، والتي كانت لها جملة من الملاحظات الدقيقة، من بينها على سبيل المثال تغيير حركة الضمة من واو صغيرة إلى هلال صغير، وأن تكون النقطُ دائريةً غير مربعةٍ، وأن تُترك مسافة كافية لألف المد المحذوفة بين الحرفين اللذين تقع بينهما، وهو ما أدى إلى زيادة عدد الصفحات، إذ أصبحت 625 صفحة، بدل 612 صفحة التي كان عليها في مشروع المصحف المقدم لمؤسسة محمد السادس، فضلا عن أن إدخال التعديلات المقترحة استغرق ما يقارب السنتين قبل إخضاعه للمستلزمات التقنية التي تجعله جاهزا للطباعة الورقية وفق معايير ومقاييس الطباعة والنشر... وقد كُلِّلت أعمالنا بتوفيق الله تعالى، حيث قُبِلَت النسخة الأخيرة المقدمة إلى مؤسسة محمد السادس منذ حوالي ثلاثة أشهر قبولا مبدئيا، وذلك في انتظار المصادقة النهائية بعد التحقق من النسخة المعدة للطبع. وبذلك يكون قد تحقق الهدف المبدئي في أن يخرج هذا المصحف الذي سيتم طبعه قريبا بالخط المغربي.وهذا يمثل بالنسبة للدار مشروعا آخر سيكون له صدى كبير، فالطبعة الأولى ستكون في 3 أصناف، ولونين وأربعة وخمسة ألوان. صاحب الدار العالمية للكتاب ..مصطفى فلوح.. كتابة مصحف بخط مبسوط خاص في أول تجربة يعكف الخطاط الشاب مصطفى فلوح على عمل عظيم يتمناه كل خطاط في مسيرته الفنية، وهو يباشر مشروع كتابة مصحف شريف بخط يده في أول تجربة، وذلك لفائدة أحد دور النشر المغربية. ولم يكن هذا العرض قد خطر بباله أبدا، رهبة من هذا العمل الجليل ، ذلك أن كتابة المصحف يعني التزام ومسؤولية وتفرغ تام لسنوات، لكن ظروفه المادية بالإضافة إلى قيمة هذا العمل في مساره الفني دفعه إلى القبول بخوض هذه المهمة، التي صادف أمنيته، في أن يوفقه الله لكتابة مصحف بخطه. وكانت السنة الأولى من بداية هذا العمل، كلها في البحث حول كل ما يتعلق بكتابة المصحف، وكتابة المسودات وإعادة تكوين الحروف...، طيلة هذه السنة كان منشغلا بالإعداد لكتابة المصحف الشريف...، بهاجس البحث عن التميز في خط هذا المصحف الذي يكتبه بخط مبسوط خاص به كما يعمل على زخرفته بنفسه. ولأن كتابة هذا المصحف يشكل باكورة أعماله في شأن كتابة كلام مقدس له هالته عند متلقيه من عامة المسلمين. فإن تنفيذ فكرة الكتابة بشكل عملي لم تنطلق إلا في منتصف شعبان من عام 2010. وكان فلوح قد اطلع على تجارب عميد الخطاطين المغاربة الشيخ محمد المعلمين الذي شارك في كتابة المصحف الحسني المسبع، وكتب المصحف المحمدي. ثم اطلع على تجربة الخطاط عبد الرحيم كولين. ومن كل ذلك تمكن من تجاوز بعض الأخطاء التي يمكن أن تقع أثناء الكتابة. وبعد مشاورات ومراجعات مع عدة فقهاء في الرسم القرآني، كان التوجيه من قبل الأستاذ الشيخ لحسن الرحموني إلى أن يكون المصحف المحمدي هو المصحف الإمام، ليس في شكل الخط وإنما في الرسم القرآني فقط. محمد قرماد.. أكبر مصحف في العالم يلخص تاريخه في الخط العربي في سابقة هي الأولى من نوعها، يعكف محمد قرماد قيدوم الخطاطين المغاربة كما يصفه رفقائه في الدرب، على كتابة أكبر مصحف في العالم بخط الثلث المغربي، بحجم 20 مترا في العرض و 80 مترا في الطول. قرماد الذي كان قد حظي بشرف كتابة أكبر مصحف من النحاس لفائدة الأكاديمية العسكرية بمراكش، الذي لا زال معلقا على جدرانها. يعتبر أن العمل الذي يوجد في المراحل النهائية من الإنجاز، هو مشروع عمره، الذي سيلخص تاريخه في الخط المغربي للأجيال القادمة من الخطاطين. عبد العزيز مجيب.. مصحف بخط المبسوط المغربي، وعناوين السور بالثلث المغربي أنهى الخطاط المغربي ابن مدينة الجديدة كتابة مصحف شريف بخط يده، لفائدة دار نشر، وبتوجيهات لجنة خاصة للإشراف والمراجعة والتصحيح. خاض غمار هذه المهمة النبيلة عام 2010، ليحقق حلما ظل يراوده طيلة مساره الفني، واشتد مع فوزه بجائزة محمد السادس الوطنية للتميّز في الفن الخطّ المغربي، في دورتها الثالثة. واعتمد في كتابة النصوص القرآنية بخط المبسوط المغربي، وعناوين السور بالثلث المغربي. كل ذلك وفق الشكل العام الذي يميزه عن باقي الخطوط المشرقية، والذي يتلاءم وطريقة المغاربة وخصوصياتها في الرسم والنقط والضبط، وما يتبع ذلك من المصطلحات الجاري بها العمل. وهذا ما دفع به إلى دراسة قواعد التجويد وفق رواية ورْش المُثْلى التي أخذ بها المغاربة على مرّ العصور. حيث مكّنه ذلك من فهم اصطلاحات الرسم، والضبط المعتمدة، على يد الأستاذ، والمقرئ عبد الرحيم بلفقيه.