يأتي تقرير الحالة الدينية في نسخته الثانية، كما يقدمه المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، ليعزز البحث في قضايا الحقل الديني من منظور العلوم الاجتماعية، وتقديم وصف وتحليل واستشراف الحالة الدينية في المغرب، وتقديم معرفة دقيقة إلى الفاعلين وصناع القرار . و حسب تقديم التقرير، سمحت الفترة الممتدة من إصدار التقرير الأول للحالة الدينية في المغرب إلى اليوم، لمعدي نسخته الثانية بالاستفادة من تراكم علمي ومعرفي في هذا الموضوع، من خلال اللقاءات التي جمعتهم بعدد من الفاعلين الدينيين والأكاديميين، مكنت من تعميق النقاش والفهم للقضايا المتعلقة بالحالة الدينية في المغرب، وقد ساهمت هذه النقاشات في توسيع إدراك أبعاد جديدة في موضوع الدراسة، مما سيساعد في تقوية القدرة التحليلية والتفسيرية للتقرير. و قدمت النسخة الثانية من تقرير الحالة الدينية، خمس خلاصات أساسية تتركز في استمرار مؤشرات صعود التدين بالمغرب، وتواصل مبادرات المؤسسات الرسمية في المجال الديني، إلى جانب سعي الفاعلين الاجتماعيين للتكيف مع التحولات الجارية في نفس المجال، وكذا استمرار تحديات أثر صعود التدين على العلاقات الاجتماعية وكذا تنامي تأثير قضايا الحقل الديني على السياسات الوطنية والدولية للمغرب. التقرير الذي، هم سنتي 2009/2010 وتتوفر «التجديد»على نسخة منه، يتضمن خمسة محاور أساسية يتعلق الأول منها برصد التوجهات الدينية الكبرى للمغاربة ورصد صورة أولية لحركة هذه التوجهات. والمحور الثاني يتطرق للفاعلين الدينيين بما فيهم مؤسسة إمارة المؤمنين والعلماء ووزارة الأوقاف والطرق والزوايا الصوفية والحركات الإسلامية. فيما تناول المحور الثالث تحديات التدين بالمغرب ومستويات رصد هذه التحديات. أما المحور الرابع فيتناول تفاعلات الديني والاقتصادي ثم الديني والسياسي والثقافي. والمحور الخامس والأخير خصص لليهود المغاربة. ويقع التقرير في حوالي 363 صفحة، اشتغل عليه فريق بحثي متنوع في تخصصاته واهتماماته التي تغطي العلوم الاجتماعية والسياسية واللغوية والدراسات الإسلامية والصحفيين. محور الواقع الديني: 8 مؤشرات لرصد تجليات التوجه الديني بالمغرب يقوم هذا الفصل برصد التوجهات الدينية الكبرى للمغاربة، وإعطاء صورة أولية لحركية هذه التوجهات، عبر استثمار التطور الحاصل في البحث الاجتماعي في هذا المجال، ووقف التقرير عند الدراسات الميدانية الكمية الصادرة في موضوع التدين والهوية والقيم، بشكل يسمح بالاستمرار في مراكمة المؤشرات الرقمية حول تطور الممارسات والتمثلات الاجتماعية حول الدين والتدين عند المغاربة خلال السنوات الأخيرة، بشكل يسمح لنا بإنجاز مقارنات جغرافية وتاريخية بين الدراسات المنجزة حتى تتسنى معرفة التطورات التي عرفتها الحياة الدينية في المغرب خلال هذه السنتين، وقد توقف التقرير عند أربع دراسات سوسيولوجية ميدانية، واحدة انجزها المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة حول الشباب المغربي والتدين، وثلاث دراسات أجنبية، الأولى من إنجاز جامعة ماريلاند حول الرأي العام العربي وقضايا الهوية والقيم، والثانية عبارة عن تقرير أنجزه معهد غالوب سنة 2010 حاول مقاربة التدين من خلال إبراز العامل الاقتصادي من جهة والتركيز على مؤشرات خاصة بالثقة في المؤسسات وممارسة الشعائر الدينية من جهة ثانية، ثم أخيرا تقرير صادر عن مؤسسة آنا ليند سنة 2010 حيث تمت مقاربة مسألة الجانب المتعلق بالتنشئة الدينية للأبناء. وحسب دراسة الشباب والتدين التي أنجزها المركز فقد وصل عدد الشباب الذين يؤدون الصلاة بانتظام إلى 47 في المائة، ويظهر من خلال النتائج تفوق الإناث على مستوى أداء شعيرة الصلاة حيث وصلت إلى حوالي 59 في المائة، في حين وصلت بالنسبة للذكور إلى 36 في المائة. كما يعتبر إمام المسجد المصدر الرئيسي للمعرفة الدينية عند الشباب بنسبة 40 في المائة، تليه الأسرة بنسبة 23 في المائة. وبغية رصد تجليات هذا التوجه الديني، فقد اعتمد التقرير ثمانية مؤشرات وذلك كما يلي : 1. مؤشر المساجد وموضوع الصلاة : حيث تمثل حركة بناء المساجد والإقبال عليها أحد التجليات الأبرز للتدين المغربي، إن على مستوى إسهام المحسنين في بنائها أو الإقبال عليها وكذا تنامي الإشعاع العام للمساجد، إذ يوجد في المغرب حوالي 49 ألفا و 700 مسجد: منها 18 ألفا و300 مسجد جامع و9000 مصلى للعيدين، كما عرفت سنتا 2009 و2010، تخصيص حوالي 130 مليون درهم خلال سنتين إعانة لدعم القيمين الدينيين، و860 مليون درهم منحة سنوية للأئمة، 78 مليون درهم لتأهيل القيمين الدينيين، و19 مليون درهم تعويضات لمتعهدي أجهزة التلفاز في المساجد. كما تم في سنة 2009 تخصيص ميزانية قدرها 1.13 مليار درهم في إطار الخطة الوطنية للارتقاء بالمساجد، وفي سنة 2010 تم إصدار الظهير المنظم لمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين. 2. مؤشر رمضان وموضوع صيام الصيام : توقف التقرير عند مميزات تدين المغاربة في رمضان، من ارتفاع وتيرة الإقبال على المساجد وتضاعف عدد رواد حلقة قراءة الحزب القرآني في المساجد، وكثافة الأنشطة الإحسانية والتكافل الإجتماعي عن طريق ما يسمى «قفة رمضان» وتنامي برامج وعظ تشرف عليها المجالس العلمية المحلية. 3. مؤشر الحج : وما يمثله من مكانة في حياة المغاربة بالنظر إلى تراث تاريخي من الارتباط به وإلى تقاليد متجذرة في التعلق به وتوقف عند نظام القرعة في تدبير الطلب المتزايد عليه، وبعض التحديات المرتبطة بتدبيره، حيث حددت حصة المغرب: 32 ألف مستفيد (حاج)، كما ارتفع عدد طلبات الحج من 120 ألف طلب سنة 2007 إلى 220 ألف طلب سنة 2009 و أزيد من 270 ألف طلب سنة 2010، وتم تخصيص 15 %من المقاعد لكبار السن. 4. مؤشر الإفتاء والإستشارة والتوجيه الديني : من خلال رصد تنامي الأشطة الخاصة بالوعظ والإرشاد في المساجد والدروس الحسنية وغيرها. 5. مؤشر العناية بالقرآن الكريم والتعليم العتيق ودور القرآن : من خلال رصد الأنشطة والمبادرات الشعبية والرسمية الخاصة بالحفاظ على دور القرآن والعناية برواده. 6. مؤشر حركة الإصدار الديني : حيث تم رصد تنامي الإهتمام بنشر الكتاب الديني في مواضع مختلفة، وإنتاج حوالي 300 كتاب في مختلف صنوف المعرفة الدينية خلال 2009 و2010، وقد تصدرت الرابطة المحمدية للعلماء مجال الإصدار في المجال الديني في المغرب بحوالي 40 كتابا خلال هذه المدة. 7. مؤشر الوقف : حيث عرفت هذه السنة جمع النصوص الخاصة بهذا المجال ووضعها في مدونة للوقف الإسلامي، وكذا الأنشطة والمبادرات التي همت الإعتناء به والرفع من مردوديته واستثماره في مبادرات نوعية. 8. مؤشر التمويلات البديلة : حيث تم الوقوف على المستجدات التشريعية المرتبطة به وأنواعها والتحديات المرتبطة بتدبيره على المستوى الإقتصادي والإجتماعي. التقرير يرصد حركية 6 فاعلين دينيين كبار سعى التقرير في هذا المحور إلى رصد أداء الفاعلين في الحقل الديني بالمغرب واستجلاء توجهاتهم وأنماط تفاعلاتهم، وآثار هذا الفعل على باقي مناشط المجتمع والدولة، و حسب التقرير، يتشكل الحقل الديني من شبكة من الفاعلين، تتعدد رهاناتهم ومسارات فعلهم وتأثيرهم ومستويات اشتغالهم ووتيرة حركيتهم، مما يستدعي ضرورة رصد قدرتهم التأثيرية في أنماط التدين ومدى تأثيرهم على مسارات تطور حالة التدين بالمغرب. و يتكون من مؤسسات هي مؤسسة إمارة المؤمنين، ومؤسسة العلماء، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والطرق والزوايا الصوفية، ثم الحركات الإسلامية، خاصة حركتي التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان. مؤسسة إمارة المؤمنين عرفت سنتا 2009 و2010 حركية على مستوى المبادرات الصادرة عن مؤسسة إمارة المؤمنين، تبرز بشكل أساسي في استكمال مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني، والقيام بتدشينات وافتتاح معارض ومؤسسات جديدة، بالإضافة إلى الإشراف على عدد من الأنشطة الدينية. تعتبر المؤسسة الملكية إحدى الركائز الأساسية للنظام السياسي المغربي، حيث تستمد شرعيتها من تاريخ المغرب العميق ومن البعد الديني والروحي لتجذر النظام الملكي في علاقته بالدين متجسدا في إمارة المؤمنين. وتحظى تدخلات وحركية المؤسسة الملكية بالمغرب بصفتها إمارة للمؤمنين بمحورية ودلالات عميقة في المشهد السياسي المغربي ككل. المجلس العلمي الأعلى: يعتبر المجلس العلمي الأعلى المؤسسة الرسمية التي تعنى بالإفتاء في الأمور الدينية، ويضم في عضويته سبعة وأربعين عالما وعالمة بالإضافة إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية والكاتب العام للمجلس، ويرأسه الملك محمد السادس باعتباره أميرا للمؤمنين. وقد عرفت سنتا 2009 و 2010 دينامية جديدة سواء تعلق الأمر بالتطور على مستوى الموارد المالية المخصصة لهذه المؤسسة أو عملية تأهيل وتطوير الموارد البشرية والكفاءات الدينية المرتبطة بمؤسسة العلماء أنفسهم أو باقي الفاعلين الآخرين في الحقل الديني الرسمي. وقد اتسمت هاتان السنتان بارتفاع الميزانية المخصصة للمجلس العلمي الأعلى والاستمرار في تنزيل مقتضيات مشروع «إعادة هيكلة الحقل الديني» المؤسس على مفهوم ضمان «الأمن الروحي» للمغاربة، حيث تعتبر مؤسسة العلماء أحد محاور الاشتغال التي يعتمد عليها هذا المشروع، كما تم توسيع رقعة المجالس العلمية بعد تنصيب الملك لرؤساء وأعضاء 13 مجلسا علميا جديدا في العمالات أوالأقاليم المحدثة، وبذلك ارتفع عدد المجالس العلمية المحلية ليصل إلى 82 مجلسا. فاعلون دينيون مستقلون يتناول هذا المحور مجموعة من العلماء والدعاة المستقلين من خلال الوقوف عند أهم الإسهامات الفكرية والإجتماعية في مجال ترشيد التدين والتدافع مع التيارات المغالية، وقد تم اختيار نماذج من العلماء والدعاة بناء على معيار الحضور الإعلامي، خصوصا الإنترنيت والمواقع الإجتماعية، بالإضافة إلى التنوع الفكري والثقافي والإجتماعي والجغرافي لمختلف هؤلاء الدعاة، مع التأكيد على أن العينة التي تم اختيارها لا تنفي وجود دعاة وعلماء آخرين، وهو ما يمكن أن يكون محور اشتغال في الأعداد المقبلة من التقرير. الحركات الإسلامية: ● حركة التوحيد والإصلاح تعتبر تجربة العمل الإسلامي التي تمثلها حركة التوحيد والإصلاح أحد عناصر النموذج المغربي المتميزه، ليس فقط باندراجها ضمن توجه الوسطية والاعتدال وإسهامها في تطوير الفكر الإسلامي المعاصر بل أيضا رفع تحديات الاجتهاد والتجديد، والانطلاق في ذلك مما يفرزه الواقع من إشكالات وأسئلة، مع مراكمة خبرة في الاندماج الإيجابي في حركية الدولة والمجتمع والنخبة، وقدرة على التكيف المتواصل مع متغيرات وتحولات المحيط، وذلك طيلة حوالي ثلاثين سنة من العمل. ● جماعة العدل والإحسان سجل التقرير أنه على الرغم من الحصار القانوني والإعلامي الذي لا زال مفروضا على الجماعة، سجلت سنتي 2009 و 2010 حيوية ونشاطا نتيجة انفراج مؤقت ومحدود حصل خلال هذه الفترة، حيث تم الإفراج عن بعض معتقلي الجماعة، مع استمراربعض التوقيفات والتضييق على أنشطة الجماعة. ورصد التقرير أهم الأولويات التي اشتغلت عليها جماعة العدل والإحسان خلال سنتي 2009 و 2010 سواء على المستوى التنظيمي، أو على المستوى القانوني والحقوقي. ● الزوايا والطرق الصوفية تعتبر الزوايا والطرق الصوفية عنصرا بارزا في المشهد الديني في المغرب، وجزءا من السياسات العمومية الدينية، إذ شكلت تقوية الزوايا بالإضافة إلى ضبط مؤسسة العلماء والإفتاء أهم مكونات مشروع ضبط الحقل الديني الذي أعلن عنه الملك سنة 2004، وقد قامت فيه الطرق الصوفية بدور بارز، وذلك من خلال تسويقها لنموذج تدين «مقبول» يتميز بكونه فرديا وغير مسيَس، هذا بالإضافة إلى الإضطلاع بوظيفة التوازن في المجال السياسي إزاء تنامي الحركات الإسلامية والتيارات السلفية. وقد عرفت سنتا 2009 و2010 استئنافا للحركية التي عرفها الواقع الديني المغربي خلال سنتي 2007/2008، وهو ما ستحاول هذه الورقة إبرازه من خلال التركيز على الأنشطة والمبادرات التي قامت بها الزوايا والطرق الصوفية في هاتين السنتين، وكذا الرهانات السياسية الداخلية على الزوايا الصوفية وأخيرا دور الزوايا الخارجي عبر تشجيع الدبلوماسية الدينية في الغرب الإفريقي عموما والمنطقة المغاربية على الخصوص.