شكل اليوم الدراسي الذي نظمته منظمة تجديد الوعي النسائي السبت الماضي بالدار البيضاء، فرصة لاستشراف الأبعاد التشريعية والمؤسساتية، فيما يخص تأسيس هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، ضمن نقاش حول الدور الذي يجب أن تلعبه هذه الهيئة في رفع التحديات وكسب الرهانات التي ترتبط بإنصاف المرأة المغربية وتمكينها من حقوقها الأساسية. وإلى ذلك ركزت فاطمة الزهراء بابا أحمد، مستشارة وزيرة المرأة والتضامن والتنمية الاجتماعية، من خلال سيناريوهات لتأسيس الهيئة من خلال التجارب الدولية المقارنة، على توضيح منطلقات التأسيس واختلاف المقاربات، وتنوع الإشكالات المرتبطة بتأسيس مثل هذه الهيآت دوليا والتي يمكن ملامستها من خلال تحليل مقارن واستحضار أهم النماذج والأمثلة الموجودة دوليا، وذلك بما يتيح رسم سيناريوهات مختلفة من جهة، والاستفادة من الدروس المستخلصة من جهة ثانية. ووقفت المتدخلة على أن أغلب الهيآت التي تتولى وظائف مكافحة التمييز تعمل على السهر على تطبيق مقتضيات قوانين خاصة بمكافحة التمييز، سواء بشكل خاص أو بشكل عام والتي سبقت إنشاء الهيئة. وذلك ما يطرح التساؤل حسب فاطمة الزهراء، إن كان يجب العمل على ملاءمة النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل مع مقتضيات الدستور المتعلقة بالمناصفة، ومكافحة كافة أشكال التمييز وأيضا إخراج قوانين خاصة بمكافحة التمييز قبل إنشاء الهيئة؟ أم تجب مباشرة تأسيس الهيئة التي تتكلف في بداية مهامها بإعداد دراسات واستشارات في ما يخص ملاءمة النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل مع الدستور، والمرتبطة بموضوع المناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، حيث تشتغل على إعداد الاستشارات فيما يخص تطوير وتقوية الترسانة القانونية الضرورية في هذا الموضوع. من جهته تحدث عبد الواحد الأثير عن المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، عن التوجهات العامة والاختيارات العملية فيما يخص إحداث وتنظيم واختصاصات المؤسسات الوطنية المكلفة بحماية حقوق الإنسان، ولاسيما من خلال مبادئ وقواعد الإحداث، الاختصاصات، الاستقلالية، التركيبة، مجالات التدخل ووسائل وآليات العمل. ومن خلال طرح التوجهات والخيارات الممكنة للهيأة المكلفة بالمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، خلص المحاضر إلى أنه ليس هناك نموذجا مثاليا في التجارب الدولية، بل كل التجارب لها إيجابيات وسلبيات، ويبقى تفضيل خيار على آخر - بالنسبة له- مرتبطا بالدرجة الأولى، بالسياق السياسي الوطني، ثم بالتوافق المنبثق عن الحوار المفتوح في الموضوع، بدرجة ثانية، وأخيرا، بمسارات إشراك مختلف الفاعلين في هذا الاختيار. أما التوجهات والقواسم المشتركة في الخيارات الممكنة، فحددها عبد الواحد الأثير في الإطار المرجعي، الاستقلالية، التمثيلية، مجالات التدخل، التدبير والتنظيم. وفي محور «المناصفة ومناهضة كل أشكال التمييز :المفاهيم والدلالات»، تناول الدكتور أحمد كافي مفهوم المناصفة من حيث معناه ودلالاته المتعددة، ووقف عند الإشكالات التي يطرحها الموضوع. قبل أن يطرح 3 أسس قال بأن المناصفة تنهض من خلالها، محددا لها في الدستور نفسه ثم عموم الشعب، إضافة إلى الفصل 19 من الدستور. وخلص إلى أن المناصفة إذا أضيفت لها كلمة موضحة فإنها لن تكون مثار جدال، وهي المناصفة العادلة، واعتبر أن العدل إذا كان حتمية أساسية في الدستور في أكثر من فصل فعلى فصل المناصفة أن لا يخرج عن هذا السياق. من جهة أخرى، تناول عبد العزيزالقرافي، أستاذ القانون العام، المناصفة وعدم التمييز من خلال توجهات الدستور، معتبرا أن المناصفة لا يمكن فهمها دون ما ورد قبلها على مستوى ديباجة الدستور. مستخلصا بأن المناصفة تفرضها الديمقراطية اليوم، انطلاقا من النمو الديمغرافي وأيضا من الناحية الاقتصادية لما تبدله المرأة في المجتمع من طاقة وإنتاج. للإشارة، فقد عمل اليوم الدراسي أيضا على تشخيص واقع التمييز ضد المرأة بالمغرب من خلال مقاربة حكومية ورؤى مدنية (الاتحاد الوطني لنساء المغرب، ومنظمة تجديد الوعي النسائي)، وكان المسعى العام لهذا النشاط تعميق النقاش حول مفهوم المناصفة ومكافحة أشكال التمييز، مع بلورة أرضية علمية تمكن من دعم القوة الاقتراحية لمكونات الحقل الجمعوي في مجال تقديم تصورات حلول الهيأة المكلفة بالمناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة التي ينص على إحداثها الفصل 19 من الدستور.