1. الرئيسية 2. آراء إسرائيل واحتمالات العودة إلى نظرية الدفاع الوقائي محمد بوبوش الثلاثاء 6 غشت 2024 - 21:16 كثر الحديث مؤخرا عن تلميح إسرائيل للقيام بضربة عسكرية محدودة أو حرب وقائية ردًا على التوتر المتزايد في لبنان، غزة، والجولان السوري. هناك مخاوف متزايدة من توحيد الصف (محور المقاومة) ضد إسرائيل، واحتمالية نشوب حرب إقليمية متعددة الجبهات إذا ازدادت الأزمة الأمنية في الأراضي المحتلة، الضفة الغربيةوغزة والجنوب اللبناني، وذلك بالاشتراك المتزايد بين محور المقاومة وحلفاء إسرائيل المحتملون. اعتادت الدول التي تلجأ إلى استعمال العنف في وقت السلم إلى إضفاء طابع المشروعية على أعمالها ارتكازا على الاستثناءات الواردة في مبدأ تحريم القوة في العلاقات الدولية، وبخاصة حالة الدفاع الشرعي الفردي و الجماعي. بيد أنه إلى جانب هذه التبريرات، تعمد الدول للاستناد إلى الظروف والملابسة وخطورة المواقع وإلى الملابسات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية. وهكذا يبدو من العسير التفريق بين الإعلان عن النوايا وبين الأهداف المرسومة، علاوة على الاعتبارات السياسية الخارجية والسياسية القانونية الخارجية التي تنهجها الدولة والتي تتقدم غالبا على التطبيق البحت للقاعدة القانونية المجردة. فالدفاع الوقائي لا يفترض في حالة الاعتداءات القائمة والأضرار الحاصلة وإنما على العكس من ذلك يستهدف منع الاعتداءات و الأضرار التي يحتمل وقوعها مستقبلا. وقد ذهب البعض إلى أن سرعة الأسلحة النووية وقوتها التدميرية تجيز ممارسة الدفاع الوقائي لأنه لا يمكن أن نطلب من الدول في عصر الصواريخ والأسلحة الهيدروجينية أن تنتظر وقوع العدوان المسلح عليها حتى يسمح لها بالدفاع عن نفسها، وأنه بسبب التطور الكبير في التسلح وعدم فعالية نظم الأمن الجماعية المعاصرة، أصبحت فكرة الدفاع الوقائي مشروعة، مقبولة في ممارسة أجهزة الأممالمتحدة إذا توافر فيها شرط اللزوم والتناسب. وقد ادعت بعض الدول انه يجوز لها ممارسة حق الدفاع الشرعي في حالة وجود تهديد بالعدوان المسلح نفسه، فقد بررت الولاياتالمتحدة حصارها على كوبا سنة 1962، بالاستناد إلى حق الدفاع الشرعي ضد تهديد بالعدوان، مدعية بأنه في عصر الذرة لا يمكن لدولة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام خطر محدق منتظرة وقوع الاعتداء عليها حتى تباشر عملها الدفاعي. وقد طبقت نظرية الدفاع الوقائي في مجال الحماية المسلحة للرعايا الموجودين في الخارج، فالدول التي تذرعت بهذا النوع من الحماية لم تكتف بوقوع الاعتداءات أو الأضرار على رعاياها لتبرير عملها المسلح بل بررته أيضا بالأخطار المحتملة. فالوقاية من الأخطار المحتملة كانت بالفعل المبرر المعلن عنه للتدخلات العسكرية الأمريكية في لبنان عام 1958 وفي سان دومينيك عام 1965 وفي غرينادا عام 1983. وبحسب الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، فعندما تنتشر الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية مع تكنولوجيا الصواريخ الباليستية فإن الدول الضعيفة والجماعات الصغيرة ستكون لها القدرة الكارثية على ضرب الأمم الكبيرة. وقد طورت الولاياتالمتحدة هذه الاستراتيجية الوقائية الجديدة كبديل لسياسة الردع والاحتواء- وهما أهم سلاحين تقليديين استخدما للمحافظة على السلام بين الدول، واستقرار العلاقات الدولية- اللتان أصبحا لا يجديان نفعا في تأمين أهداف الأمن القومي الأمريكي. وتفترض الضربات الوقائية التحول من الرد على هجوم فعلي، إلى المبادرة بالهجوم لمنع هجوم محتمل، لا سيما إذا استطاعت أجهزة المخابرات من اكتشاف نوايا مبكرة للخصم لشن عمليات عدائية. وتختلف الضربات الوقائية عن الضربات الاستباقية في أن الأولى توجه مبكرا عند اكتشاف نوايا بالهجوم لدى الخصم بغض النظر عن نشر وسائل هجومه أم لا. أما الثانية(الضربات الاستباقية) فإنها توجه ضد قوات الخصم التي تم نشرها فعلا في أوضاع هجومية استعدادا لهجوم فعلي.لذلك يجري استباق الخصم بتوجيه ضربة إجهاضية ضد هذه القوات لإفشال هجومها المتوقع. وأكبر مثال على الضربات الوقائية ما زعمته إسرائيل من أن حربها ضد مصر عام 1956 كانت بهدف منع القوات المسلحة المصرية من استيعاب صفقة الأسلحة التشيكية التي عقدتها عام 1954، حتى لا تشكل تهديدا ضدها. وكذلك ضرب المفاعل النووي العراقي (أوزيراك) عام 1981. أما عدوان إسرائيل في يونيو 1967 فقد زعمت إسرائيل أنه ضربة استباقية ضد القوات المصرية التي تم حشدها في سيناء في ماي 1967 لإجهاض هجوم مصري متوقع ضد إسرائيل بعد أن أغلقت مصر مضايق تيران وسحبت قوات البوليس الدولي من سيناء وقطاع غزة. وإلى جانب نظرية الدفاع الشرعي الوقائي تحاول بعض الدول العودة لمفاهيم القانون الدولي التقليدي التي عفا عنها الزمن كمفهوم حالة الضرورة كظرف مسقط لمسؤولية الدولة المتدخلة، ومفهوم المصالح الحيوية. ويبدو من الأحداث الأخيرة أن إسرائيل تحاول إعادة إحياء هذه النظرية من جديد وتفعيل مضامينها بسبب تخوفاتها من البرنامج النووي الإيراني. وتسود في الشرق الأوسط بالوقت الراهن، حالة من التوتر ومخاوف من اندلاع حرب شاملة، بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، واغتيال القيادي الكبير في "حزب الله" فؤاد شكر، بغارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوب، فيما تعهد "حزب الله" وإيران بالرد على هاتين العمليتين. لا زالت إيران التي تلعب دور"الراعي" sponsor الجهة المستفيدة من تطور المواجهات في غزة مستغلة اندلاع المواجهات بين إسرائيل وحركة حماس، في محاولة منها لاستدراج الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولدى إيران استراتيجية ثابتة، وهي جعل الصراعات خارج حدودها، وهو الدافع الرئيسي لخلق ميليشيات موالية لها في الإقليم، لتضع خطا أحمر وهو عدم مواجهة الخصوم على الأرض الإيرانية مهما كلف الأمر. لقد أمضى القادة الإسرائيليون الأسابيع الماضية وهم يترقبون رد فعل إيراني ويطلقون تصريحات نارية ضد إيران ويهددون باتخاذ عمل عسكري ضدها. عادةً ما تحاول بعض القوى الدولية استفزاز أطراف أخرى لإجبارها على اتخاذ رد فعل عسكري أو خشن بما يقدم الإسناد لعملية سياسية قائمة بالفعل، أو تخريب مفاوضات، أو بما يضغط على أحد أطراف التفاوض لتقديم تنازلات معينة. ويتم هذا الاستفزاز أو التوريط لأغراض سياسية عن طريق الاستدراج لمواجهة عسكرية. وللغرض نفسه. ويرى بعض القادة العسكريون في إسرائيل أنه لا مجال للتردد، ويجب على دولة إسرائيل، الآن وفوراً، شنّ حرب وقائية ذكية ومفاجئة لضرب منظومة آلاف الصواريخ لدى حزب الله في لبنان، والموجهة نحو الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وتوجيه ضربة قاضية إلى المنشآت النووية ل"رأس الأفعى" الإيرانية، وكذلك توجيه ضربة إلى "حماس" والجهاد الإسلامي. بالرغم من الجدل الدائر في إسرائيل حول المسألة النووية الإيرانية، إلا أن التردد والتشابك يظهران نتيجة تخبط سياسة الحكومة اليمينية وأجندتها الداخلية، مع رغبتها في تغيير صورة إسرائيل وإلحاق الهزيمة بالحلم الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة، فإنه يصعب على نتنياهو المضي قدماً نحو مغامرة عسكرية جديدة، وذلك لأنه يدرك تماماً التحديات وعدم توفر ضمانات بشأن نتائجها. أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي، جامعة محمد الأول-وجدة