محمد بوكو /فاعل سياسي شهدت دورة فبراير الأخيرة للمجلس البلدي للدريوش مفاجأة من العيار الثقيل أو لنقل ما يمكن اعتباره قنبلة الموسم، ولسنا ندري أهي قنبلة حقيقية أم مجرد قنبلة صوتية سرعان ما يتلاشى وقعها بمجرد انتهاء الغرض من إطلاقها. يتعلق الأمر هنا بالإعلان عن قرب إحداث جامعة بالدريوش!!!. وذلك بناء على مراسلة توصل بها المجلس من السيد رئيس جامعة محمد الأول بوجدة، يطالب فيها "بتوفير الوعاء العقاري اللازم مع ما يصاحب ذلك من دراسات تقنية وهندسية. وقد فسرت هذه الرسالة التي جاءت تحت موضوع في شأن الشراكة من أجل توسيع العرض التربوي الرغبة في إنشاء هذه المنشأة الجامعية في هذا الوقت بالذات بأن الفرصة صارت مواتية لتنزيل هذا المشروع الطموح " الذي ما فتئتم تنادون به كمسؤولين محليين ". ولهذا الغرض سارع مكتب المجلس البلدي للدريوش إلى اتخاذ قرارات ذات صلة بالموضوع فخصص ما يناهز 70 مليون سنتيم من فائض ميزانية 2015 لاقتناء وعاء عقاري من الأملاك المخزنية يقدر ب 10 هكتارات و25 مليون إضافية لإنجاز التصاميم والدراسات التقنية الضرورية، أي بواقع حوالي ثلث فائض الميزانية. وقد انقسم الرأي العام المحلي بصدد هذا المستجد إلى فئة متحمسة مهللة لم تخف فرحها الشديد بهذا الخبر ويقينها المطلق في تحققه على أرض الواقع في القريب العاجل، معلقة عليه آمالا عريضة لتغيير وجه المدينة وفئة أخرى شككت في مصداقية هذا المشروع، بل واستبعدت رؤيته يتحقق على أرض الواقع، معتبرة أن الأمر لا يعدو أن يكون مناورة من الطرف السياسي الممسك بزمام الأمور بالمجلس البلدي للدريوش، خدمة لأجندته السياسية، خصوصا وأن الفرقاء السياسيين قد دخلوا المنعرج الأخير المؤدي إلى خط النهاية في السباق الانتخابي إلى قبة البرلمان المقرر ليوم 07 أكتوبر القادم، والذي بدأت حركاته التسخينية منذ وقت ليس باليسير. وبين هؤلاء وهؤلاء، وتفاديا لأية مقاربة ذاتية انفعالية، ومن أجل الوقوف على الشروط الموضوعية ذات الصلة بمدى إمكانية تحقق هذا المشروع من عدمه، يجب القيام بجملة أمور: أولهما تحليل رسالة رئيس الجامعة إلى السيد رئيس المجلس البلدي للدريوش، وقراءتها قراءة تفكيكية عميقة، أما المهمة الثانية فتتمثل في استحضار مجموعة من المعطيات الرقمية وغير الرقمية المرتبطة بوضعية التعليم المدرسي بالإقليم إضافة إلى واقع العرض الجامعي المتوفر بالحوض التربوي الذي تغطيه جامعة محمد الأول بوجدة مصدر الرسالة/العرض، ناهيك عن استحضار الزمن السياسي الراهن، خصوصا ونحن في سياق سنة انتخابية، زمن ثم فإن نتائج الانتخابات التشريعية القادمة ستقلب الكثير من التصورات وستغير بدون شك سلم الأولويات. إن قراءة رسالة السيد رئيس جامعة محمد الأول بطريقة متأنية تفضي إلى مجموعة من الاستنتاجات والتساؤلات المشروعة. أول هذه الملاحظات أن الرسالة صادرة من رئيس جامعة محمد الأول ومن ثم فلا يمكن الحديث عن جامعة كما ظن بعض المتحمسين، وإنما قد يتعلق الأمر في حال تحقق ذلك، بمدرسة عليا تابعة للجامعة المذكورة، أو في أقصى الاحتمالات بكلية متعددة التخصصات على شاكلة كلية سلوان. وسنأتي لمناقشة هذا الاحتمال لاحقا. وتتحدث الرسالة أيضا عن وجود مفاوضات مفتوحة مع وزارة التعليم العالي ووزارة المالية لبرمجة هذه المنشأة الجامعية في السنوات الثلاث القادمة. وهذا يدل من جهة، على أن الأمر ما يزال في طور الفكرة الجنينية التي لم ترق بعد إلى مرحلة المشروع المبرمج، ويدل من جهة أخرى على أن سلطة القرار في هذا الموضوع لا توجد بيد السيد رئيس الجامعة، وإنما في دهاليز الوزارتين المذكورتين بالرباط. ومن ثم فإن حماسة السيد رئيس الجامعة لا يمكن أن تصادف بالضرورة هوى في نفس السيد وزير التعليم العالي، فحساب الحقل لا يناسب بالضرورة حساب البيدر، خصوصا ونحن نعلم الصراع الشديد بين حزب الوزير (البيجيدي) وحزب رئيس الجامعة(البام). كما لا يخفى علينا أيضا الصراع القوي الذي يعرفه الترافع على المستوى المركزي بين القوى السياسية المتصارعة من أجل توزيع الأغلفة المالية المخصصة للمشاريع التي تبرمجها القطاعات الوزارية، خدمة لأجنداتها المحلية الخاصة. ومما يثير الشكوك أيضا حول صدقية ومصداقية رسالة السيد رئيس الجامعة الظرفية التي جاءت فيها، خصوصا وأن الرسالة قد ربطتها بوضوح بعبارة " الذي ما فتئتم تنادون به كمسؤولين محليين " فمتى نادى المسؤولون المحليون عندنا بمثل هذا المطلب؟ بل ومتى نادوا بإنشاء ولو روضة للأطفال فبالأحرى منشأة جامعية؟ ثم إذا كان مسؤولونا المحليون بهذا الحماس فعلا وبهذه الغيرة على التعليم بالمدينةوالإقليم أما كان حريا بهم أن يبادروا إلى المطالبة بثانوية أخرى لتنفيس الاكتظاظ الخانق الذي تعانيه المؤسسة الوحيدة التي تستقبل تلامذة أربع جماعات كاملة؟؟؟. ولا أريد أن أقول أيضا ماذا قدم مسؤولونا المحليون لهذه المؤسسة الوحيدة من نوعها في أربع جماعات للرقي بأدائها التربوي وتحسين جودة تعلمات التلاميذ. وإذا ركزنا جيدا على العبارات التي جاءت في رسالة رئيس الجامعة، فإننا لن نخطئ بالضرورة ربط إنشاء هذه المنشأة ب: تقريب العرض التربوي وفرص التكوين من الطلبة المنحدرين من الإقليم. إننا لا نجادل في حق أبناء الإقليم من حقهم في التعليم الجامعي، غير أن المعطيات الرقمية المتوفرة تجعل إنشاء كلية متعددة التخصصات أمرا مستحيلا. فعدد التلاميذ المترشحين لاجتياز البكالوريا خلال السنة الدراسية الأخيرة 2014/2015 بلغ بالضبط 1050 مترشحة ومترشحا، نجح منهم 812 تلميذا وتلميذة. فأي مسؤول عاقل سيبني كلية ويشغلها بجيش عرمرم من الأساتذة والإداريين والأعوان من أجل 800 أو 1000 أو حتى 3000 طالب؟؟؟. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن نسبة مهمة من الناجحين المتفوقين من أبناء الإقليم يقصدون مختلف المدارس والكليات والمعاهد العليا العمومية والخاصة ذات الاستقطاب المحدود المنتشرة في ربوع المملكة، وبعضهم يتوجه إلى آفاق أخرى لولوج تخصصات غير متوفرة على مستوى المؤسسات القريبة. ومن المؤشرات الأخرى التي تجعل من غير الوارد أن تغامر الدولة بإنشاء مشروع من هذا القبيل وجود كلية سلوان متعددة التخصصات على مرمى حجر ( حوالي40 كلم فقط (واستثمار مبلغ مالي مهم في بناء حي جامعي لفائدة الطلاب المنحدرين من المناطق البعيدة نسبيا عن الكلية، وبمعنى آخر طلبة إقليم الدريوش على اعتبار أن جل المراكز الحضرية للناظور الكبير قريبة من المؤسسة المذكورة. وعلى فرض أنه تم تجاوز كل المعيقات السابقة ونجح رئيس الجامعة في وضع المشروع المقترح ضمن برنامج الوزارة والمؤسسة التي يرأسها خلال السنوات الثلاث القادمة، فما الذي يضمن أن المسؤول الوزاري الذي سيتولى حقيبة التعليم العالي في الحكومة القادمة سيمضي في تنفيذ المشروع؟؟؟ والأمثلة في هذا المضمار لا تعوزنا بالتأكيد. ألم يؤكد السيد وزير الطاقة والمعادن فؤاد الدويري جوابا على سؤال شفوي للمستشار عبد الرحمان أشن تحت قبة البرلمان أن كل الدراسات جاهزة لإنشاء سد عزيمان وأن وزارته تبحث عن التمويل، ثم جاءت بعده الوزيرة المكلفة بالماء شرفات أفيلال الملقبة بوزيرة جوج فرنك فبخرت آمالنا جميعا وضربت كل ما قيل عرض الحائط حينما أجابت على سؤال مماثل بجوابها الاستفزازي حينما قالت بالحرف:"واش نبني الباراج ونتفرج فيه"؟؟؟ لا جرم أن بناء جامعة أو كلية متعددة التخصصات بإقليم الدريوش، سيكون إضافة نوعية له، وقاطرة لتحقيق التنمية البشرية وتثمين الرأسمال البشري واستقطاب الكفاءات والأطر إليه للمساهمة في تحقيق نهضة ثقافية، غير أن المعطيات السابقة مجتمعة للأسف الشديد تشير إلى الاتجاه المعاكس. ومن ثم فإنني أزعم – إن صدقت نوايا من حرر الرسالة وسارت الأمور كما هو مأمول-أن أقصى ما يمكن أن يتحقق في هذا الموضوع هو إنشاء مدرسة عليا ذات استقطاب محدود تكون تابعة للمركز. بقي في الأخير أن نتساءل بصفتنا مواطنين مقيمين بجماعة الدريوش عمن خول للمجلس الذي يسهر على تسيير شؤوننا تسخير موارد جماعتنا المحدودة لشراء وعاء عقاري بنفوذ تراب جماعة أخرى من أجل بناء منشأة ليست الاستفادة منها حصرية لساكنة الجماعة؟؟؟ ألسنا نحن سكان الجماعة أولى بال 95 مليون سنتيم خصوصا وأن جماعتنا تعاني من خصاص فضيع على كافة المستويات؟؟؟ ثم لماذا لم يحل المجلس الرسالة على الجهة ذات الاختصاص وأعني بذلك المجلس الإقليمي؟؟؟ أليست هذه الجامعة المزعومة إن رأت النور فعلا لأبناء الإقليم جميعا فلماذا لا يتكفل المجلس الذي يمثلهم جميعا أي المجلس الإقليمي بسداد مستحقاتها؟؟؟ ولماذا علينا نحن فقط ساكنة جماعة الدريوش أن نسدد الفاتورة نيابة عن الجميع؟؟؟ ثم ألا يسن مجلسنا بهذا الصنيع سنة غير حميدة قد يكون لها ما بعدها. فإذا أرادت وزارة الفلاحة والصيد البحري أن تنشئ معهدا للصيد البحري بسيدي احساين مثلا فهل سينبري مجلسنا لتمويل القطعة الأرضية المطلوبة بجماعة تزاغين ؟؟؟؟ وقس على ذلك ما شئت من الأمثلة. ولتفسير هذه الحماسة غير المألوفة من أعضاء مجلسنا البلدي لتوفير عقار من أجل بناء منشأة عامة يستفيد منها جميع أبناء الإقليم، يربط ذلك بعض الراسخين في "شؤون العقار" برغبة جهات في تثمين عقار مملوك لها بالشراكة مع أحد السياسيين الأثرياء بإقليمالناظور، يقع بجوار ضيعة غارسيا. ويستدلون في هذا الباب برفض بعض أعضاء المجلس سابقا إنشاء مشروع دار الطالبة ودعمه، بدعوى أن المستفيدات منه من بنات الإقليم لا ينتمين إلى جماعة الدريوش. ومن سوابق مجلسنا الجماعي ورئيسه المتعلقة بعدم التجاوب الإيجابي مع الطلبات المماثلة ذات الصبغة العمومية أيضا، التي يمكننا أن نستحضرها في هذا الباب، تجاهل مطالب المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير التي راسلت المجلس منذ ما يقرب من أربع سنوات من أجل تخصيص قطعة أرضية لبناء متحف للمقاومة، غير أنها لم تلق الآذان الصاغية. وقد سمعت هذه الشكوى شخصيا من السيد المندوب السامي على هامش أشغال لقاء حزبي جمعني به ببوزنيقة بمعية منتمين حينئذ للحزب سلك بعضهم اليوم سبلا أخرى في أرض السياسة الواسعة. فأين الحرص على المصلحة العامة المزعومة إذن؟؟؟ ثم أليس من حق هؤلاء أن يتساءلوا: ما الذي غير حكامنا المحليين بين الأمس واليوم؟؟؟!!!! وهل تغيروا فعلا؟؟؟!!!! تصبحون على جامعة....