القراصنة واللصوص اتخذوا من الجزر الجعفرية مركز انطلاق لاعتراض السفن التجارية انجاز: خالد بنحمان/ الناظور لعبت الجزر المنتشرة في المحيطات و البحار أدوارا مهمة في فترات تميزت بتحولات و صراع بين القوى الإمبريالية على امتداد المعمور، فكانت نقطة قوة و تميز استراتيجية بالنسبة للعديد من الدول التي وصلت أطماعها إلى مسافات بعيدة في آسيا وأمريكا اللاتينية و إفريقيا. حيث ظلت هذه المساحات الصغيرة من اليابسة بمثابة جسر إمدادات و أبراج مراقبة تترصد الخصوم و الأعداء و تمهد لحملات تلو أخرى و مخزنا للعتاد و المؤن كما كانت ملاذا للقراصنة و منطلقا لعمليات نهب منظمة لاعتراض سبيل لسفن المحملة بشتى المنتوجات. جزر الضفة الجنوبية من المتوسط في الوقت الذي اشتدت الأطماع الإستعمارية على القارة السمراء بصفة عامة و على جزئها الشمالي بصفة خاصة إزدادت قيمة الجزر الواقعة بمحاذاة الضفة المتوسطية الواقعة بين السعيدية حتى طنجة و التي أدت أدوارا بارزة و محورية في كل السياسات العسكرية لإسبانيا التي عملت على حشد جيوشها و قوتها واضعة نصب أعينها أن أي تقدم في مخطط الإستيلاء على شمال المغرب لن يتحقق إلا عبر التحكم في مجموعة من الجزر الصغيرة القريبة من الشاطئ ، حيث تمثل الجزر الجعفرية المقابلة لمنطقة رأس الماء واحدة من المواقع ذات الأهمية في أجندة التواجد العسكري للجارة الشمالية طيلة الحقب الماضية و لا زالت توليها قيمة بالغة إلى جانب باقي الجيوب المحتلة كسبتة ومليلية وجزيرة النكور و باديس و ليلى التي طفت أحداثها في يوليوز 2002 . الجزر الجعفرية : أصل التسمية يرجع المؤرخون إسم هذه الجزر إلى اللغة الأمازيغية القديمة حين كان يطلق عليها «جزيرة إشفارن» و هو الإسم الذي بقي محافظا على شكله و نطقه لدى الإسبان الذين ينادونها «بإيسلاس تشافاريناس»، و تتركب هذه الجزر الواقعة بين السعيدية17 كلم شرقا و قرية أركمان 30 كلم غربا و على بعد 3.5 كلم من شاطئ جماعة رأس الماء التي تقطنها قبيلة كبدانة من ثلاث أجزاء و هي جزيرة الملك الواقعة في الجهة اليمنى و جزيرة الكونغريسيو الأكبر من حيث المساحة في الطرف الأيسر ثم جزيرة إيزابيل الثانية في الوسط . و اعتبرت الجزر الجعفرية أو جزر إشفارن منطقة مفضلة في فترات الصراع و تنامي نشاط القرصنة إذ كانت ملجأ مجموعات اللصوص الهاربين من سلطة الدولة اتخذت من هذا المكان محمية خاصة تنطلق منها في اتجاه عرض المتوسط معترضة السفن التجارية على الخصوص ومصادرة سلعها أو فرض إتاوات لإخلاء سبيلها. الجزر الجعفرية موطأ قدم خلفي للتواجد الإسباني بالمغرب إلى حدود اليوم تعتبر إسبانيا الجزر الثلاث بمثابة إمتداد لها في المجال البحري للمغرب منذ احتلالها سنة 1847 م و يزداد تشبت الجارة الشمالية أكثر بهذا الموقع لما يوفره لها من فرص تتيع كافة التحولات بالمنطقة المقابلة مع مراقبة تحركات الجانب المغربي على امتداد الشاطئ الشرقي من الريف، حيث يمكن رؤية هذه الجزر من على مسافات بعيدة سواء من هضبة السعيدية أو مرتفعات كوركو أو جبال كبدانة. و هو السر الذي جعلها تنال نصيبا كبيرا من الإهتمام لدى جنرالات و حكام إسبانيا، لا سيما في فترة حرب الريف التي وجدت أمامها قوة لا يستهان بها من رجال المقاومة من أبناء قبيلة كبدانة لذلك جندت إسبانيا كافة إمكانياتها مستغلة وجودها فوق الجزر الجعفرية لمحاصرة رجال المقاومة و مراقبة تحركاتهم في اتجاه الغرب و الشرق بهدف الحد من أي تعاون و تنسيق مع رجال الثورة بالجزائر أو مع حركة محمد بن عبد الكريم الخطابي. فطبيعة الجزر الثلاث سمحت لقوافل الإمدادات القادمة من شبه الجزيرة الإيبيرية للرسو كمرفأ طبيعي استقبل على مدى فترات التوسع الإمبريالي لإسبانيا الآلاف من الجنود لتأمين نجاح التدخل العسكري بالريف و تطويق أفواج المقاومة المرابطة بجبال كبدانة و القبائل المجاورة.حماية طبيعية أم حماية عسكرية لم تتوقف رغبة الجانب الإسباني عند اعتبار الجزر الجعفرية برج مراقبة يؤدي دورا عسكريا بل حاولت أن تضفي شرعية على تواجدها و إبعاد تهمة الإحتلال وعدم الافصاح عن نواياها الإستعمارية موظفة المجال البحري للجزر و يابستها في حملة تم إلباسها غطاء الدفاع عن البيئة، ففي الوقت الذي لم تنل مناطق أكثر أهمية من الناحية البيئية في شبه الجزيرة الإيبيرية نفس الإهتمام سواء في منطقة ماربيا أو جزيرة مايوركا و لم تحظ بسخاء ميزانيات خصصتها وزارة الدفاع الإسبانية لدعم المجهودات البيئية. ظهر سخاؤها من خلال تشجيعها للبحوث المهتمة بالمستعمرات ككتاب تبنته وزارة الدفاع حمل عنوان «الفضاءات الطبيعية لوزارة الدفاع « ، مؤلف صدر في إطار مخطط حاز على نسبة 8 بالمائة من الميزانية العامة للدفاع الإسباني، وهو رقم يدعو إلى الإستغراب إذا علمنا أن البرامج البيئية من إختصاص مؤسسات و معاهد منتشرة على امتداد خريطة إسبانيا لها من الإلمام و الوسائل البشرية و العلمية ما يؤهلها للقيام بدورها أحسن قيام ، مما يدل على أن مجهودات مؤسسة الدفاع الإسبانية واجهة فقط في لحجب الدوافع الحقيقية التيو المختصرة في الحفاظ على وضع مبني على حسابات سياسية و عسكرية إستراتيجية.لاسيما و أن الكتاب تطرق لهذه للجزر الجعفرية كواحدة من الأماكن المعنية بهذه البرامج و الخاضعة لسلطة الوزارة . ومما يضعف مصداقية هذه المزاعم أن الموارد البشرية الموجودة فوق هذه الجزر قليلة من حيث العدد فمن أصل 200 إلى 260 جندي مرابط فوقها يوجد ما بين 15 إلى 20 موظف مكلف بالإدارة و التنسيق مع السلطة الإدارية بمليلية أو العاصمة مدريد بالإضافة إلى حارسين مهمتهما حماية المجال الطبيعي الذي يتطلب خبراءا و باحثين ذوي كفاءة في ميدان التنوع البيولوجي و البيئة التي تدعي وزارة الدفاع حمايتها. مطلب استرجاع مليلية و سبتتة و الجزر الجعفرية وباقي الثغور المحتلة سعى المغرب دوما إلى طرح مسألة الثغور المحتلة الموجودة بالمتوسط عبر الوسائل السلمية موظفا قنوات دبلوماسية رسمية في جل اللقاءات الثنائية بين البلدين كما لعبت الدلوماسية الموازية دورا كبيرا في دعم مطالب المغرب الراسخة و جعلها في صلب المشاورات و المنتديات الحزبية و الشبابية و الجمعوية كواجهة للتعريف بأحقية المغرب في استرجاع أراضيه الغير قابلة للتشكيك بل تذهب المجهودات المغربية أبعد من ذلك مؤكدة على أن اعترافا إسبانيا بمغربية هذه الثغور هو مدخل أساسي لقيام تعاون شامل مبني على الثقة المتبادلة و ضمانة لتعزيز التقارب بين الشعبين مطالب تحاول الجارة الشمالية تجاهلها عبر سياسة الهروب إلى الأمام رغم مناداة المغرب في أكثر من مناسبة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات كما سبق وان إقترح الملك الراحل الحسن الثاني تشكيل خلية تأمل الشئ الذي لا زالت ترفضه إسبانيا سواء في حكومة الحزب الشعبي السابقة أو الحكومة الإشتراكية الحالية و التي ترى في المناطق المحتلة و الجزر الجعفرية على سبيل المثال حلقة إقتصادية تنضاف إلى الدور الإقتصادي خاصة بعد صدور مجموعة من التقارير التي أكدت وجود ثروة نفطية على طول الساحل المتوسطي بين رأس الماء و مليلية ، معطيات سواء كانت واقعا حقيقيا أم لا فستنضاف إلى مبررات إسبانيا و تجعلها في تشبت دائم للحفاظ على الوضع كما هو خاصة و أنها لا زالت ترفض مسألة رسم الحدود البحرية مع المغرب . آفاق و تطلعات ما بعد إسترجاع الجزر الجعفرية إصرار الجارة الشمالية و إن بدا على مستوى المشاريع التي استفادت منها الثغور المحتلة لن تنال من مصداقية مغربية المناطق المحتلة، وقناعة تستمد قوتها من إجماع وطني تترجمه كافة مؤسسات الدولة المغربية التي ترفض أن تفرط في كل شبر من التراب المغربي و هو مطمح ترى فيه ساكنة منطقة كبدانة بالريف تحديا و رهانا لابد وأن يتحقق ليفتح متنفسا لها على الواجهة البحرية بدون قيود إسبانية يومها يمكن أن تعانق مستويات تنموية أعلى و أرقى فالجزر الثلاث المترامية واحدة تنظر للأخرى جزء من ذاكرة تاريخية عاشت أحداثا في غاية الدقة و تعد موقعا إيكولوجيا يصلح أن يتطور إلى مشروع سياحي وأحد أهم حلقات الخريطة السياحية إلى جانب السعيدية التي أصبحت قطبا بارزا للسياحة في ضفة المتوسط.