باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية [email protected] من الواجب موضوعيا وعلميا أن يتم الرد على أي تقرير صادر عن هيأة أجنبية كانت أم وطنية يهم إحدى الجوانب إما السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو غيرها. وإلزامية هذا الواجب، خصوصا إذا كانت التقارير الصادرة منجزة من طرف خبراء عالميين مستقلين، تكمن من الزاوية العلمية في إثراء النقاش حول التجارب والمنهجيات العلمية المعتمدة عند مقاربة ظاهرة معينة من جهة، ومن جهة أخرى، تمكين كل من يهمه الأمر من مواطنين وسياسيين واقتصاديين وغيرهم من معرفة كيف يرانا أو كيف يقيم الجانب الآخر نتائج سياساتنا العمومية المتبعة خلال مدة زمنية معينة. أعتقد أننا يجب أن نكون فخورين باهتمام خبراء دوليين بالتطورات التي يشهدها اقتصادنا. المطلوب هو تجنب الإفراط في الحساسية السياسية عند مقاربتنا لأي تقرير يصدر حول واقع المغرب والجزم بكون هذا التقرير أو ذاك لا مصداقية علمية تكتسيه ولا هدف له سوى إبراز صورة غير لائقة بالاقتصاد الوطني وبالتالي بنتائج السياسات العمومية المتبعة في المغرب. الأهم هو الرد وإبطال ما هو باطل وإبراز واقعية المعطيات بطريقة علمية. ثمة عدة ملاحظات حول هذا الشأن: بخصوص المؤشرات المعتمدة عامة، لقد حسمت البحوث في مجال الاقتصاد السياسي أن المؤشرات تبقى في عاميتها نسبية بسبب خصوصيات وطبيعة ومستوى نمو اقتصاديات العالم. ما يثير الجدل يكمن في الازدواجية، من حيث المؤشر المعتمد من طرف المندوبية السامية للتخطيط. ذلك أنها إذا كانت تنتقد الاعتماد على الدخل كمؤشر لمعرفة مستوى الفقر، فلماذا إذا اعتمدته حين نشرها لتقرير حول بنية المجتمع المغربي وميزت حينها، اعتمادا على الدخل، بين ثلاث طبقات منها الفقيرة والمتوسطة وًالميسورة مع التركيز على المتوسطة ولم تدرج المندوبية عناصر أخرى حيث جاء على لسان مديرها أن المندوبية تنتقد الاعتماد على الدخل لمحدوديته وأضافت إليه عناصر أخرى كالتعليم والصحة ،والتغذية وظروف السكن ،والتجهيزات المنزلية المستدامة والتشغيل، والمساواة بين الجنسين في التعليم والصحة، والولوج إلى وسائل الاتصال والنقل. فعلى إثر هذا التغيير في هذا المؤشر المعتمد من طرف المندوبية السامية للتخطيط، من الموضوعي علميا أن نتساءل عن مدى صحة التقرير الصادر عن تعريف الطبقة المتوسطة؟ وهل هذا التغيير يستدعي إعادة النظر في تعريف الطبقات الاجتماعية المكونة للمجتمع المغربي؟ الملاحظة الثانية وهي تهم سواء ذاك التقرير الصادر من أكسفورد أو انتقاده من طرف المندوبية السامية، ذلك أن كلتا الاحصاءيات يقران وفقا للمقاربة المتعددة الأبعاد المعتمدة من قبل المندوبية ،فقد انخفض معدل الفقر من 9ر23 بالمائة سنة 2001 إلى 1ر12 بالمائة سنة 2007 . وهذا يعني أن انخفاض الفقر تؤكده المقاربتان معا. إذا كان هذا التوافق إيجابيا إلا أنه يبقى عاميا ولا يأخذ أو لا يبرز مواطن أو الجهات التي سجلت هذا الانخفاض. فالمؤشرات لا يجب أن تظل عامة وطنية بقدر ما يجب أن تكتسي بعدا جهويا وإقليميا حتى تكون سندا وبوصلة عند سن سياسة عمومية ما. لا يجب أن تبقى مؤشرات وطنية لكون، وهذا أمر طبيعي جدا، العناصر التي أضافتها المندوبية السامية للتخطيط كالتعليم والصحة والاستفادة من البنيات التحتية وغيرها هي عناصر ذات أهمية بالغة ولكن أهمية كل عنصر من هذه العناصر المضافة لمؤشر الفقر تختلف في مستواها من جهة لأخرى بل حتى من إقليم إلى آخر. فالمعطيات العامة لها صلاحيتها هذا أكيد ولكن ترجمتها إلى معطيات جهوية وإقليمية، في زمن انتقال المغرب إلى الجهوية الموسعة، سيجعلها ذات جدوى و صبغة عملية. الملاحظة الثالثة وحسب تتبعنا لردود الأفعال بشأن تقرير معهد أكسفورد، نتساءل عن غياب شبه كلي لردة فعل من طرف معاهد البحوث المغربية والجامعات والمؤسسات وغيرها من الباحثين في هذا المجال للرد على هذا التقرير لكونها هي موطن البحث العلمي وبالتالي فمثل هذه المعطيات كان من المفروض عليها أن تكون ملمة بها. والحالة هذه، ما عسانا نقول في شأن معاهدنا وجامعاتنا ومفكرينا وخصوصا وأن اعتمادات مالية جد مهمة قد خصصت للرقي بالبحث العلمي في بلادنا… لقد كان بوسعنا أن يصدر الرد على تقرير معهد أكسفورد من طرف معهد مغربي بخبراء مغاربة لكونهم أعلم بوضعية بلدهم أكثر من غيرهم. الغريب هو أن ردود الأفعال تكون حانية وبشدة وبكثرة حين يكون الأمر يتعلق بتقرير سياسي كما لو أن خبراءنا ليسوا محنكون سوى في مجال السياسة متناسين أو متغافلين على أن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي هم أوجه لمسألة مقدسة واحدة وهي سمعة وهيبة الوطن. الملاحظة الرابعة وهي عبارة عن تساؤل موضوعي وواضح: إذا اعتبرنا تبعا لرد مدير المندوبية السامية للتخطيط أن مؤشر الفقر قد انخفض فهل هذا يعني أن الطبقة الاجتماعية الفقيرة قد تقلصت وانتقلت لتدمج ولتساهم في توسيع الطبقة المتوسطة كما حث على ذلك ملك البلاد ؟ إذا كان الأمر كذلك فإن بلادنا على الطريق السوي. يجب أن نعترف أن ظاهرة الفقر هي ظاهرة كونية ولا أحد يمكنه الاعتقاد بوجود مجتمعات دون فقراء. ما يمكن المطالبة به هو العمل على تقليص الهوة بين الطبقات الاجتماعية في المغرب من خلال سن سياسات عمومية تضمن للفرد الحد الأدنى في مستوى معيشي كريم أي مسكن، الاستفادة من العلاجات الطبية، الماء والكهرباء علاوة على فك عزلته خصوصا في المناطق النائية. وإذا كانت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية قد استطاعت أن تحقق نتائج جد إيجابية على مستوى توفير هذه العناصر لشرائح مهمة من الفقراء، فمسار تقليص ظاهرة الفقر لا يزال، ولكن ليس لأمد ببعيد، يعرف بعض التعثرات المتمثلة في استمرارية تواجد ذوي عديمي الضمير أولئك الذين تتصدر أسماءهم وصورهم الصحف الوطنية والمتورطين في التلاعب بالمال العام والصفقات العمومية غير النزيهة وغيرها. إذ لا يعقل أن ملك البلاد يجول البلاد شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ليقف جلالته بنفسه ليتفقد شؤون المواطنين و ليدشن ويبني في حين أن عديمي الضمير وعديمي الوطنية يخربون وينهبون إلى أن يصل الأمر في الكثير من المناطق بأن يرفع المواطنون لافتات تلتمس من ملك البلاد حمايتهم من بطش بعض المسئولين وشططهم في استعمال السلطة بل حتى تمتيعهم بما هباهم به ملك البلاد، مع العلم أن مسئولا يجر وراءه مسئولا أو مسئولين آخرين. إن غنى الطبقة الفقيرة قد ابتدأت فعليا بتفعيل مفهوم السلطة الجديدة الذي تناساه الكثير من المسئولين الأمر الذي أدى إلى الشروع في تفعيل إحدى الركائز الأساسية لمفهوم السلطة الجديدة والذي يمكن نعته كما يقال في الشارع “لي فرط ايكرط”. إن غنى الفقراء بدأ عند الشروع في محاسبة ومحاكمة مجرمي المال العام. إن مسار ترسيخ أحد ركائز العدل لن يتوقف والدليل على ذلك أن ملك البلاد قد أمر الأحزاب السياسية بترشيح أناس أكفاء لتدبير الشأن العام على الصعيد الجهوي. وهذا الأمر يكتسي أكثر من دلالة وعلى الذي يريد الفهم، فليفهم ومن يرغب في التماطل في ما هو فيه فليكن على علم أن الحملة ستجرفه. إنه السبيل الوحيد لبلوغ تنمية البلاد ذلك أن استمرارية مثل هذه التصرفات غير الوطنية وغير المسئولة هي التي تعمق الفقر وتهدد السلم الاجتماعي ومعلوم أنه لا تنمية بدون سلم اجتماعي ولا سلم اجتماعي بدون تنمية ولا داعية لمراجعة محاضرات الاقتصاد السياسي لتأكيد هذا المعطى. فالسلم الاجتماعي الذي ينجم عن حسن تدبير الشأن العام وحسن التدبير الذي يعني التحفيزات مقابل الجد والعقاب مقابل التلاعب ولا مبالاة، هو الضامن للتنمية والضامن لجلب الاستثمارات الخارجية والضامن للرقي بمستوى عيش الأفراد.