التواصل الإنساني بقلم : مصطفى الوردي / [email protected] يستحيل أن ننكر ونتجاهل أهمية التواصل في حياتنا اليومية ، فالإنسان لايستطيع أن يعيش معزولا عن الآخر ، فبواسطة التواصل يتسنى لنا الاندماج في محيطنا الداخلي و الخارجي . فالتواصل مسلسل اجتماعي يتم من خلاله تمرير المعلومة للوصول إلى أهداف . إلا أننا نلاحظ أثناء نقاشاتنا سواء الداخلية ” المنزل ” أو الخارجية ” المقهى ، الاجتماعات … ” بعيدون كل البعد عن التواصل الايجابي . فغالبا ماتكون نقاشاتنا يرام منها فرض الفكرة ولو على حساب الآخرين والدفاع عنها بحجج واهية بعيدين عن مبدأ احترام الآراء و الرغبة الشديدة في أن يكون ما نقوله نحن هو القول الصحيح ، وفي ذلك إقصاء لوجهات النظر الأخرى. ومما يعاب في نقاشاتنا أيضا الأحكام الجاهزة ، وسأسرد مثالا على ذلك ، في المقهى مثلا تكون لبعض أصدقائنا علاقات سيئة مع أشخاص آخرين فبمجرد مرورهم أو جلوسهم في نفس المكان ، يستغلون المناسبة لإقناعنا بان الشخص الفلاني غير صالح و… مع العلم أننا لانعرف هذا الشخص وبالتالي منا من ينساق ويقتنع بكلام الزميل فتجده هو الآخر يساهم في تشويه سمعة ذلك الشخص والاقتناع بالأحكام الجاهزة فياماهناك ناس حكموا عليهم بأنهم غير صالحين ولكن شاءت الظروف والتقيت بهم وتبين لك بان كل ماقاله صديقه هو بعيد كل البعد عن الحقيقة ، وعليه فنحن مطالبين بعدم الاقتناع بالأحكام الجاهزة والعمل على التأكد من المعلومة . كما أن ضعف الرغبة في الإنصات للآخر يعتبر عائقا مهما في سيرورة التواصل، فهو يحد من مدى التبادلات ويبقى كل فاعل عند حدود مواقفه الأولى، وبالتالي يعوق حصول حوار حقيقي. ونجد لضعف الرغبة هذا عدة أسباب : منها أن نستمع دون أن ننصت لأن انتباهنا يكون منشغلا بموضوع آخر ، وعليه لا نكون معنيين بما فيه الكفاية بما يجري وبما يقال ومنها عدم الاهتمام بما يقوله الآخر، ومنها كذلك تغلب الرغبة في الكلام على القدرة على الإنصات. كما أن مواقف الاستعلاء والتكبر ميزة البعض مع محاورييه وهي أيضا من العيوب التي تجهض التواصل الإنساني حيث يعمل المحاور أثناء حديثه مع المتحاور دون النظر إليه وإبداء مواقف وسلوكات استعلائية ” النظرة ، طريقة الجلوس ، تحريك الحاجبين .. ” سرعان مايدركها الآخر بسرعة وتساهم في خلق توتر وحرج يعيق بطبيعة الحال عمل التواصل . وينضاف إلى هذه المعيقات الضجيج الذي يشوش على تحقيق التواصل ، من قبيل الاجتماع بالقرب من طريق عام، حالة أبواب ونوافذ قاعة الاجتماع، عدم ملائمة الأجهزة الصوتية هذه إذن بعض معيقات التواصل الإنساني . فالتواصل الإنساني إذن إرسال واضح ودقيق لخطاب يجب أن يفهم من طرف المتلقي ويتفاعل معه. ولحدوث تواصل فعال ومتبادل سأسرد بعض التقنيات: النظر المركز : طريقة لإستكشاف ما لايقال بالكلمات ، وتوزيع النظر بين المشاركين بالتساوي ، لا أنظر إلى الأرض وأنا أكلم المشارك ولا أهرب بنظري بل أنظر إليه . الإنصات الممعن : يتجلى في التركيز الكلي و من خلال عدم مقاطعة المتحدث وعدم استباق الكلمات التي ينطق بها الآخر ، الإنصات دون إصدار أحكام ، الحرص على تطوير الكفاءة الحجاجية ( الحرص على تقديم الحجج المؤكدة أو المفنذة لكل رأي ) ، إحترام الآخر والإقرار بأن كل واحد يمتلك المعرفة .. الوعي بخطورة الانفعالات والسعي للتحكم فيها. التحكم في الضجيج والتقليل منه في الأخير سأقترح عليكم هذه الرسالة والتي تبين بان الغموض في الرسالة عائق أساسي في تحقيق التواصل: الرسالة: تقضي أسرة إنجليزية عطلتها الصيفية في ألمانيا ، وخلال جولة في أحد الأيام صادفت وجود منزل جميل للكراء و مناسب لقضاء العطلة الصيفية القادمة سيما وأنه في البادية . بعد التعرف على مالكه وهو قسيس أبرمت معه عقدة كرائه للموسم القادم. عند العودة إلى إنجلترا تبين أنها لم تنتبه إلى مكان وجود المرحاض داخل المنزل WC لهذا قررت أن تراسل صاحب المنزل : ” سيدي المحترم، أنا المرأة التي اكترت منك منزل للإقامة الصيفية القادمة. أنا لا أتذكر أني شاهدت WC ، فهل بإمكانكم أن تراسلوني وتحددوا لي مكان وجوده من فضلكم . - عند إستقباله للرسالة لم يتعرف القسيس على حرفي الإختصار WC ، وأعتقد أنه يتعلق الأمر بكنيسة تسمى WALES CHAPEL ، فكاتبها مجيبا : ” سيدتي الفاضلة، لقد تفهمت طلبك، ويشرفني أن أحيطك علما أن المكان الذي تسألين عنه يوجد على بعد 12 Km . غرب المنزل الذي إكتريتيه ، وأنا أعرف أن هذا الأمر مزعج بالنسبة للذي يتردد عليه بإستمرار . هذا الأخير يمكنه أن يحمل معه غذائه ويذهب إليه إما بالدراجة أو السيارة أو راجلا . لكن من الأفضل الوصول باكرا للظفر بمقاعد تكون فيها جالسا ، وحتى لا تزعج الآخرين . - إن البناية رائعة مجهزة بمكيف للهواء – الأطفال يجلسون قرب آبائهم ، وكل يغني في خشوع . - عند الدخول يسلمونك ورقا ، لكن الذي يصل متأخرا يمكنه إستعمال أوراق جيرانه ، والأوراق يجب أن تبقى صالحة في الأخير حتى يكرر إستعمالها عدة مرات . وكل مايخلفه الزائرون يوزع على الفقراء . - والجميل في الأمر هو أنه مجهز بمكبرات للصوت حتي يسمع كل شيء في الخارج ، كما يمكن أن نجد واجهات زجاجية شفافة وضعت خصيصا لإمكانية مشاهدة الأوفياء من زوايا مختلفة . - أتمنى أن تكون هذه المعلومات كافية وواضحة ، وتقبلي سيدتي فائق التقدير والإحترام