رجب ماشيشي: طالب باحث في اللغة والثقافة الأمازيغية لحسن فاتحي: باحث في السياحة والتراث والتنمية المستدامة تحت شعار ” بوكافر: قرن بين المقاومة والآمال في التنمية ” خلدت جمعية بوكافر للتنمية الاجتماعية والثقافية والبيئية بألنيف إقليم تنغير الذكرى الثمانين لملحمة بوكافر الذاكرة الحية للجنوب الشرقي وآخر معاقل مقاومة زعماء الجنوب الشرقي للاحتلال الفرنسي وذلك أيام 123 من شهر مارس لسنة 2013. ونظمت الجمعية أيام ثقافية وفنية وأنشطة موازية مختلفة كتنظيم قافلة طبية وندوات ثقافية بالإضافة إلى القيام برحلة إلى أعالي جبال صاغرو قصد الوقوف على جبل بوكافر الشاهد والحدث الذي احتضن هذه المعركة التي بصمت فيها المقاومة الأمازيغية تاريخ المغرب وفي ما يلي تقرير مفصل لأطوار ثلاثة أيام من هذه التظاهرة السنوية المميزة والتي استطاعت أن تجذب اهتمام عديد المتابعين ومختلف الفاعلين المهتمين بالشأن الثقافي الأمازيغي، إذ افتتحت التظاهرة يوم الجمعة 01 مارس صباحاً بساحة إنرارن وذلك بإقامة رواق ثقافي فني تقليدي ضم بين ثناياه العديد من المنتجات الفلاحية والتقليدية وبعض الأشياء التاريخية المهمة التي تؤرخ لتاريخ المغرب والمنطقة بشكل خاص: معرض للكتب والصور التي تؤرخ لذكرى معركة بوكافر إضافة إلى كتب وبحوث تتعلق بمختلف الأحداث التاريخية وبعض إبداعات وعمل أبناء المنطقة كالشاعر الشاب عبد الحكيم بقي وغيره معرض للأدوات المنزلية التقليدية المصنوعة من الخزف والرخام والتي تجسد ما تتميز به المنطقة من تراث مادي عريق ومتميز يمكن استثماره في السياحة وغيرها لخدمة تنمية المنطقة وتأهيلها معرض لإبداعات عارض اتخذ من النجارة وسيلة لإبداعاته الفنية وموهبته في فن النجارة وقدم بها لوحات فنية متميزة كسيارات وبواخر وأشياء أخرى جميلة أعطت الرواق رونقاً فريداً ومتنوعاً معرض خاص بالمنتجات الصخرية والرخامية “فن النقش والنحت على الأحجار والصخور” الذي تتميز به المنطقة والتي تؤكد أيضا على الغني الذي تكتنزه من موارد يجب تقنين استعمالها والحفاظ عليها خدمة لتنمية المنطقة وتأهيلها على كافة المستويات وخاصة القطاع السياحي معرض لمنتجات فلاحية وأبرزها الحناء الأخضر الطبيعي وما يسمى “بتاحلاوت” وهو عبارة عن مشتقات الثمر الذي تنتجه المنطقة بوفرة كما يعتبر كل ذلك فرصة لعرض تجربة الجمعية الناجحة في زراعة وتسويق الحناء ومختلف المنتجات الطبيعية الأخرى محلياً وجهوياً معرض لمنتجات تقليدية وعصرية أمازيغية أثثت فضاءات الرواق بعرض مجموعة من المنتجات التقليدية الأمازيغية المصنوعة من النسيج كالأعلام والرموز الأمازيغية ومحفظات يدوية وأشياء أخرى ترمز لخصوصيات الثقافة والهوية الأمازيغيتين معرض فني ثقافي يحتوي على إصدارات مجموعة من الفنانين الأمازيغ من أبناء المنطقة ويتزعمهم الفنان والشاعر أغطاف ومختلف المجموعات الشبابية الأخرى التي أحدثت ثورة فنية كبرى في الجنوب الشرقي المغربي وتسير كلها نحو التألق ومعظمها تتغنى بهموم وقضايا الأرض والإنسان الأمازيغي عامة يمكن القول إذن أن الرواق بمختلف فضاءاته تميز بالتنوع والغنى وجمع مختلف إبداعات وموارد منطقة ألنيف التي أثثت فضاءات ساحة إنرارن على مدى يومين متتاليين كما هو أيضاً مناسبة ثقافية فنية لعرض مختلف منتجات جمعية بوكافر للتنمية الاجتماعية والثقافية والبيئية بهدف التعريف بها وتسويق منتجاتها محلياً وجهوياً ولما لا وطنياً وبالموازاة مع افتتاح الرواق بساحة إنرارن أي منذ انطلاق تخليد ذكرى معركة بوكافر نظمت كذلك الجمعية بالتعاون مع مؤسسة هجر للبصريات قافلة طبية كبادرة حسنة استفاد منها أبناء المنطقة من مختلف الفئات أطفالاً ونساءًا وشيوخاً داخل خيمة إنرارن وهو عمل تطوعي إنساني من الدرجة الأولى يحسب لهذه الجمعية التي فتحت أبوابها أمام المواطنين لإجراء فحوصات العيون ومراقبتها وعلاجات طبية أخرى أهمها إجراء تحاليل السكري وقياس ارتفاع ضغط الدم وقد نوه بهذه المبادرة القيمة جميع المستفيدين ومختلف الفاعلين بالمنطقة متمنين أن تتكرر مثل هذه المبادرات التي تساهم في تقديم العلاج والفحوصات الضرورية للمواطنين وجعلها في خدمة الإنسان ما دامت المنطقة بعيدة عن أبرز المستشفيات الإقليمية التي من شأنها التخفيف من حدة معانات المواطنين وتقديم الخدمات اللازمة وفي مساء يوم الجمعة 01 مارس نظمت الجمعية بفندق بوكافر بمركز ألنيف ندوة فكرية ثقافية شارك فيها أستاذان باحثان في الثقافة والتراث الأمازيغيين وطالب باحث في اللغة والثقافة الأمازيغيتين وهو ما أثرى الندوة وفتح نقاشا ذو طابع متميز تخللته مداخلات وردود الحضور المعتبرة والذي تفاعل مع الندوة وأشاد بها وساهم في إنجاحها وفي ما يلي عرض للمداخلات الثلاث: المداخلة الأولى: من إلقاء الأستاذ والباحث في الثقافة الأمازيغية السيد ناصر أزداي وكانت تحت عنوان: ” الثقافة والتنمية أية علاقة؟ “، وفيها بدأ الأستاذ مداخلته بشكر الجمعية والحضور والترحم على شهداء الوطن أي أرض تمازغا ونوه بالإنسان الأمازيغي وحضارته الغنية والمشرفة مذكراً أن التاريخ هم الأمازيغ والأمازيغ هم التاريخ، كما أكد الأستاذ على دور الثقافة في التنمية والعلاقة الجدلية التي تربط بينهما وضرورة المزج بينهما خدمة للإنسان بهذا المجال موضحاً أن مختلف المناطق الأمازيغية قدمت أبطال ومناضلين ما يفرض على الجميع وخاصة أبناء هذه المناطق العمل على رد الإعتبار لهم ولبطولاتهم كما العمل على استثمار هذه البطولات في كل أشكال التنمية خاصة وأن الناشئة الأمازيغية أصبحت تلعب دوراً كبيراً ومهماً في الساحة بعد دخولها إلى العلوم والثقافة وإصدار بحوث تتعلق بالثقافة والتاريخ الأمازيغيين وفي ختام مداخلته أبرز الأستاذ أزداي أن الثقافة الأمازيغية موحدة رغم تعدد أنماطها وأعطى مثال على ذلك بوجود أحيدوس في مناطق مختلفة من المغرب وتحت مسميات وأشكال مختلفة لكن يوحده المضمون والإنسان كما ألح على ضرورة أن تقوم الثقافة رافعة حقيقية للتنمية ولابد لكل تنمية من ثقافة تنموية غيورة على واقع المناطق الأمازيغية المهمشة والتي نالت أكثر من نصيبها في الإقصاء المداخلة الثانية: من إلقاء الأستاذ والباحث في الثقافة والتراث الأمازيغيين عبد المالك حمزاوي تحت عنوان: ” الشعر الأمازيغي والمقاومة “، حيث بدأ مداخلته بشكر الجمعية والحضور والترحم على دماء الشهداء والمقاومين الذين ضحوا بحياتهم من أجل حرية هذا الوطن، لينتقل بعد ذلك للحديث عن دور الشعر الذي ردده كل من الرجل والمرأة لما لهما من دور أساس كتعبير ثقافي وظف في المقاومة والتعبير عن هموم الإنسان الأمازيغي، وتحدث عن شعر المقاومة في منطقتين هما الأطلس الصغير والمتوسط لما لهما من تقارب كبير في الأنماط التعبيرية وتشابه في المواضيع والتيمات استفاض في حديثه مذكراً أن الأمازيغ أطلقوا تسميات عديدة على المعمر منها أرومي التي تعني الأجنبي وفي مرحلة أخرى تسميته بأنصراني وبعد ذلك باليهودي وفي مرحلة الصراع والمواجهة بالخنزير وكلها توصيفات وتسميات تدل على حقد الأمازيغ للمستعمر وعدم رضاهم على استهداف أرض إيمازيغن وهو ما تبين جلياً في أشعارهم وقصائدهم التي وظفوها كسلاح وكإستراتيجية دفاعية باعتماد الشاعر كمراسل ينقل الأخبار بين مختلف القبائل، ودوره في التحريض على القتال وزعزعة معنويات المستعمر مستشهدا في ذلك بأشعار وقصائد أمازيغية وأعطى مثالاً لأشعار خالدة للشاعرة يامنة واعزيز كما أشار الأستاذ عبد المالك حمزاوي إلى الدور الذي لعبه الفرس في المقاومة وتمثلاته في الأشعار والقصائد الأمازيغية ليخلص في النهاية إلى أن الشعر الأمازيغي بمختلف أجناسه كان له دور مهم في المقاومة من خلال مساهمة الشعراء في التحريض على القتال، الرثاء، الاعتزاز والافتخار بالأرض والهوية الأمازيغيتين باعتبارهم ينتمون إلى هذه الأرض ويدافعون عنها بالكلمة والشعر المداخلة الثالثة: وهي من إلقاء رجب ماشيشي طالب باحث في اللغة والثقافة الأمازيغيتين تحت عنوان: ” الجنوب الشرقي المغربي: صورة نسبية لمشروع ثقافي” والذي افتتح مداخلته بتقديم التحية والشكر للجمعية المنظمة لهذه الأنشطة وكل الحضور كما استهل توطئته في المداخلة بضرورة ” النضال الفكري والثقافي لا غير” … مشيراً إلى أن أجدادنا ناضلوا وقاوموا بكل ما كان متاح لهم في زمنهم أما نحن اليوم فيجب أن يكون العلم والثقافة هما الرهان الوحيد الذي ننشد به التغيير ورفع التهميش عن مناطق الجنوب الشرقي التي لها من الإمكانات والطاقات ما لا يتصور وبقدرة قادر طالها النسيان والتنكر. وقد ألح كذلك على ضرورة توحيد الجهود وحسن استغلال هذه الطاقات ونبذ كل الخلافات والتعصبات سواءا القبلية أو العرقية التي من شأنها أن تعيق مشروع التنمية في كل مدن الجنوب الشرقي وفي كل بقاع تمازغا التي لا تزال ترزح تحت الإقصاء والتهميش. كما أشار إلى الثورة الثقافية التي انطلقت من الجنوب الشرقي على كل المستويات وقدم أمثلة على ذلك من قبيل مبدعين شباب وكبار مرموقين في الشعر والتأليف والفن والسينما وغير ذلك كثير، فهو من وجهة نظره كل ذلك يشرف الجنوب الشرقي ويدعو للأمل في غد مشرق لكنه أصر على ضرورة تبني مشروع ثقافي محدد الأهداف والغايات وتبني إستراتيجية ومخطط يشمل مختلف مناطق الجنوب الشرقي للعمل سوية وتفادي العمل الفردي الذي يحد الكل في زوايا مختلفة ومعينة تتشتت معه القوى ويبطل مفعوله مع مرور الزمن وبعد تقدمه في المداخلة طرح الطالب المحاضر أسئلة هامة تخص واقع التنمية الثقافية بالمنطقة من قبيل إلى أين يسير هذا “المشروع الثقافي” إن صح التعبير وهذه المبادرات التي لا تزال إلى حد الآن فردية وبراغماتية ومشتتة على كل مناطق الجنوب الشرقي؟ ألم يحن الوقت لتوحيد القوى والعمل على تسطير مخطط جماعي يلف الجميع ويحدد الرؤى المستقبلية لمشروع ثقافي واعد على غرار ما يقوم به الإخوة في سوس والريف؟ كما أكد على ضرورة إقحام رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال في هذا المخطط الذي يجب أن ينضوي تحته كل الغيورين على تنمية الجنوب الشرقي، وفي ختام مداخلته طرح الطالب الباحث في الثقافة واللغة الأمازيغيتين عدة توصيات من بينها بإيجاز ضرورة العمل على إنشاء مراكز للإنتاج الفني والإبداعي لمساعدة كل المبدعين في المنطقة وتشجيع الطاقات على الإبداع، والتفكير في خلق متاحف ومراكز تحوي جميع التراث المادي واللامادي بالجنوب الشرقي إضافة إلى التفكير في خلق دور للنشر تساعد على نشر إبداعات أبناء هذه المناطق والتخفيف من حدة النفقات والمصاريف التي تعتبر العائق الأول لمثل هذه المبادرات، كما العمل على ربط شراكات واتفاقيات مع مختلف الفاعلين التنمويين سواء كانوا على الصعيد الجهوي أو الوطني أو الدولي حتى يتسنى لأبناء الجنوب الشرقي قول كلمتهم في قادم الأيام وتوحيد الرؤى والجهود التي ستثمر عن تنمية شاملة ووعي جماعي بالمسئولية وبعد نهاية جميع المداخلات مباشرة فتح المجال أمام ردود ملاحظات وإضافات الحضور التي أغنت النقاش وطرحت العديد من الأفكار على الطاولة لتبادل الآراء وتبادل مختلف وجهات النظر والأفكار حول المستقبل الثقافي للجنوب الشرقي ودلالة استثمار الماضي بجميع أحداثه ووقائعه التي من شأنها أن تعيد الإعتبار للإنسان والثقافة الأمازيغيتين وجعله في صلب الأبحاث في الحاضر والمستقبل، كل ذلك إذن جعل منها ندوة وأمسية ثقافية قدمت من خلالها العديد من المواضيع المهمة والأسئلة الشائكة التي تهم الثقافة والتاريخ الأمازيغيين في الجنوب الشرقي حاضراً ومستقبلاً وسبل الرقي والنهوض بهما وفي صباح يوم السبت 02 مارس 2013 أقيمت ندوة أخرى من إلقاء عسكري فرنسي سابق شارك في الحملة الاستعمارية على المغرب هو جون لويس دوكلو تحت عنوان: ” معركة بوكافر 28 فبراير 1933 ” ومن تأطير الطالب الباحث رجب ماشيشي وأستاذ بيذاغوجية التواصل بكلية وارزازات السيد أحمد ختوش التي ساهم بدوره في بلورة نقاش فكري متميز حول معركة بوكافر وأبرز الأحداث التي عرفها تاريخ الجنوب الشرقي آنذاك وفي هذه الندوة قدم المحاضر جون لويس دو كلو رؤيته الشخصية للأحداث التي عقبت التدخل الفرنسي عموما بجهة درعة تافيلالت والجنوب الشرقي خصوصا جبال صاغرو معتمدا في ذلك على أرشيف استقاه من “مصلحة تاريخ وزارة الدفاع في فرنسا” (service historique de la défense) وما استطاع تذكره من تاريخ ووقائع وبعض الأحداث التي تتعلق بالخصوص بمعركة بوكافر التي سجلها التاريخ كأحد أهم عثرات ودلائل دموية السلطات الفرنسية أثناء مواجهتها لزعماء المقاومة ومختلف القبائل التي شاركت في الدفاع عن الأرض الأمازيغية بدأ دوكلو مداخلته بشكر الجميع وأخذ يسرد مختلف الأحداث التاريخية التي عرفتها المنطقة مشيراً إلى أن فرنسا لم تكن في بداية الثلاثينيات تسيطر على كامل التراب المغربي وخاصة الأطلس الكبير وتخوم الصحراء التي تمتد فيها عديد القبائل الرافضة للتواجد الفرنسي بالمغرب جملة وتفصيلاً وخاصة جبال صاغرو القلب النابض لقبائل أيت عطا، وكان الجنرال كاترو آنذاك هو المسئول الأول عن جهة مراكش حسب التقسيم الإداري الفرنسي النظري والذي ضم منطقة صاغرو إلى المناطق الخارجة عن سيطرة السلطات الفرنسية وقدم بذلك مخطط عملي لإخضاع صاغرو ومعه مختلف هذه المناطق، هذا المخطط صادق عليه كبار العسكريين الفرنسيين وصادق عليه الجنرال هوري القائد الأعلى للجنود الفرنسيين بالمغرب ليتم بذلك إعطاء الضوء الأخضر وكافة الأوامر للتدخل وتنفيذ المخطط من قبل أعلى هيئة عسكرية في باريس. وبموجب هذه القرار أعلن إذن أن العمليات والزحف الفرنسي سيبدأ يوم 13 فبراير 1933 وسيقود هذه المعركة الجنرال كاترو الذي قسم فيالقه إلى مجموعتين تأتي الأولى انطلاقا من غرب مدينة وارزازات والثانية من مدينة قصر السوق (الرشيدية حاليا) ويبدأ معه حصار العائلات والقبائل والمقاومين إلى أن يستسلموا للسلطات الفرنسية، وأكد حسب ما جاء في الأرشيف أن فرنسا كانت تعتقد أن المهمة ستكون سهلة وستنتهي فقط ببدايتها، لكن الحصيلة كانت ثقيلة والنتيجة خسائر بشرية واستماتة قوية من طرف رجال المقاومة، وفي حدود 22 فبراير أي بعد 9 أيام من انطلاق العمليات انتهت المرحلة الأولى بصعود رجال المقاومة إلى أعالي جبال صاغرو (منطقة نوميرو Numéro (. والمرحلة الثانية كانت تهدف إلى إضعاف القوة النارية لرجال المقاومة رغم ضعف الأسلحة المستعملة بالمقارنة مع سلاح الجو الفرنسي الرادع الذي استهدف كل شيء إلا عزيمة المجاهدين وإلى حدود يومي 24 و 25 فبراير خسرت فرنسا 14 قتيلاً ومنهم 5 من درجة “ليوتنان” و 19 جريح منهم 6 ضباط، هذه المرحلة الثانية أكدت هي الأخرى فشلها، لتبدأ مرحلة أخرى ثالثة يمكن اعتبارها انتقامية لأنها بدأت من 28 فبراير بمحاصرة جبال صاغرو لمدة 25 يوم وتم استهداف معاقل المقاومة بقصف عنيف وطيران حربي لا يهدأ واستهدفت معه عيون المياه التي يستعملها المقاومون للتخفيف من حدة الحصار ليخرج بعد ذلك زعيم المقاومة عسو وبسلام ليقبل بالتهدئة ويضع حدا للمعركة رغم أن هناك بعض الأطراف الرافضة لإلقاء السلاح وإعلان التهدئة مع المستعمر حسب ما ذكر جون لويس دوكلو هذه إذن لمحة مقتضبة وموجزة من المداخلة المهمة للسيد جون لويس دوكلو والتي أفردنا لها جزءا مهما في التغطية نظرً لما تحتويه من أحداث ووقائع غاية في الأهمية وللعلم فقط فقد أذرف جون لويس الدموع وشعر بالأسى وهو يتناول هذه المعركة ويتأسف لكل ما حصل وأشار أنه كان في سن العشرينيات آنذاك بعد أن أقسم على الدفاع عن وطنه فرنسا بعد دخوله في صفوف العسكرية الفرنسية وبعد ذلك مباشرة فقد أباه الذي تواجد بالريف أثناء المعارك التي خاضتها فرنسا مع مقاومي الريف بزعامة القائد عبد الكريم الخطابي، كما أكد أن التاريخ سلسلة من الأحداث والوقائع التي حدثت في زمن ومكان معينين نستقرأه بهدف أخذ العبرة ومعرفة أسرار تاريخ الإنسانية في كل تمثلاته الإيجابية والسلبية بهدف أسمى وهو أخد العبر مما حصل وبعد نهاية المداخلة مباشرة تفاعل الحضور مع ما جاء في مداخلة جون لويس دوكلو وأكد الجميع أنه أرشيف لا بد منه لتوثيق ما حصل وهي شهادة حية ومعبرة يجب استثمارها في التاريخ الرسمي الوطني ودعا الجميع إلى العمل على تدوين التاريخ المحلي والجهوي وعدم انتظار المبادرات التي يأتي بها مؤرخو “العروبة” أو “الفرنسيس” والتي من شأنها أن تنتقص من دور إيمازيغن في معاركهم ضد مختلف المعمرين وتزييف التاريخ الذي ظل حكراً على ثلة من المؤرخين العرب والأوروبيين وفي أمسية يوم 02 مارس 2013 قرابة الساعة الخامسة مساءاً التأم الجميع حول ساحة إنرارن بمركز ألنيف الذي افتتحت فيه جمعية بوكافر للتنمية الاجتماعية والثقافية والبيئية عن طريق رئيسها امحند احمادي أيامها الثقافية والفنية برواق فني وفسيفساء ثقافي تقليدي مميز، التأم الكل لحضور الأمسية الثقافية والفنية التي كانت الساحة مسرحا لها في سنوات مضت وها هي اليوم تحتضن من جديد هذه الأنشطة الثقافية والفنية وفي ما يلي عرض لبرنامج الأمسية ولأبرز ما جاء فيها: في البداية تكلف بتقديم الأمسية من على المنصة الطالب الباحث رجب ماشيشي والأستاذة كريمة اللذين رحبا بالحضور الكريم وشُكره على تلبية الدعوة ومطالبين منه العمل على المساهمة في إنجاح هذه التظاهرة الفنية واستمرار دعمها المتواصل لكافة الأنشطة التي تسهر الجمعية على تنظيمها. وبعد ذلك ناول مقدما الأمسية الكلمة لرئيس جمعية بوكافر للتنمية الاجتماعية والثقافية والبيئية بألنيف السيد احمادي امحند ليقدم كلمته للحضور معلنا افتتاح الأمسية وبدايتها، وقد استهل السيد احمادي مداخلته بكلمة شكر للجميع وأثنى على كل من ساهم من قريب أو من بعيد لإنجاح هذه الذكرى السنوية العظيمة التي بصمت تاريخ المقاومة الأمازيغية كأبرز معركة دونها التاريخ وأشاد ببطولات زعمائها كما أشاد بمجهودات الجمعية التي حملت على عاتقها رهان التنمية بالمنطقة في مختلف مجالاتها وطالب بمزيد من الدعم والعمل على رفع التهميش والإقصاء وتمثيل المنطقة في كل المحافل أحسن تشريف وتمنى أن تلقى هذه الذكرى قبولاً واستحسانا من قبل كل الحضور والمهتمين من أبناء المنطقة وغيرها وبعد ذلك مباشرة بدأت مختلف المجموعات بالتقاطر على المنصة وسط ترحيب حشود من الجماهير التي غطت جنبات الساحة مشكلة بذلك لوحة فنية مميزة انبهر لها الجميع، وفي ما يلي نقدم بإيجاز كل المجموعات الفنية والمسرحية المشاركة في الأمسية وكذا مضمون الرسالة التي ألقتها الناشطة الإميضرية: مشاركة المجموعات الفنية الشبابية التي تغنت جلها بهموم الإنسان الأمازيغي الجريح في أرض تمازغا وحملت لواء الدعم والتضامن مع الشعب الأمازيغي في كل البقاع كما عبرت عن مساندتها لمعتقلي القضية الأمازيغية السياسيين أوسايا وأعطوش ومعتقل القضية الإميضرية أشطوبان والإشادة باعتصام أبناء اميضر فوق جبل ألبان الذي استمر لأزيد من سنتين مؤكدين على أن هناك ثورة شبابية أمازيغية ملتزمة تحمل مشعل الثقافة والفن قادمة لا محالة وستتحدى كل الصعاب من أجل إيصال صوتها للعالم ولكل الأحرار : وهذه أسماء مختلف المجموعات الشبابية الأمازيغية المشاركة في الأمسية: كما عرفت الأمسية مشاركة شباب ألنيف بمسرحية و” سكيتش ” هزلي تناول تزييف التاريخ الأمازيغي بالمغرب وإهمال السلطات خاصة وزارة التربية الوطنية عن قصد لبطولات وملاحم الأمازيغ في التاريخ الرسمي والكتب المدرسية التي من شأنها صنع ذاكرة مزيفة للأطفال والناشئة، وتمثلت رسالة الشباب في نداءا وجه للمسئولين عن كتابة التاريخ المغربي على إعادة قراءة مختلف الأحداث التاريخية وإعادة كتابة التاريخ بأقلام موضوعية وشفافة دون مزايدات سياسية أو تعصب للعرق أو النسب عكس ما هو حاصل اليوم من ظلم وتنكر لبطولات زعماء المقاومة الأمازيغ في كل بقاع تمازغا وخصوصا الجنوب الشرقي المغربي وبعد ذلك ألقى الشاعر الشاب عبد الحكيم بقي قراءة لقصيدتين شعريتين من ديوانه الشعري الجديد الذي تفاعل معه الجمهور وأشاد بمجهوداته والذي يبحث عن تدوين اسمه كأحد أبرز الوجوه الشعرية الشابة التي ظهرت مؤخراً في الجنوب الشرقي، وتجدر الإشارة إلى أن عبد الحكيم بقي أصدر لحد الآن أربع إصدارات بين رواية وقصائد شعرية تمكن بفضلها مؤخراً من الفوز بجائزة في القناة الثانية المغربية وهي تشجيع على مواصلة التألق وحصد الجوائز في مختلف المحافل الوطنية والدولية وبعدها تقدمت سيدة من اميضر وهي مناضلة في “حركة على درب 96 ” لتبلغ رسالتها إلى جميع الحضور بصوت عال وبنبرة تخللها الغضب والرغبة الجامحة في إيصال صوت المهمشين والمعتصمين في الجبل، وكان من بين أبرز ما جاء في كلمتها الجادة دعوتها النساء والأمهات إلى التحرك والوقوف في وجه السلطات التي تستمر في قهر الأمازيغ واعتقال الأبناء كما أشادت بالحضور النسوي الكبير الذي ملأ واجهات ساحة الأمسية وتمنت لو كانت هذه المناسبة كذلك فرصة لرفع مطالب الساكنة والتعبير عن تضامنهم مع المعتصمين، وختمت الناشطة في ” حركة على درب 96 ” مداخلتها بشكر جمعية بوكافر للتنمية وكافة الأمازيغ وأبناء ألنيف وكل من وقف إلى جانب المعتصمين بجبل ألبان مؤكدة في رسالة للسلطات أن المعتصمين لن يستسلموا للقدر ولن يستكينوا إلى أن تحقق الساكنة مطالبها أو يعتقل جميع أبناء المعتصمين وللإشارة أيضا فقد ناول مقدما الأمسية الكلمة لعضوين ينشطان في الكونغريس العالمي الأمازيغي وجمعية سكان جبال العالم واللذين عبرا عن تضامنهما ووقوفهما إلى جانب كل المجتمعات التي ترزح تحت الفقر والتهميش ولم تكن الأمسية لتكتمل دون مشاركة الفنان والشاعر القدير أغطاف ابن منطقة ألنيف صاحب الأشعار الخالدة والفريدة والذي قام بتكرار الرسالة الشعرية التي وجهها للسيد عامل إقليم تنغير لحسن أغجدام عندما قام هذا الأخير بزيارة منطقة ألنيف للتباحث حول مطالب الساكنة وحقوقهم في التنمية وبعض تظلمات الساكنة وتجدر الإشارة إلى أن تخليد الذكرى الثمانين لمعركة بوكافر عرفت حضور إعلامي مميز بين قناة تلفزيونية وراديو ومواقع إلكترونية وصحفيين تمثلوا في : قيام قناة الأمازيغية بتغطية الحدث بالصوت والصورة وإجراء حوارات مع بعض المتدخلين ومع رئيس جمعية بوكافر للتنمية الاجتماعية والثقافية والبيئية قيام إذاعة راديو أزول زيك AzulZik.com بتغطية الحدث على الهواء المباشر طوال الأيام الثلاثة وعلى الشبكة العنكبوتية إذ وصل عدد المتتبعين في بعض الأحيان على الأنترنت إلى 128 متتبع للأمسية الفنية حسب ما صرح به محمد وهو أحد المسئولين على طاقم الراديو حضور الصحافي سعيد وعشى مراسل الجريدة الإلكترونية ناس هيس Nashess.com لتغطية الحدث بالصوت الصورة وتغطية الحدث عن قرب وجود كتاب وصحافيين شباب يهتمون بنقل المعلومة ونشر المقالات والحوارات سواء كان ذلك مع منظمي الذكرى 80 لمعركة بوكافر أو مع بعض الفنانين الشباب أو مع الفنانين المرموقين والمعروفين على الساحة الفنية وقبل ختام الأمسية الثقافية والفنية الكبيرة والناجحة ذكر المقدمان الحضور وكل المهتمين ببرنامج الرحلة المرتقبة ليوم الغد والمبرمجة ليوم الأحد 03 مارس 2013 إلى جبال صاغرو على الساعة السادسة صباحاً، بالإضافة إلى ضرورة الحضور لحفل توقيع كتاب “وطنية باحتقار الذات” للأستاذ السيد مصطفى قادري وذلك على الساعة العاشرة مساءا بفندق بوكافر أي بعد نهاية الأمسية الثقافية بأزيد من ساعة وفي النهاية شكرت جمعية بوكافر للتنمية الاجتماعية والثقافية والبيئية بألنيف كل الحضور ومختلف المشاركين من مجموعات فنية وثقافية وكل من ساهم في إنجاح الأمسية من لجنة تنظيمية ورجال الإعلام واعدين الجماهير بتكرار نفس الأنشطة بل والسعي لتقديم الأفضل والجديد في السنوات المقبلة وفي ليلة يوم 02 مارس 2013 بعد انتهاء الأمسية الثقافية والفنية وفي حدود الساعة 22:00 ليلاً نظمت جمعية بوكافر للتنمية الاجتماعية والثقافية والبيئية بفندق بوكافر بمركز ألنيف دائماً حفل توقيع كتاب ” وطنية باحتقار الذات ” للأستاذ والباحث مصطفى قادري الذي قدم مداخلة موجزة حول محتوى الكتاب والأسباب التي دفعته لكتابته إذ أشار إلى أنه اطلع على مقال نشر في شتنبر سنة 1933 والذي كان تحت عنوان “أبحث عن بربري” الذي تحدث فيه كاتب المقال على أن “البرابرة” هم أبناء حام واشتراك نسبهم والعرب، وهو بذلك دليل كاف لتبني البربر لكافة الأطروحات العربية في حين أن معظم الروايات الغربية تنسب “البربر” أو الأمازيغ إلى أصول مسيحية أوروبية وكأن الأمازيغ مجرد مخلوق على الأرض يبحث عمن يتبناه لتستقيم أحواله وما هذه الأطروحات إلا استغلال لسذاجة إيمازيغن على مر التاريخ وتهيئتهم للانصهار في ثقافة الآخرين وتبني هوياتهم وأطروحاتهم “المشبوهة”. وفي هذا الإطار أشار في مداخلته إلى بعض الأحداث والوقائع “المشبوهة أي يشوبها اللبس” من تاريخ المغرب عموما وإيمازيغن خاصة وذكر بمختلف الممالك التي تعاقبت على حكم المغرب وبعض الأحداث التي عرفها خصوصا باحتقار الذات الأمازيغية من قبل السلطات المركزية وممارسة الضغوطات عليها بل وصلت حد السجن والاعتقال كما حدث مع الكاتب والمناضل الأمازيغي علي صدقي أزايكو الذي طالب بإعادة قراءة وفهم التاريخ المغربي والثقافة الأمازيغية وفق منظور آخر وتصور يعطي قيمة للإنسان الأمازيغي باعتباره ملكاً للأرض وذلك قوله في ما مفاده الدعوة إلى ” نحو فهم جديد للثقافة والهوية الوطنية”، على عكس بعض النخب المثقفة الأمازيغية التي تتبنى “الطرح الوطني العربي” أو ما يسمى “بالوطنيين المغاربة” الذين يحتقرون الذات الأمازيغية ولاءاً للسلطة أو غاية في الاستفادة مما يمنحه رضى السلطات الحاكمة عليهم ضدا على ما تفرضه الجغرافيا والتاريخ اللذين يؤكدان على عراقة الهوية والثقافة الأمازيغية في شمال إفريقيا، هي فقط لمحات وإشارات موجزة من كتاب قيم يتناول موضوع التاريخ الأمازيغي ويستحق منا جميعا الإطلاع عليه والنبش فيما جاء به الباحث والأستاذ مصطفى قادري وفي ختام مداخلة الأستاذ السيد مصطفى قادري تبادل الجميع الآراء حول تاريخ المغرب والأمازيغ ونسبهم ثم الإشارة إلى بعض الوقائع من تاريخ معاركهم مع الأجانب وخاصة منذ الرومان إلى اليوم وبعض الأحداث التي يجب النبش فيها وسبب احتقار الأمازيغ لذواتهم وكينونتهم، بالإضافة إلى مداخلة للشاعرين أوسخوف وأغطاف حول تاريخ معركة بوكافر كمثال لأحداث ووقائع بصم فيها رجال المقاومة على ملاحم تاريخية لكن لقدرة قادر طالها النسيان والإهمال وطمس هذا التاريخ الذي يرمز للذات الأمازيغية وكيف تدافع عن نفسها وعن كرامتها بكل ما لها من قوة يوم 03 مارس 2013 تنظيم رحلة إلى جبال صاغرو: يوم الأحد 03 مارس على الساعة السادسة صباحاً تجمع العشرات ممن يرغبون في خوض المغامرة وإحياء الذكرى 80 لمعركة بوكافر فوق أعالي جبال صاغرو، وبعد لحظات قليلة انطلقت القافلة بأزيد من 7 سيارات من النوع الكبير وعدد من الدراجات النارية التي رفعت التحدي رغم التضاريس القاسية ووعورة المسالك إلا أن العزيمة أقوى سلاح يملكه كل هؤلاء وفاءا وإحياءاً لذكرى ملحمة الأجداد العظيمة والذين طاوعوا الطبيعة مع احتياجاتهم وقهروا المستعمر ومعه آلة الدمار فكيف إذن لأبناء مازيغ اليوم أن تمنعهم قساوة الطبيعة والظروف وانعدام أي تهديد خارجي من إحياء الذكرى والذاكرة والوقوف على تاريخ الأجداد هي إذن أزيد من ساعة على طريق غير معبدة ملتوية وخطيرة بين جبال كبيرة وصخور سوداء تدل كلها على ألم ومعانات سكان بعض القبائل التي لا تزال تصارع من أجل البقاء فوق الجبل وعلى منبسطات نادرة ندرة المياه، مررنا بجانب أطفال بادلونا لنا التحية بالتحية والنظرات بالنظرات ولكنهم استغربوا كيف لهذه القافلة والأعداد الكبيرة من السيارات والأشخاص أن تمر هنا وفي هذا اليوم بالضبط وتغيب لبقي الأيام سؤال ظللنا نبحث له عن جواب يشفي غليله طوال مسيرتنا الطويلة ولكنه سيظل في ذهن الأطفال إلى أن ينعموا في بالمدرسة يوماً وبأستاذ التاريخ ومعه يميزون الوقائع من الأساطير ويبدؤون بتركيب أولى الكلمات وفهم فصول الماضي والحاضر والمستقبل لأن كلماتنا اليوم لن تغنيهم في شيء ولكن ستبعث فيهم فقط الأمل في غد جديد وبعد مدة من الرحلة انتهى بنا إلى المسير وصولاً إلى مكان اعتاد الجميع الوقوف فيه كمحطة أخيرة تترك فيه الأمتعة وتهيأ فيه مختلف الوجبات يحرسها الأطفال مع بعض ممن خانتهم قواهم الصحية ولا يستطيعون تحدي المرتفعات وصعود الجبال مشياً على الأقدام وبذلك كان لزاماً تناول وجبة الفطور وتوفير المياه استعدادا للجهاد الأكبر الذي ينتظره الجميع بكل شغف لحظات قليلة بعد ذلك أخذ منظموا الرحلة على عاتقهم توزيع الأدوار والحرص على عدم مجازفة البعض بحياتهم (أطفال، نساء، شيوخ) وتعريضها للخطر، لينطلق الجميع على شكل مجموعات بقيادة شخص على الأقل له دراية بالتضاريس الصعبة وله من التجربة ما يكفي لقيادة مجموعة قد تتكون في غالب الأحيان بين 5 و 10 أفراد، ومروراً بين الجبال والمرتفعات وكل تلك الصخور السوداء تبين لنا بالملموس أن أجدادنا لم يكونوا يوماً سذجاً عندما فكروا بصعود كيلومترات من الجبال ولا حتى الاستقرار بها ولم تكن تلك التضاريس القاسية التي أصبحت في نظرنا مشكلة جغرافية ومسألة حياة إنسانية لتقف أمام زحفهم إلى قمم الجبال للاحتماء بها لأنهم وفقط على عكس ما نظن يؤمنون بمبدأ ” الموت أهون من الحياة لأعيش فقط كيفما أريد ” وصولاً إلى قمم الجبال تندهش لرؤية مقابر جماعية قديمة هنا وهناك وبقايا مساكن مبنية بالأحجار وآثار الرصاص وبقايا القنابل التي أغارت بها طائرات المستعمر الفرنسي على رجال المقاومة والمعتصمين بالجبال بعد حصارهم من كل جانب، كما قمنا بإطلالة على سلم من الأحجار يمتد لمئات الأمتار من السافلة إلى الأعلى يختصر الطريق قام بتشييده المستعمر الفرنسي آنذاك كما كانت لنا الفرصة لزيارة مقبرة تسمى ” روضة مولاي إبراهيم ” وهي حسب الروايات الشفوية تزعم أنها لأحد الأولياء الصالحين بالمنطقة وهي تراث مادي يجب الحفاظ عليه والسهر على حمايته وزيارة كذلك مكان يسمى بالنيميرو Numéro وهو مكان توقيع معاهدة التهدئة بين رجال المقاومة بزعامة عسو وبسلام والسلطات الفرنسية وتأسيساً لذلك تم تشييد تمثال لا يزال شاهدً ويؤرخ لهذه الحقبة وكل هذه الأحداث التي استفضنا فيها، ولعل ما أثار استغرابنا وفريق الرحلة كخلاصة بعين المكان هو اندثار العديد من هذه الآثار بشكل لافت مع مرور السنون !!! فبعد أن كانت القنابل تملأ المكان والبقايا هنا وهناك أصبحت اليوم تعد على رؤوس الأصابع وإن وجدت أصلاً وهو ما استنكره الجميع وحملوا فيه المسئولية للساكنة التي قد تكون تتاجر به بمقابل مادي هزيل والسلطات المحلية بأجهزتها المختلفة التي يجب أن تلعب دورها الكامل في الحفاظ على الذاكرة الجماعية للمغاربة والأمازيغ بالخصوص لأن هذا التراث هو الشاهد على كل الأحداث ومسألة الحفاظ عليه هي مسئولية الجميع والدولة بشكل أساس وما اندثاره إلا وصمة عار على الجميع بالوقوف على بوكافر ومعاينة كل هذا التراث والآثار التي خلفتها المعركة وبهذه الزيارة الميدانية الحية تخليدا للذكرى الثمانين لملحمة الأجداد انتهت الرحلة التي نظمتها جمعية بوكافر للتنمية الاجتماعية والثقافية والبيئية إلى عين المكان، ليقوم الجميع مرة أخرى بالعودة إلى المكان الذي انطلقت منه القافلة سيراً على الأقدام وهي تحمل معها العديد من الصور والرسالات والأفكار التي ستظل خالدة في الذهن ومجموعة من الأسئلة التي سوف يتم طرحها وتنتظر الجواب الذي قد يأتي وقد لا يأتي. هي رحلة أنهكت كل القوى واستغرق الوصول من آخر محطة استكشافية وصولاً إلى محطة الانطلاقة ساعات ليصل الجميع بسلام ويجتمع الكل مرة أخرى لتناول وجبة الغداء والساعة تشير آنذاك إلى الثالثة زوالاً وبعدها مباشرة انطلقت القافلة في رحلة العودة مرة أخرى متجهة صوب مركز ألنيف نقطة البداية حيث أعلنت الجمعية عن شكرها الجزيل للجميع وشكر كل من ساهم من قريب أو من بعيد في تنظيم وإنجاح الرحلة والسهر على راحة الزوار وبذلك اختتمت الأيام الثقافية والفنية في إحياء للذكرى المجيدة لمعركة بوكافر وضرب الموعد في السنة القادمة إن شاء الله وتفرق الجميع والكل يحمل معه صور وأفكار وتساؤلات عن الماضي والحاضر والمستقبل شكر خاص للأستاذ سعيد فقير والباحثة عائشة على دعمهما ومرافقتنا طوال الرحلة وعلى بعض الصور التي أمدونا بها