على بعد أسبوع فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبعد إدلاء أزيد من 67 مليون مواطن أمريكي، بالفعل، بأصواتهم في هذه الاستحقاقات، يطفو إلى السطح مجددا شبح المجمع الانتخابي ليثير الشكوك حول شرعية هذه المؤسسة التي تنقلب أحيانا على نتائج الاقتراع الشعبي وترسل المرشح الخاسر إلى البيت الأبيض. في هذا الصدد كشف توماس نيل، خبير الحكومة الوطنية الأمريكية بقسم الأبحاث بمكتبة الكونغرس، أنه في كل ولاية، يصوت المواطنون الأمريكيون، في واقع الأمر، لكبار الناخبين، الذين يجهلون هويتهم في معظم الحالات، وليس لأحد المرشحين للرئاسة. وقال نيل، خلال إحاطة نظمها مركز الصحافة الأجنبية بواشنطن، إن كل ولاية تتوفر على عدد من كبار الناخبين يعادل عدد المنتخبين في مجلسي النواب والشيوخ، بالإضافة إلى ثلاثة ناخبين يمثلون العاصمة الفيدرالية واشنطن، مما يرفع العدد الإجمالي لكبار الناخبين إلى 538 ناخبا، مشيرا إلى أن هؤلاء الناخبين يشكلون ما يعرف بالمجمع الانتخابي، الذي يختار رئيس الولاياتالمتحدة. وأشار إلى أنه كلما زاد عدد سكان الولاية، ارتفع عدد كبار الناخبين الذين يمثلونها. وهكذا، تستفيد كاليفورنيا مثلا من 55 ناخبا، وتكساس من 38 ناخبا، وفلوريدا ونيويورك من 29 ناخبا، وبنسلفانيا من 20 ناخبا، مشيرا إلى أنه من المحتمل أن يفوز مرشح رئاسي بأصوات المجمع الانتخابي رغم أنه لم يحقق الفوز في التصويت الشعبي. حدث كهذا تم تسجيله في خمس مناسبات في تاريخ الانتخابات الأمريكية، في أعوام 1824 و 1876 و 1888 و 2000، ومؤخرا في عام 2016، عندما حصل دونالد ترامب على 304 أصواتا انتخابية بالمجمع الانتخابي، في الوقت الذي فازت فيه منافسته هيلاري كلينتون في الاقتراع الوطني المباشر بفارق يقارب ثلاثة ملايين صوت. وعلى الرغم من موجة السخط التي تترتب عن هذا النوع من النتائج،يخلو الدستور الأمريكي من أية مقتضيات تلزم الناخبين الكبار بالتصويت لمرشح أو لآخر، وفقا للسيد نيل، الذي أكد، في الوقت ذاته، أن كافة الناخبين الكبار احترموا، حتى الآن، نتائج التصويت الشعبي في ولايتهم. وذكر السيد نيل بأنه كان قد تقرر خلال المؤتمر الدستوري لعام 1787، أن تجرى الانتخابات الرئاسية بنظام الاقتراع غير المباشر من جولة واحدة، وذلك من أجل الحفاظ على مبدأ فصل السلطات، مشيرا إلى أن إلغاء هذا النظام الانتخابي المثير للجدل يعد مهمة معقدة، على الرغم من التعديلات التي تم تقديمها للكونغرس والتي تدعو إلى حذف المجمع الانتخابي، "لأنه من الصعب للغاية تعديل الدستور". ويجتمع الناخبون الكبار، بشكل تقليدي، في أول يوم اثنين يلي الأربعاء الثاني من شهر دجنبر لانتخاب الرئيس ونائب الرئيس. وبخصوص الانتخابات الرئاسية الحالية، من المرتقب أن يختار المجمع الانتخابي الرئيس الأمريكي المقبل في 14 دجنبر، ومن الوارد ألا يكون الفائز بالتصويت الشعبي في 3 نونبر. و في مواجهة هذا الوضع، غالبا ما تحسم نتيجة الانتخابات في عدد محدود من الولايات التي تصوت تارة لفائدة الديمقراطيين، وتارة لصالح الجمهوريين. وفي عام 2016، مكنت انتصارات ترامب المفاجئة بولايات ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا، بهوامش ضيقة، من حسم السباق نحو البيت الأبيض. وسيتعين على ترامب الفوز في ولايتين على الأقل من هذه الولايات الثلاث ، لكسب ولاية ثانية بالبيت الأبيض، غير أن مهمته لن تكون سهلة وفقا للعديد من استطلاعات الرأي الأخيرة، التي منحت خصمه الديمقراطي جو بايدن تقدما مريحا. وضاعف ترامب، خلال الأيام الأخيرة، تجمعاته في ولاية بنسلفانيا، حيث يأمل في كسب ود 20 ناخبا كبيرا يمثلونها للاقتراب أكثر من عتبة 270 ناخبا التي تضمن الفوز بالانتخابات الرئاسية. من جانبه، يسعى جو بايدن لخلق المفاجأة باستهداف ولاية فلوريدا، أو حتى كارولينا الشمالية، حيث سيشكل فوز المرشح الديمقراطي في أي من الولايتين السابقتين ضربة قاضية لمنافسه الجمهوري. ووفقا للعديد من المراقبين، لن ت عرف نتائج الانتخابات الرئاسية إلا بعد عدة أيام أو حتى أسابيع من تاريخ الاستحقاقات. غير أنه في حال تم الإعلان عن فوز أحد المرشحين بسرعة في الولايات الرئيسية التي تحسم نتيجة الانتخابات ، سيكون بالإمكان تخمين هوية الرئيس ال46 للولايات المتحدةالأمريكية.