البيانات الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، تكشف أن الجائحة عصفت "بجسد" الاقتصاد الوطني، حيث تم فقدان أكثر من نصف مليون منصب شغل خلال الفصل الثاني من العام الجاري، جراء القيود المفروضة بسبب حالة الطوارئ الصحية. وبحسب مذكرة أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط، حول سوق الشغل، فإن "الاقتصاد الوطني فقد خلال الفصل الثاني من السنة الحالية، 589 ألف منصب شغل، نتيجة فقدان 520 ألف منصب بالوسط القروي، و69 ألف منصب بالوسط الحضري". وأشارت الأرقام الرسمية، إلى أن معدل البطالة انتقل من 8,1 بالمائة إلى 12,3 بالمائة على المستوى الوطني، ومن11,7 بالمائة إلى15,6 بالمائة بالوسط الحضري ومن 3 بالمائة إلى 7,2 بالمائة بالوسط القروي. ويبقى هذا المعدل مرتفعا لدى الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة (33.4 بالمائة) والأشخاص الحاصلين على شهادة (18.2 بالمائة ) والنساء (15.6 بالمائة). وحول هذا الموضوع، حاور موقع القناة الثانية، ضمن فقرة "ثلاثة أسئلة"، الخبير الاقتصادي، رشيد أوراز. نص الحوار...
كيف تقرؤون المعطيات التي أعلنت عنها مندوبية التخطيط فيما يتعلق بفقدان نصف مليون منصب عمل خلال النصف الثاني من هذه السنة؟ هذه المعطيات كانت جد متوقعة، لأن هذه الأزمة الصحية كانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد وخاصة التشغيل، ففي العالم نرى أن هذه الأزمة التي عطلت الاقتصادات العالمية ساهمت بشكل كبير في ارتفاع معدلات البطالة في أغلب الاقتصادات الصناعية. نعلم أن هناك قطاعات اقتصادية مناصب الشغل فيها غير مستقرة وتكون دائما ضحية الأزمات الاقتصادية أو ركود النشاط الاقتصادي، المتتبعون للشأن الاقتصادي كانوا يتوقعون أن أولى بوادر الأزمة الاقتصادية بالمغرب ستظهر في ارتفاع معدلات البطالة. بالنسبة لي لم يكن مفاجئاً أن تعرف هذه الفترة من السنة فقدان عدد كبير من قوة العاملة لمناصب الشغل، حيث كانت المؤشرات متوقعة في فترة كانت تعرف توقف قطاعات اقتصادية عديدة خلال فترة الحجر الصحي، فأرقام المندوبية تعد مفهومة في سياق الازمة الصحية التي يعرفها المغرب. ما هي القطاعات الأكثر تأثرا بفقدان مناصب الشغل؟ القطاع الأكثر تضررا بفقدان الشغل هو السياحة الذي تأثر بشكل كبير بسبب الإغلاق الاقتصادي وبسبب تعطل حركة الملاحة الدولية، هذا القطاع ما يزال يعرف توقفا لحد الآن منذ شهر مارس الماضي، إذ فقد العاملون فيه العديد من فرص العمل من جهة، ثم من جهة أخرى ليس هناك في الأمد القريب أي مؤشرات تدل على أن هذا القطاع سيسترجع عافيته خلال الأشهر القادمة. كما أنه هناك قطاعات أخرى تضررت أيضا بفقدان مناصب الشغل وهي المرتبطة بالخدمات التي لها صلة بالسياحة، كالنقل العمومي والسياحي والخاص، بالإضافة إلى قطاع الصناعة التقليدية خاصة أن رواجه مبني على السياحة، علاوة على تأثر قطاع المطاعم والمدن السياحية كذلك؛ إلى جانب القطاعات المذكورة، تأثر بشكل لافت قطاع النسيج والألبسة بسبب الإغلاق الاقتصادي وأنشطة التصدير والاستيراد. في نظركم من هي القطاعات الاقتصادية التي يمكن التعويل عليها في تحريك العجلة الاقتصادية والنهوض من الأزمة الاقتصادية؟ للأسف الشديد لا يمكن اقتصاديا التعويل على قطاع واحد، فإن تنويع الانشطة الاقتصادية يعتبر من بين مفاتيح التنمية الاقتصادية وخلق النمو الاقتصادي، لذلك فإنه بمجرد أن يتأثر قطاع واحد من بين القطاعات الأخرى فذلك يؤدي إلى أن المؤشرات الاقتصادية تسوء ويظهر فيها أن هناك أزمة. حاليا على المغرب أن يفكر في تطوير مجاله الاقتصادي، خاصة أن هذه الأزمة العالمية بينت في بعض الاقتصادات القوية أن قطاعات التي كان لها الأثر الإيجابي في هذه الفترة، وهي المجالات التي ارتباط بالتكنولوجيات الحديثة والرقمنة، خاصة أن هذه المجالات لديها مستقبل واعد، حيث تبين أن شركات الاتصالات لم تتأثر بشكل كبير بل بالعكس تطورت وحققت أرباحا هائلة في هذه الأزمة، لذلك على المغرب أن يطور قطاع التكنولوجيا والرقمنة لكي يخلق فرص العمل، علاوة على أن قطاع الاتصالات قيمته المضافة مرتفعة جدا وقادر على أن يكون مصدرا للعملة الصعبة في حالة إذا استطاعت الشركات المغربية أن تسوق منتجاتها أو خدماتها إلى الأسواق الخارجية سواء على المستوى الجهوي أو القاري أو حتى العالمي. فضلا عن كل ذلك، يجب أن يحافظ الاقتصاد المغربي على ما يتوفر عليه في قطاعات الفلاحة والصيد البحري، وبأن يولي المغرب أهمية كبرى للصناعت وبأن يعتمد مخطط تصنيعي واعد للعقد القادم؛ حيث تبين أن الصناعة لها دور مهم في الدينامية الاقتصادية للدول.