تلاعبات مالية ورشاو ودول صديقة خانت الملف الوطني لم ينتظر المغاربة كثيرا لمعرفة المؤامرة التي حيكت ضد بلدهم، حين تم إسقاط ملف ترشيحهم لاحتضان كأس العالم 2006، لصالح ألمانيا، والتي رمت بكل ثقلها المالي والديبلوماسي، من أجل الفوز بحق تنظيم أكبر تظاهرة كروية في العالم. مع سقوط مسؤولي الاتحاد الدولي لكرة القدم تباعا في قضايا فساد، وعلى رأسهم السويسري جوزيف بلاتر، كان لزاما على الألمان التحرك من أجل طمس خبايا مؤامرة، قادوها رفقة «بعض أصدقائهم» المقربين آنذاك، من أجل الفوز بتنظيم كأس العالم 2006، على حساب المغرب وجنوب إفريقيا وانجلترا والبرازيل، وهي الدول التي ترشحت من أجل الفوز بتنظيم الكأس العالمية. الاتحاد الألماني يستسلم رغم ثقل المسؤولين الألمان الذين كانوا يشرفون على ملف احتضان ألمانيا لكأس العالم، في مقدمتهم فرانز بيكنباور، غير أن الصحافة الأوربية والأمريكية لم تترددا في فضح التلاعبات وقيمة الأموال التي دفعت من أجل منح ألمانيا التفوق في السباق لاحتضان المنافسات. وكانت صحيفة «دي زيت» الألمانية، هي التي أثارت القضية أولا في يونيو 2015، لتثير ضجة عالمية كبيرة، وقالت إن مجموعة من الاستثمارات أقيمت في آسيا، مقابل أصوات بعض الدول العربية والآسيوية. وأمام الضغط الرهيب، أوكل الاتحاد الألماني لكرة القدم، إلى مكتب التحقيقات «فريشفييلد»، مهمة التقصي والتحقيق في القضية، ومعرفة كل ملابساتها في أقرب وقت، ولم ينتظر العالم كثيرا قبل معرفة تفاصيل المؤامرة. بيكنباور … قائد المؤامرة تقلد بيكنباور، النجم السابق لبايرن ميونيخ وهامبورغ والمنتخب الألماني، مهام رئاسة اللجنة المنظمة لكأس العالم 2006، في حال فازت ألمانيا بحق استضافة المونديال، إذ دافع عن الملف بشراسة كبيرة. وساعد بيكنباور آنذاك هورست شميدل، المسؤول السابق عن اللجنة التنظيمية للألعاب الأولمبية ببرلين 1972، إذ تكلف بالعلاقات مع المنتخبات والسياح الراغبين في حضور المونديال، ثم بالتواصل مع الاتحادات المشاركة في المنافسة، كما أسندت له مهمة حفظ الأمن في الملاعب، وترك الجانب الترويجي والتواصلي مع الصحافة إلى فولفغانغ نيرسباخ، الصحافي الرياضي الذي سيصبح رئيسا للاتحاد الألماني في 2012. واختار تيوو زوانزيغر، الرئيس السابق للاتحاد الألماني، الاعتناء بالأمور المالية والتنظيمية. واعتبر بيكنباور أن الفريق الذي اختاره مؤهل لقيادة ألمانيا إلى احتضان كأس العالم، رغم أنه كان الآمر والناهي في كل القرارات التي اتخذت آنذاك. واعتبر بيكنباور بعد ذلك، المسؤول الأول عن العلاقات التي ربطها هذا الفريق مع دول من أجل مساندة الملف الألماني، قبل أن يتهم بمنح رشاو إلى قطروفرنسا لمساندة ألمانيا. فرنساوقطر والسعودية … خانت المغرب في الوقت الذي بحث فيه المسؤولون المغاربة عن مساندة دول صديقة للمغرب من أجل احتضان الحدث العالمي، مثل فرنسا وإيطاليا وبعض الدول العربية مثل قطر والسعودية وتونس، فإن التحقيقات بعد سنوات، أثبتت أن أغلب هذه الدول أدارت ظهرها للمغرب، ومنحت صوتها إلى ألمانيا من أجل احتضان المنافسة العالمية. أبرز هذه الدول، كانت فرنساوقطر، إذ أكدت التحقيقات أنهما ساهمتا بشكل كبير في المؤامرة على المغرب، ومن أجل تسهيل مهمة ألمانيا في احتضان كأس العالم 2006. في تحقيقاتها، كشف مكتب «فريشفييلد»، عن حقائق مثيرة وخطيرة، بعدما أبلغ الاتحاد الألماني أنه وجد دليلا قاطعا يشير إلى تحويل مسؤولين ألمان كبار، من بينهم بيكنباور، أكثر من 6 ملايين ونصف المليون أورو لصالح شركة قطرية، وذلك قبل التصويت على البلد الذي سيحتضن كأس العالم 2006. وأظهرت التحقيقات أيضا أن الاتحاد الألماني كان يعلم بالتحويل المالي الضخم، غير أنه كان يبحث عن دليل قاطع، وهو ما وجده مكتب التحقيقات. ولم تتوقف التحقيقات عند هذا الحد، بل أكدت أن ألمانيا لم تكن لوحدها في القضية، بل تلقت دعما ماديا ومعنويا ودبلوماسيا من قطروفرنسا، اللتين وعدتا المغرب في وقت سابق، بأن يقفا إلى جانبه لتنظيم المسابقة العالمية. وتم تحويل المبلغ المذكور إلى شركة قطرية يتحكم فيها القطري محمد بن همام، العضو السابق في الجهاز التنفيذي للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، والذي أوقف مدى الحياة في وقت سابق بجرائم فساد مالي. وكشفت التحقيقات أيضا أن التحريات أثبتت أن القضية كانت أكبر من تحويل مالي من أجل الحصول على حق استضافة كأس العالم، بل وصلت إلى حد مؤامرة بين فرنساوقطروألمانيا، من أجل الإطاحة بالمغرب، إذ أن الأموال التي دفعت إلى الشركة القطرية، كانت من رجل أعمال فرنسي كبير، يدعى روبر لويس دروفيس، وهو من عائلة فرنسية ثرية، تملك حاليا نادي مارسيليا الفرنسي. وبخصوص الجانب السعودي، فإنه استفاد من استثمارات ضخمة، مقابل التصويت للملف الألماني. النتائج صادمة عرف المسؤولون الألمان والفرنسيون والقطريون آنذاك، كيف يتعاملون مع القضية من أجل إخفاء أي دليل، قبل الإعلان الرسمي عن فوز ألمانيا بحق استضافة مونديال 2006. واعتبر التصويت على مكان إجراء مونديال 2006، الأصعب منذ سنوات، بحكم العدد المهم للدول التي تقدمت بترشيحها من جهة، وبحكم تقارب الأصوات من جهة ثانية. في الدور الأول تمكنت ألمانيا من الفوز ب 10 أصوات، مقابل 6 لجنوب إفريقيا و5 لإنجلترا و3 للمغرب. في الدور الثاني تلقى المغاربة الصدمة الكبرى، بالخروج من الباب الضيق، إذ نالت ألمانيا وجنوب إفريقيا 11 صوتا لكل منهما، فيما حازت إنجلترا صوتين، ليلجأ الاتحاد الدولي إلى الدور الثالث لحسم الفائز، إذ خرجت ألمانيا منتصرة بصوت واحد، بعدما فازت ب 12 صوتا مقابل 11 لجنوب إفريقيا. وكان مجموع المصوتين على الملفات 24 شخصا، 8 من أوربا و4 من إفريقيا، و4 من آسيا، و3 من أمريكا الجنوبية، و3 من الكونكاكاف، وواحد من أوقيانوسيا، بالإضافة إلى جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي.