قال صامويل لوران، في ما سبق، إن التركيبة الهيكلية للدولة الإسلامية معقدة، وإن كانت تبدو غاية في سهولة الفهم المرتبط بقلة عدد المسؤولين، الذين يوجد على رأسهم بطبيعة الحال، الخليفة أبو بكر البغدادي، ويساعده مباشرة وزيران أولان، يشرف كل واحد منهما على جهة هامة من دولة الخلافة، من أصل جهتين يمثلان نواة هذه الدولة وعصبها وتتمثلان في العراقوسوريا. وإذا كانت هذه الدولة تعتمد في قمة هرمها المؤسساتي على القلة العددية، فإن قاعدتها من "شعبها" أو "أمتها" وجيشها يستعصي حصر عدد مكوناتها لاعتبارين اثنين، أولهما هو أن هذا الكيان يَعتبر البسيطة كلها دولة إسلامية، أتاها الكفرمن كل جانب فوجب تطهيرها، وثانيهما هو أن رعاياها يشكلون خلايا نائمة في كل البقاع، لا يبدون انتماءهم وولاءهم وبيعتهم إلى الخليفة في مركز الخلافة بشكل مباشر إلا حين يكتمل الفتح الأكبر،لكنهم في كل الأحوال مبايِعون موالُون و طائعون. ما يؤكد طرح صامويل لوران لهذا الشكل هو ما ذهب إليه في يونيو 2010 الجنرال "راي أودينرو" قائد القوات العسكرية الأمريكيةبالعراق بالقول "إن ثمانين في المائة من قيادات الدولة الإسلامية قد قضى أو تم أسره، فيما الباقي يعيش الشتات". الجنرال راي أودينرو، وهو يلقي بتقريره على سبع سنوات من الحرب الأمريكية على العراق على طاولة البانتاغون ليبرر قيمة الأموال المهدورة في هذه الحرب (1.9 مليار دولار) وعدد أفراد الجيش الذي خاضها (170 ألف رجل)، لم يكن يدري أن أرقام تقريره غير مضبوطة، لأن الإحصاء في الحرب على العراق كان ولا يزال عصيا، وأن الذين اعتُبروا قيادات الدولة الإسلامية قد قضوا، لم يكونوا (إن لقوا حتفهم فعلا) سوى "رؤساء" تنظيمات فرعية تصب في التنظيم الأكبر،الذي كان طوْر البناء بداية من 2006 بشكل تدريجي ومحسوب، إلى أن استتبت له كامل الظروف في يونيو 2014، حين تأكد بالملموس أن قيادات كثيرة من الدولة الإسلامية تستولي على منطقة بين العراقوسوريا، أكثر شساعة من مساحة إنجلترا سيرا متأنيا على ظهر فرس، منحوا لتنظيمهم اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، فيما فضل "لوران فابيوس" أن يدعوهم اختصارا ب"داعش"، استلهاما من الحروف الأولى لاسم تنظيمهم، قبل أن يحلو له دعوتهم ب"الذباحين"، خصوصا بعد أن استباح قيادوهذا التنظيم لأنفسهم، في واحدة من جرائمهم المقرفة ذبح أحد الرعايا الأمريكيين وقطع رأسه أمام عدسات الكاميرات، ليبعثوا برسالة دموية إلى العالم، مفادها أنهم قادمون وأن أسطورة الجنرال"راي أودينرو" كانت مجرد حلم. وبالعودة إلى التنظيم، وإلى "الوزيرين الأولين" المساعدين للخليفة أبي بكر البغدادي في سلطته على "إمارتي" سورياوالعراق، فإن رئيس الحكومة في سوريا هو أبو علي الأنباري، وهو رجل ضخم البنية الجسمانية. و"عكس الأمير الأكبر" الخليفة أبوبكر البغدادي فإنه يتميز بلحيته الكثة التي أسْدَلَها و"عفا" عنها لتكون عشوائية وتأخذ من وجهه المكتنز مأخذها، لتجعله سحنة أكثر تجهما وفضاضة، تنم عن الغلظة والوحشية في قراع الخطوب. وينحدر أبو علي الأنباري وزير أول "جهة" سوريا ،أو رئيس حكومتها من الموصل، وقد انخرط في سلك الجيش العراقي لنظام صدام حسين متدرجا في جميع أسلاكه ومراتبه، قبل أن يشغل مرتبة جنرال. ويتصف هذا الجنرال لدى من يعرفونه بالصرامة والشراسة المستمدة من قسوة النظام الذي اشتغل في إطاره، أي النظام العسكري العراقي. ويفضل المقربون منه أن يشبهوه بكلب الحراسة الوفي في رعي القطعان، حيث يتمتع الرجل بالقدرة الكافية على قيادة مجموعات كبيرة من المرؤوسين وجعلهم تحت طاعته، وبالتالي تحت طاعة وقيادة الخليفة.. في سنة 2003 كان أبو علي الأنباري قد فر من الجيش العراقي ليلتحق بصفوف "أنصار الإسلام"، أول وأقدم حركة وتنظيم سلفي في البلاد الذي يتخذ من جبال الشمال الشرقي قاعدة له. تم اعتقاله في 2005 وبعد سنة واحدة، تم إطلاق سراحه، لينخرط مباشرة في الدولة الإسلامية عند بداية تأسيسها في أكتوبر 2006. الجنرال أبو علي الأنباري يتحمل مسؤولية قيادة منطقة سوريا ويملك السلطة الكاملة داخل كل المدن والقرى التي تدخل في حوزتها، ويحكم المنطقة عبر حكومة تتكون من عدة وزارات إن لم تكن أهم الوزارات، وهي وزارات الجيش والمالية والعدل والاستخبارات والإدارة العمومية وفروع من وزارات أخرى لا تقل أهمية كالتعليم والصحة. أما الأقاليم والجهات العراقية التي تسيطر عليها "داعش" في الجزء الثاني من "دولتها" بالعراق فترزح تحت سلطة وزير أول آخر، لا يقل أهمية من حيث الشراسة والصرامة والقسوة المتمثلة في أبو علي الأنباري. ويتعلق الأمر بأبو مسلم التركماني الذي كان ضابطا برتبة (يوتنان كولونيل) في جهاز المخابرات العراقية بنظام صدام حسين، كما شغل منصبا هاما بالقوات الخاصة للجيش العراقي آنذاك، في إطار فرقة تابعة للحرس الجمهوري العراقي. وحسب مقربين من أبو مسلم التركماني، فإنه يعتبر من آخر الملتحقين بالإسلام المتطرف والراديكالي، وذلك بعد الاجتياح الأمريكي "الفاحش" للعراق، وبعد لقاءاته المتكررة مع أقطاب المذهب السني الذي كان ينتمي إليه. إلى حدود 2001، كان أبو مسلم التركماني ضمن المسؤولين الكبار للنظام العراقي السابق، كما كان مستفيدا منه بحكم السلطة والجبروت اللذين كان يستمدهما كل ضباط صدام حسين من النظام نفسه ومن حزب البعث، حيث كان الرجل محبا للترف، مغاليا في المجون المقرون بعالم النساء و"الفسق"، وهي حياة كان لابد له من أن يمحو أثرها بالانخراط الأعمى في التطرف،بعد مجيء العهد العراقي الجديد. ويعتبر أبو مسلم التركماني حديث العهد بالمسؤولية التي أنيطت به كوزير أول على العراق، أو رئيس حكومتها، ذلك أنه لم يتسلم مشعل هذه المسؤولية إلا في يونيو 2014، خلفا لسلفه أبو عبد الرحمان البيلاوي الذي قضى نحبه في نفس الشهر خلال عملية عسكرية تمشيطية للجيش النظامي العراقي. واعتبر مقتل أبو عبد الرحمان البيلاوي ربحا كبيرا للولايات المتحدةالأمريكية، حيث تمكن جهاز مخابراتها من حجز عدد لا يستهان به من الوثائق المعلوماتية التي تطوي على الأهم من المعطيات التي حصل عليها الغرب، ويستعملها اليوم في الحرب على الدولة الإسلامية، ويقيّم من خلالها التهديدات الموجهة من طرف هذه الدولة ، لكن ذلك يبقى غير كافٍ لتحقيق أي انتصار في هذه الحرب، ما دام غياب المعلومات الحقيقية على أرض الواقع هو السمة الطاغية، الشيء الذي يفسره عدم الجدوى من الضربات الجوية التي تنفذها القوات الأمريكية على الدولة الإسلامية من دون أن تصيب أهدافها. الغريب في أمر الوزيرين الأولين في الدولة الإسلامية التي يحكمها الخليفة أبو بكر البغدادي ويساعدانه في حكمها أنهما رجلان من مؤسسة جيش نظام صدام حسين، وكلاهما قاد بامتياز حملات قمعية وحشية ضد الحركات الإسلامية العراقية، والأغرب هو أن الخليفة يضع ثقته العمياء في رجلين قاوماه واضطهداه بلا هوادة إلى أن دخلت القوات الأمريكية أرض العراق في 2003.