استَحرّ القتل والغدر والدمار في ليبيا أكثر من ذي قبل، ولبس الإرهاب عباءةً تاريخية، وتخفّى وراء لحية دينية، واعتمد أساطير الأولين المستمدة من تراث كاذب، ومن روايات موضوعة.. لقد سُمِّيت فيالق الموت والغدر، واستباحة الأعراض، وإفساد الحرث والنسل، بأسماء صحابة لم يوجدوا قط، ولم يولَدوا بعد، وأعني بذلك فيلق "القَعْقاع بن عَمرو التميمي" الذي يعيث في ليبيا فسادا، بحيث قتل العشرات في بنغازي وطرابلس وغيرهما من ليبيا عمر المختار رحمه الله.. ومعلوم أن الأساطير، والترهات، والخرافات، غالبا ما تكون هي الأصل في دمار الأمم، وتخلُّف الشعوب كما يخبرنا التاريخ.. لقد كانت الأسطورة الكاذبة هي السبب في انهيار ودمار حضارة "الأزتيك" في المكسيك سنة 1511 على يد الفاتح "هرناندو كورتيس" إذ إن أساطير الأزتيك كانت تقول إن إلاههم سوف يعود، طويل القامة، أبيض، طويل اللحية، ولذلك اعتقدوا أن (كورتيس) هو هذا الإلاه، فكانت مقاومتهم له ضئيلة، فقتل زعيمَهم، وأخضعهم بسهولة وقد كانت جيوشهم تعدّ بمئات الألوف، فيما كان جنود (كورتيس ) (553) مقاتلا فقط، ومع ذلك نالوا أرضا، وعبيدا وأحجارا كريمة، ومعادن ثمينة، وبلغة المغاربة أقول لكورتيس ورجاله: "بصحّتكم" فأنتم أولى من أمة الأساطير، والخرافات، والخزعبلات؛ أنتم أهل عقل ومنطق وعلم، ولستم أهل روايات كاذبة، ومعتقدات مفبركة، "براڤو"! في سنة 2003، وغداة موجة الإرهاب التي عرفتها بلادنا، بعث أحد المازحين برسالة إلى إحدى الجرائد ببلادنا، ووقعها باسم "القعْقاع" فنُشرت تلك الرسالة نكاية بالإرهابيين، فاعتُقل مدير الجريدة بسبب "القعقاع" الذي لا وجود له في التاريخ الإسلامي على الإطلاق، وهو ما كان يجهله للأسف الشديد أولئك الذين أمروا باعتقال مدير الجريدة، فكانوا مثلهم مثل الذين يعتقدون بوجود "القعقاع" الوهمي؛ هل هذا معقول؟! فالقعقاع مثله مثل "جيمس بوند: 007" الذي خلقه "أيانْ فليمينغ" للسينما البريطانية؛ والقعقاع هو من صُنْع الوَضّاع "سيف بن عُمر التميمي" الكذاب بإجماع العلماء والمؤرخين، وقد فبرك 150 صحابيا من خياله، وضحك بذلك على ذوي العقول الدنيا، وأتحدّى أن يأتيني معترِض بمرجع واحد يتحدث عن "القعقاع" باستثناء "سيف بن عُمر" الكذاب بالإجماع.. فالذين يأخذون بهذه الرواية الكاذبة هم دعاة الإرهاب الدموي، من أمثال الداعية الكذاب "محمد حسان" في كتابه "الفتنة بين الصحابة"؛ هذا الداعية الذي ادعى أنه كتب سنة 1997 رسالة (ليوسف حداد)، صاحب كتاب "المسيح بلسان عربي فصيح"، فدخل الإسلام على يد "محمد حسان" الكذاب، فيما "يوسف حداد" مات سنة 1978.. وهذا هو أسلوب دعاة الإرهاب الدموي.. والغريب في الأمر، هو أن دولة صرفت الملايين على مسلسل "القعقاع"، ومع ذلك صمت القرضاوي، وترك مسلسل الكذب يشاهَد في رمضان في كل البلاد العربية.. وفي فيلم "القادسية" تسمع الممثل "عزت العلايلي"، وهو الذي تقمص شخصية "سعد بن أبي وقاص" يقول، وهو ينظر لقعقاع يصول ويجول في المعركة: "... لقد صدق أمير المؤمنين؛ لا يُهزَم جيش فيه القعقاع"؛ وبذلك كذبوا على المسلمين، وما زالوا يخدعون الناس بأحاديث مكذوبة، وروايات موضوعة لتبرير الإرهاب، والقتل، والغدر، ويُحشون عقول السذج بالأساطير، والترهات لشرعنة جرائمهم النكراء.. هل هذا معقول؟! هذا مثال واحد من بين مئات الأمثلة لأشياء كاذبة موجودة في ركام التراث، التي توظَّف لتبرير الإرهاب، والغدر، وإذكاء نار الفتنة، والسؤال المطروح هو: لماذا يصمتون عن هذه الأمور؟ الجواب هو للحيلولة دون العودة لمراجعة هذا التراث، ولمنع الناس من اكتشاف الحقائق، ومن طرح الأسئلة، وهو أمر سيُفسد عليهم العوام من ذوي العقول الدنيا.. يسكتون لأن لهم مصلحة في جهل الناس بهذه الأمور الخطيرة، لأن أزمة العقل العربي عامة هي استثمار مربح لشيوخ الإرهاب الدموي.. فمادام هناك مغفلون، يصدّقون أسطورة "القعقاع" فالإرهابيون بخير، والأمة تنحو نحو الدمار بخطى ثابتة...