يشهد المغرب منذ شهور منافسة حادة على سوق الشغل الخاص بالخادمات، ودخل كثير من الوسطاء على الخط للاستحواذ على هذه السوق التي بدأت في التنوع في غياب قوانين منظمة، وفي غياب أية إحصائيات رسمية عن عدد الخادمات الأجنبيات المتواجدات في المغرب، فلم يعد الأمر يقتصر على خادمات يربطن رؤوسهن بمناديل رخيصة تدل على وضعهن الاجتماعي، بل أصبحت الخادمة ترمز إلى الانتماء الطبقي، ووسيلة من وسائل التباهي بين الأوساط الراقية، التي تغير منظورها للخادمة، التي أصبحت تخضع ليس فقط لمنطق العرض والطلب، ولكن لأوصاف أخرى تدل على رغبة العائلات الثرية في تحقيق رغد العيش، لذلك تلجأ هذه العائلات إلى استيراد الخادمات الآسيويات، بل إن الموجة همت حتى الإسبانيات اللواتي قررن في عز الأزمة الاقتصادية التي تضرب بلادهن التحول نحو المغرب، للخدمة في بيوت الأثرياء خاصة في مدن الشمال. عوامل عديدة تتحكم في الظاهرة التي غزت أغلب الإقامات الراقية منها التفاخر والتميز الطبقي والاقتصادي، والأهم من ذلك وجود فراغ تشريعي، فيما يتعلق باستقدام العمالة الأجنبية إلى المغرب. وشهدت في السنوات الأخيرة سوق الخادمات الآسيويات، خاصة منهن الفلبينيات والسريلانكيات، وكذلك الإفريقيات نموا ملحوظا خاصة في المدن الكبرى مثل الرباط والدارالبيضاء ومراكش وفاس وطنجة، كما اتسع نشاط وسطاء ووكالات التشغيل التي تنشط في مجال تشغيل الخادمات بمواصفات الجودة، إذ لم تتعد المواصفات تقتصر على المعرفة بشؤون البيت، بل لابد أن تكون الخادمة ملمة باللغات، ولها معرفة بالتكنولوجيا الحديثة وبطرق تربية الأطفال، وغيرها من المواصفات التي تليق بخادمة في بيوت الأثرياء. وفي غياب التكوين المهني الذي يضمن كرامة عاملات البيوت تبقى كل القوانين التشريعية غير مكتملة بل وناقصة، خصوصا أن خادمة البيوت تحمل صفة قدحية ومنبوذة على مستوى المجتمع المغربي. عاملات البيوت : تغيرت الصفة وظل الواقع على حاله كان على الجمعيات النسائية والحقوقية انتظار أكثر من ست سنوات، قبل أن يخرج قانون منع تشغيل الخادمات دون سن15 سنة إلى حيز الوجود، وهو القانون الذي صادقت عليه حكومة عباس الفاسي قبل أن تغادر سفينة تدبير الشأن العام، وتنص المادة الرابعة من مدونة الشغل التي صدرت سنة 2006 على أنه "يحدد قانون خاص شروط التشغيل والشغل المتعلقة بخدم البيوت الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت"، ومنذ ذلك التاريخ تواصلت نضالات الجمعيات الحقوقية لإخراج هذا القانون الذي أقر بمنع تشغيل الخادمات القاصرات، وذهب إلى حد تجريم الفعل، وبعد مرور أكثر من ستة أشهر على دخول هذا القانون حيز التطبيق تشير الإحصائيات إلى أن "عاملات البيوت" لم تتغير وضعيتهن على الإطلاق، إذ أنهن محرومات من أبسط حقوق الشغل مثل الضمان الاجتماعي وساعات العمل القانونية، والعطلة الأسبوعية أو السنوية والتعويض عن المرض والإصابة وغيرها من الحقوق التي يكفلها القانون، وهو ما يطرح السؤال حول مصير هذا القانون والجدوى منه؟ وترى العديد من الجمعيات أن الوضع يزداد سوءا حين يتعلق الأمر بتشغيل طفلات صغيرات يتم استقدامهن غالبا من أوساط اجتماعية فقيرة، ومن القرى البعيدة ليتحولن إلى قائمات على شؤون البيت، يهيئن كل متطلبات الأسرة، وكان الائتلاف الجمعوي من أجل حظر تشغيل الطفلات كخادمات في البيوت أكد في تقرير نشره في ماي الماضي أن عدد القاصرات اللاواتي تشتغلن كخادمات في المنازل بالمغرب يبلغ 30 ألف طفلة. في المقابل ليست هناك إحصائيات رسمية بخصوص عدد الخادمات في البيوت سواء بشكل رسمي أو مؤقت، وتشير الجمعيات المهتمة إلى أن العدد غير متوفر نظرا لغياب ظروف إحصاء هذه العينة من العمال، خصوصا أن أغلب الأسر لا تصرح بالخدمات وتفضل العمل في "النوار"، لكن معطيات غير مؤكدة تشير إلى وجود أكثر من 150 ألف خادمة في البيوت، وما يقارب 50 ألفا تعملن في الموقف، مقابل أجر يومي متعارف عليه. الآسيويات ينافسن بشراسة في سوق الخادمات منذ سنة 2007 برزت ظاهرة استيراد الخادمات، وخاصة الفلبينيات اللواتي يتم تشغليهن في البيوت واستغلالهن كوسيلة للتباهي بين الأسر الثرية، مقابل أجور لا تتعدى 3000 درهم كحد أقصى، وتنامى حضور الأسيويات إلى المغرب تزامنا مع اكتساح السلع الصينية والآسيوية للأسواق المغربية، حيث بدأ التجار الصينيون يستقدمون إلى جانب السلع نساء يتم استغلالهن في تجارة الرقيق، وانتشرت في المغرب مافيات متخصصة في استقدام النساء للعمل كخادمات مقابل عمولات تختلف من حالة إلى أخرى، وقالت مصادر مطلعة إن كثيرا من العاملات الأسيويات اضطررن إلى البقاء في المغرب كخادمات بسبب ظروفهن المادية، قبل أن تتحول الظاهرة إلى ترف اجتماعي، ونوع من أنواع التباهي، في المقابل شهدت السنتين الأخيرتين توافد أعداد مهمة من العاملات الإفريقيات اللواتي قررن ولوج مجال الخدمة تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة، وتعمل الخادمات الإفريقيات في كل شؤون البيت مقابل أجر لا يتعدى 1500 درهم وفق ما تداولته مصادر جمعوية، إلى جانب المسكن والمبيت، وتتشابه ظروف الإفريقيات مع ظروف الخادمات المغربيات، خاصة فيما يتعلق بتدني الأجر الشهري وغياب أبسط شروط العمل، وقالت المصادر إن العلاقة بين المشغل والخادمة تتم غالبا من خلال وسيط يرتبط بشبكات دولية توفر النماذج المطلوبة، موضحة أن بعض الأسر المغربية ومن أجل تجاوز إشكالية اللغة تفضل خادمات يتكلمن اللغة الفرنسية والإنجليزية حيث يتم استقبالهن من طرف الوسيط قبل التحاقهن للعمل كخادمات أو مربيات، وأوضحت المصادر أن الظاهرة تحولت إلى تجارة مربحة بعد ارتفاع الطلب بشكل كبير على الخادمات الفلبينيات وتحولهن إلى وسيلة للتباهي بين بعض الأسر، حيث أصبح التوفر على خادمة من جنسية فلبينة علامة على الجاه والثراء، مع أن شروط اشتغال هذه الخادمة لا تختلف عن شروط اشتغال باقي العاملات في القطاع بما فيهم المغربيات، باستثناء المقابل المادي الذي يكون مرتفعا نسبيا. وقالت المصادر إن الأمر يتعلق بشبكات منظمة تعمل ما بين المغرب والفلبين وتتولى هذه الشبكة جميع إجراءات السفر إلى جانب التكفل بتحويل جزء من هذه المبالغ إلى أسر الخادمات في الفلبين، ويحصل هؤلاء الوسطاء على عمولات تتراوح بين 5 آلاف درهم و10 آلاف درهم تضاف إليها مصاريف الطائرة. وتشتغل الخادمات الآسيويات، أو حتى الوافدات من بلدان جنوب أو وسط إفريقيا، لدى العديد من الأسر الغنية في المغرب وفق عقود عمل في الغالب تكون مريحة ماديا للخادمات أنفسهن، فالخادمة الأجنبية تحصل على أجر يضاعف عدة مرات ما تتقاضاه الخادمة المحلية، فضلا عن امتيازات أخرى تجعلها تفضل العمل في المغرب على الاشتغال كخادمة في بلدان عربية مماثلة. ووفق إحصائيات خاصة تحصل الخادمة الآسيوية على راتب شهري يتراوح بين 3 آلاف درهم و5 آلاف درهم، ويزيد من قيمته حين يتم تحويله إلى العملة المحلية للبلاد الأصلية التي جاءت منها الخادمة الأجنبية، خاصة إن كانت من إفريقيا مثل السنيغال أو مالي وغيرهما، وبالتالي فإن هذه الخادمة تفضل التواجد لدى أسرة مغربية تعطيها هذا الأجر على أن تشتغل في بلد عربي آخر، حيث الرواتب متدنية في أغلب الأحوال، كما تحصل الخادمة الآسيوية على عطلة أسبوعية وسنوية أيضا، مثل باقي العاملين في القطاع الخاص، فهي في الأصل بحكم مجيئها من بلاد بعيدة لا تقبل بأقل من هذه الشروط، التي يتم في بعض الحالات المصادقة عليها عبر عقد مكتوب، لكن في غالبية الحالات يكون العقد شفويا بين الخادمة الأجنبية والعائلة المشغلة لها، مما يطرح أحيانا تعقيدات وتداعيات اجتماعية وقانونية حين تتوتر العلاقات بين الطرفين. قانون لحماية القاصرات نص القانون المنظم لعمل الخادمات، على منع تشغيل أطفال أقل من 15 سنة، وفرض موافقة خطية من ولي الأمر لتشغيل الطفلات ما بين 15 و18 سنة، كما نص القانون، على الرفع من قيمة الأجور، إلى نسبة 50 في المائة من الحد الأدنى للأجور المطبق في القطاع الخاص، كأجر مستحق للعاملين في البيوت، كما منحهم الحق في العطل الأسبوعية والسنوية وأيام الأعياد الوطنية والدينية، وكذلك في حالة وفاة الأقارب، وبالمقابل حدد عقوبات وغرامات تتراوح ما بين 25.000 درهم و30.000 درهم، على كل رب عمل أخل في تطبيق هذا القانون، فيما يعاقب الوسطاء والسماسرة بالعقوبة السجنية، من شهر إلى 3 أشهر في حالة التكرار. وكانت حكومة عباس الفاسي صادقت في أكتوبر الماضي، على مشروع قانون يمنع تشغيل عمال منزليين إذا كانت أعمارهم تقل عن 15 عاما، ويقر العقوبة نفسها المقررة في مدونة الشغل في حالة تشغيل الأطفال أقل من 15 عاما، وكذا عقوبة زجرية على الأشخاص الذين يتوسطون، بصفة اعتيادية، في تشغيل العمال المنزليين، وتميز مشروع القانون باستبدال تسمية "خدم البيوت" ب "العمال المنزليين" تكريسا لمفهوم العمل اللائق. ويعرف مشروع القانون مفهوم العامل المنزلي بأنه هو "كل شخص يقوم بشكل مستمر مقابل أجر بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت كالتنظيف والطبخ وتربية الأطفال أو العناية بفرد من أفراد البيت أو سياقة السيارة لأغراض البيت أو إنجاز أعمال البستنة أو الحراسة". ويمنع مشروع القانون تشغيل الأفراد ما دون سن 15 سنة، بينما يضع شروطا بالنسبة لتشغيل الأفراد ما بين 15 و18 سنة تتمثل في ضرورة الحصول على رخصة مكتوبة من الأبوين أو ولي الأمر شريطة عدم تشغيلهم في الأشغال الشاقة، فضلا عن منحه مفتش الشغل صلاحيات إجراء محاولات الصلح بين المشغل والعامل المنزلي والتنصيص على آلية المراقبة والعقوبات في حالة خرق مقتضيات هذا القانون. كما ينظم الراحة الأسبوعية والعطلة السنوية وأيام الأعياد الوطنية والدينية، وكذا أيام العطل المرتبطة على الخصوص بحالات وفاة أحد الأقارب، فضلا عن الأجرة التي يتلقاها العامل المنزلي مقابل العمل الذي يقدمه لصاحب البيت. غياب التكوين يزيد من صعوبة الأوضاع طالبت جمعيات مدنية وحقوقية بإعادة الاعتبار لخادمات البيوت، وتقنين المهنة لتصبح مهنة كغيرها من المهن المحترمة، وقالت مصادر مهتمة، إن الجهل والأمية تتسببان في كثير من الأحيان في وقوع حوادث خطيرة، يذهب ضحيتها الخادمات، وبعض أفراد أسرة المشغل على حد سواء، واستغربت المصادر ذاتها استمرار احتقار هذه المهنة، حيث غالبا ما يتم تقديم خادمات البيوت على أنهن نساء فقيرات وأميات لا يتقن سوى "ضريب الكرفي" على حد تعبير ناشطات جمعويات، أكدن أن صورة الخادمة في المغرب لم تتغير كثيرا ومازالت تضع على رأسها منديلا يميزها عن باقي أفراد الأسرة، وتستيقظ في السادسة صباحا لتحضير وجبة الفطور ومساعدة أطفال المشغل على الذهاب إلى المدرسة، موضحات أن بعض الخادمات يتجاوز عملهن البيت إلى القيام بأعمال أخرى خارج البيت، كما أن بعضهن يعملن أيضا مربيات أطفال في غياب الحد الأدنى من الشروط الخاصة بهذه المهمة، وأبرزت أن بعض الأسر تعمل على توفير مبالغ مهمة من خلال تحميل الخادمة أعباء إضافية، مما يساهم في تكريس وضعية الذل والمهانة. واقترحت مصادر مهتمة إحداث تخصصات على مستوى التكوين المهني خاصة بالخدمة في البيوت، وذلك وفق شروط يتم تحديدها لاحقا، موضحة أن العمل في البيوت يجب أن يكون مقننا خصوصا أنه يعتبر سوقا مهمة، ويوفر العمل لعشرات الآلاف من الخادمات، وطالبت المصادر من الدولة فرض قوانين جديدة للعمل في البيوت، موضحة أن التوفر على مؤهل مهني يمكن أن يساهم في تجاوز العقلية الحالية التي تضع الخادمات في مستويات أدنى جدا، وغالبا ما يتناولون ما يتبقى من الأكل، وضع قالت ناشطات حقوقيات إنه قريب من وضعية بعض أنواع الحيوانات التي تربيها العائلات الثرية، التي تعتبر الخادمة جزء من متاع البيت، وليس عاملة لها حقوق وواجبات.