"طوال السنوات التي قضيتها في الكتابة ودراسة ظاهرة الخوف من الإسلام “الإسلاموفوبيا”، طالما أزعجتني تلك العبارة ( المسلمين المعتدلين ) ، فالمسلمون وغير المسلمين على حد سواء مطلوب منهم الاعتدال، ولكن عادة ما يطالَب المسلمون وحدهم بأن يثبتوا أنهم كذلك" : ناثان لين، مدير الأبحاث في مركز جامعة جورجتاون للتفاهم المسيحي الإسلامي . لن يجد المراقب المحايد للوضع العربي الكئيب أية صعوبة كي يستنتج أن الإسلام السياسي المعتدل حجرة حادة في حذاء أدعياء الليبرالية و الديمقراطية و العلمانية و الحداثة ... داخل المغرب و في الدول العربية الأخرى ، لأنهم يدركون تمام الإدراك أنهم لم يتمكنوا من إنجاز تجربة سياسية ديمقراطية بحصر المعنى ، طيلة ستين سنة من "استقلال" البلدان العربية ، و لم يتمكنوا من تفتيت البنية التحتية لأخطبوط الفساد ، و لا هم استطاعوا زلزلة قلاع الاستبداد أو تجسيد عمل وحدوي عربي ملموس ؛ سياسيا أو اقتصاديا أوعسكريا .. لا بل إنهم عجزوا تام العجز على تأطير الشعوب العربية تأطيرا سياسيا سليما ، و استنبات الممارسة الديمقراطية الراقية ؛ القائمة على التعددية الحزبية الصادقة ، و التنافس الحضاري على السلطة ، عبر انتخابات دورية نظيفة ، و تداول سلمي على الحكم ، و تشبيب الأحزاب و جعلها مواكبة للمستجدات الوطنية و الإقليمية و الدولية ، و تجديد زعاماتها باستمرار و نشر قيم العقلانية و الحداثية الملموسة .. و لما لفظهم الشعب و أزاحهم عبر استحقاقات ديمقراطية سليمة نسبيا في سياق "الربيع العربي " المغدور ! كان من المنتظر أن يلجأ الراسبون في امتحان الديمقراطية إلى انتهاج الطرق غير الشريفة ، أقلها السعي إلى تشويه الأحزاب الإسلامية المعتدلة و تسفيه خطاباتها و الحكم المسبق على نواياها ، و اتهامها بالفشل و ضعف التجربة و التطرف و "الإرهاب" ، مع إقرارنا بأن الأحزاب الإسلامية السياسية التي وصلت إلى " الحكم " في عدد من الحكومات العربية ، عبر سلسلة من الاستحقاقات الديمقراطية الحرة تشكو فعلا من نقص في الدهاء السياسي ، و تجربة التسيير الفعلي لعدد غير قليل من الملفات و القضايا المجتمعية الهامة ، و كان من المفترض إن تتقبل الهيئات السياسية التقليدية هذا الوافد الجديد ، و أن تحتضنه و تمنحه مرحلة زمنية من السلم الاجتماعي و السياسي ، مع انتقاده الموضوعي النابع من مبدإ الوطنية الصادقة ، لأن نجاح أية حكومة هو نجاح البلد برمته ، بيد أن أصحاب الهيئات المدنية كانوا أول من يرفض قيم الاختلاف و التعددية و القبول بالآخر ، أي أنهم يكفرون بالديمقراطية كفرا ، و يرفضون اختيارات الشعب رفضا ، و ينقلبون على الشرعية انقلابا و يدوسون على قيم الحداثة و العقلانية دوسا ... إنه الاستبداد عينه هذا الذي يصدر عن أغلب رافعي يافطات الليبرالية في وطننا العربي الجريح . إن الإسلام السياسي المعتدل ، و الذي قبل بالقواعد الديمقراطية ، و احترام القيم و المبادئ و المواثيق الدولية المتعارف عليها كونيا ، و العمل من داخل المؤسسات بهدف الإصلاح المرحلي ، إلى جانب هيئات سياسية ليبرالية وطنية حقيقية ، أعظم وسيلة لتنقية المجتمعات العربية مما أصابها من أمراض الفساد و الاستبداد طيلة عقود من القمع و الإقصاء والفساد و الاستبداد "العلماني" ، دون أن نعني بذلك أن الإسلام السياسي منزه عن الأخطاء و الزلات الكبرى . ولكن ما الأفضل : العمل على خلق فضاء سياسي سليم تشارك فيه كل أطياف المجتمع و تياراته العلمانية و القومية و الاشتراكية و الإسلامية ... و العمل يدا في يد من أجل بناء وطن ميسمه الديمقراطية و الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية التي طالما نادى بها شباب الربيع العربي ، و التنمية الشاملة و الرقي الحضاري ، أم انتظار طوفان "الدواعش" و الاقتتال الداخلي الرهيب و الطوفان الذي لا يبقي و لا يذر ؟؟