أكد وزير المال والاقتصاد المغربي نزار بركة أن الأزمة الاقتصادية في منطقة اليورو، واستمرار ارتفاع أسعار الطاقة في السوق الدولية لا يزالان يلقيان ظلالهما على الاقتصاد المغربي الذي بدأ يتعافى تدريجاً من تداعيات «الربيع العربي»، على رغم الصعوبات المالية أمام الخزينة العامة التي تعاني عجزاً يقدر بسبعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وتعمل الحكومة على خفضه إلى 4.8 في المئة بحلول نهاية العام. وقال بركة ل «الحياة»: «تجاوزنا المرحلة الصعبة التي ارتبطت بضعف النمو الذي انخفض إلى 2.7 في المئة (من أصل خمسة في المئة في المعدل) وارتفاع عجز الموازنة الذي كان سيقارب تسعة في المئة من الناتج، لولا الإجراءات التقشفية التي جرى اعتمادها العام الماضي ومكنت من توفير بليوني دولار من النفقات العامة». وتوقع أن يحقق الاقتصاد المحلي نمواً يزيد على خمسة في المئة هذا العام، وتحسناً في الموارد من العملات الصعبة، وتراجعاً في عجز ميزان المدفوعات الخارجية الذي بلغ 199 بليون درهم (23.8 بليون دولار) بسبب ارتفاع وتيرة الواردات ومنها الطاقة والقمح التي تجاوزت مشترياتها أكثر من 100 بليون درهم. وُيراهن المغرب على صادرات الفوسفات والملابس والسيارات والإلكترونيات وقطع غيار الطائرات والأسماك والحمضيات لتقليص العجز التجاري الخارجي، لكن تلك الصادرات تصطدم بضعف الطلب في الأسواق الأوروبية التي تراجع فيها النمو إلى -0.4 في المئة في وقت ارتفعت واردات الرباط من المواد الأولية، خصوصاً الطاقة والقمح اللين. وقال بركة إن واردات الطاقة زادت نحو 16 في المئة في القيمة و10 في المئة في الحجم، وباتت تنهك الموارد المتاحة من العملة الصعبة التي انخفضت إلى أربعة أشهر من الواردات، كما أن تقلب أسعار الصرف يزيد في الأعباء المالية، إذ خسر المغرب بليون دولار من انخفاض الدرهم أمام الدولار. في وقت تراجعت فيه عائدات السياحة 1.5 في المئة وتحويلات المغتربين 3.9 في المئة، ولم تعد تغطي سوى 58 في المئة من عجز الميزان التجاري المقدر 8.6 في المئة من الناتج. وقال الوزير: «زادت أسعار النفط من 62 دولاراً للبرميل عام 2009 إلى 112 دولاراً عام 2012 وغاز البوتان من 490 دولاراً للطن إلى 890 دولاراً والقمح من 190 دولاراً للطن إلى 336 دولاراً ما انعكس سلباً على نفقات صندوق المقاصة لدعم الأسعار الأساس فتجاوزت ستة بلايين دولار العام الماضي، وهي نسبة لا يمكن للاقتصاد المحلي تحملها». رفع أسعار المحروقات ولفت إلى أن الحكومة قد تعمد في وقت لاحق إلى رفع أسعار المحروقات كما فعلت العام الماضي في حال قاربت أسعار النفط سقف 120 دولاراً للبرميل. وكانت الحكومة حددت سعر البرميل ب 105 دولارات، ورصدت 40 بليون درهم لدعم الأسعار على أن يتحمل المستهلكون قرابة 10 بلايين درهم من الكلفة في حال ارتفعت الأسعار الدولية. وأضاف: «لن نعمد إلى اعتماد الأسعار الحقيقية للطاقة في السوق الدولية، لكن الحكومة تفكر في رفع أسعار المحروقات إذا تجاوزت كلفة دعم الأسعار سقف 44 بليون درهم» وهي إشارة ضمنية إلى أن الأسعار في المغرب تتجه نحو الارتفاع من ضمن صيغ مختلفة لإصلاح صندوق المقاصة الذي قال عنه الوزير إنه «لا يستطيع مجاراة أسعار الطاقة إلى ما لا نهاية لأن ذلك يأتي على حساب التنمية والاستثمار وفرص العمل للشباب، ولا يمكن للاقتصاد المغربي أن ينفق سبعة بلايين دولار لدعم الأسعار فهذا عمل غير منطقي ويحد من وتيرة النمو وخلق الثروات». ولم يخف الوزير نزار بركة رهان الاقتصاد المغربي على الدعم الخليجي في إطار اتفاق التعاون الاستراتيجي الذي يسمح للمملكة بتلقي دعم مالي ُقدر بخمسة بلايين دولار على مدى خمس سنوات، وقال: «الأشقاء الخليجيون في السعودية والإمارات والكويت وقطر وعدونا بمنح 1.250 بليون دولار عن كل دولة قد تدفعها دفعة واحدة أو على مراحل وهي مشروطة بتمويل عدد من المشاريع الاقتصادية في مجالات كثيرة، ونحن ننتظر الدفعات الأولى من هذا الدعم». وباشرت اللجان الفنية الإجراءات المواكبة لعمليات التمويل التي ستساعد المغرب في التغلب على بعض صعوبات شح العملة الصعبة التي تراجعت إلى نحو 16 بليون دولار (من 140 بليون دولار). وباشرت الرباط اتصالات مع شركات خليجية لتسويق سلع مغربية في أسواق دول الخليج العربي بعد الصعوبات التي بدأت تواجه تلك الصادرات في الأسواق الأوروبية. ونفى الوزير وجود أي علاقة بين الدعم الخليجي وخطط خليجية لشراء حصص في شركات مغربية.