تتميز العلاقات المغربية الإسبانية بتشابكها, بحدتها و بامتدادها في الزمان و المكان, و هي علاقة جوار صعب تعيش دوما فترات من المد و الجزر, نظرا لاعتبارات عديدة منها ما يهم تقاطع المصالح بين البلدين في العديد من القضايا الاستراتيجية مثل الصيد البحري, الصادرات الفلاحية, الهجرة.... و منها ما يهم اللون السياسي للحزب الحاكم في إسبانيا, و الذي يحدد بدرجة كبيرة مقدار الانسجام أو التوتر الذي سيحكم هذه العلاقات , و منها ما يهم موقف إسبانيا من قضية الصحراء المغربية و ملف سبتة و مليلية, كما أن التاريخ المشترك بين البلدين بكل ما ينتجه من أحكام مسبقة و جاهزة و صور نمطية عن الاخر, يلقي بظلاله الكثيفة على هذه العلاقات العريقة. و يعد موضوع الهجرة, من بين الملفات الشائكة و المهمة التي تطبع العلاقات المغربية الإسبانية بحكم القرب الجغرافي بين البلدين, و الذي يجد ترجمته في كون الجالية المغربية تعد ثاني أكبر جالية أجنبية في إسبانيا, كما أن موقع المغرب الاستراتيجي جعله يتحول إلى ممر و منطقة عبور للمهاجرين الأفارقة لمعانقة الحلم الأوربي, و من جهة أخرى, يكتسي موضوع الهجرة بالنسبة للمغرب أهمية اقتصادية و اجتماعية قصوى نظرا لأن تحويلات العمال المهاجرين تعد المصدر الأساسي للعملة الصعبة, كما أنها تخفف الضغط على سوق العمل المغربي الغير قادر على استيعاب كل طالبي العمل. و يحاول هذا المقال تتبع و رصد أهم المعالم الرئيسية لهذا الموضوع الشائك و كيف تم التعامل معه من طرف الحكومات الإسبانية المتوالية على اختلاف ألوانها السياسية و مرجعياتها الإيديولوجية, و الحال هنا يهم تعامل الحزبين الكبيرين, الاشتراكي العمالي و الشعبي اليميني, مع هذا الموضوع, و ما مدى تأثير هذا التعامل سلبا أو إيجابا على العلاقات المغربية الإسبانية. جدير بالذكر, أن طرح إشكالية الهجرة في إطار العلاقات المغربية الإسبانية لم يتم إلا بعد انضمام إسبانيا للاتحاد الأوربي سنة 1986 و تحوله تدريجيا إلى بلد استقبال لليد العاملة المهاجرة و خاصة المغربية منها, بعد أن كان بلدا مصدرا لليد العاملة, خاصة نحو بعض الدول الأوربية مثل ألمانيا و كذلك أمريكا الجنوبية, و أهم ما ميز موجة الهجرة نحو إسبانيا, و خاصة في بداياتها الأولى منذ النصف الثاني من عقد الثمانينات و حتى أوائل التسعينات من القرن الماضي, كونها في الغالب هجرة حديثة العهد, حيث أن العمال المغاربة كانوا يفضلون دول أوربية أخرى مثل فرنسا, ألمانيا, هولندا... كما أنها أخدت طابع السرية, خاصة بعد فرض إسبانيا سنة1991 تأشيرة الدخول لكل الأجانب خارج الاتحاد الاوربي. و قد كان التعاطي مع موضوع الهجرة في تلك الفترة و التي صادفت حكم الحزب الاشتراكي العمالي, في إطار مقاربة جديدة للعلاقات المغربية الإسبانية, حيث احتلت المنطقة المغاربية عامة و المغرب خاصة, صدارة السياسة الخارجية الإسبانية كمجال حيوي و استراتيجي, يمكن إسبانيا من تعزيز وجودها في خارطة العلاقات الدولية, عبر تطوير سياسة خارجية مع المغرب قائمة على المصالح المشتركة, و التي كان من بين أهدافها تشجيع الشركات الإسبانية على الاستثمار في المغرب و كذلك فتح قنوات للحوار بين مدريد و الرباط, في إطار رؤية استراتيجية تربط استقرار و أمن إسبانيا باستقرار و أمن الجار الجنوبي, و قد كان من نتائج هذه المقاربة التوقيع سنة 1991 على معاهدة الصداقة و حسن الجوار بين البلدين الجارين, و ذلك في إطار متغيرات عالمية متسارعة بعد سقوط جدار برلين و إعادة قراءة العلاقات الأورومتوسطية على أسس و قواعد جديدة. أما فترة حكم الحزب الشعبي الإسباني ذو التوجه اليميني بزعامة خوصي ماريا أثنار و خصوصا خلال ولايته الأولى, 1996-2000 فقد تميزت بتدهور علاقته الخارجية مع المغرب, حيث أولت الحكومة الإسبانية ظهرها للجار الجنوبي, فيما تميزت هذه الفترة كذلك بتزايد أعداد العمال المغاربة الوافدين بحتا عن حياة أفضل, و شكلت قضية الهجرة في عهد حكم الحزب الشعبي ورقة ضغط على المغرب, أدت في العديد من الأحيان إلى تأزيم العلاقة بين البلدين, حيث استعملت الحكومة الإسبانية اليمينية موضوع الهجرة كفزاعة لجلب الدعم المادي الأوربي, و كذلك لأغراض انتخابية لكسب أصوات الناخبين, و ذلك بربط الهجرة بقضايا الإرهاب و الجريمة, كما دأب المسؤولون الإسبان آنذاك على اتهام المغرب بتشجيعه للهجرة السرية و عدم قدرته على مراقبة حدوده و السيطرة على القوارب التي تنطلق من شواطئه, بل و ذهبت تصريحات بعض المسؤولين الإسبان إلى أبعد من ذلك, حين تم اتهام المغرب بالتواطؤ مع مافيا الهجرة السرية و هو ما أدى إلى أزمة حقيقية بين البلدين وصلت إلى حد سحب السفير المغربي بإسبانيا. أما ولايته الثانية الممتدة بين سنوات 2000-2004, فتميزت بمقاربة أمنية صارمة لإشكالية الهجرة و تغييب المقاربة الاندماجية, و في هذا الصدد نشير إلى تصريحات وزير الداخلية آنذاك, خايمي مايور أوريخا, على خلفية الأحداث العنصرية لبلدة "إليخيدو" جنوبإسبانيا سنة 2000, حيث أعلن أن الهجرة هي المشكل "رقم واحد" بالنسبة للمجتمع الإسباني, و اعتبارا من تلك اللحظة, تحولت الهجرة من ظاهرة اجتماعية إلى مشكلة أمنية بالدرجة الأولى بالنسبة للسلطات الإسبانية, و من مظاهر هذه المقاربة الأمنية لإشكالية الهجرة, تغيير الحزب الشعبي لقانون الهجرة لثلاث مرات, بحيث يتحول هذا القانون إلى سيف مسلط على رقاب المهاجرين, و كذلك توقيف العمل باتفاقية العمالة المغربية الموسمية المبرمة في يوليوز 2001, ومن جهة أخرى, برزت بشكل جلي النوايا الحقيقية للسلطات الإسبانية و التي كانت تريد من المغرب أن يتقمص دور الدركي لحماية شواطئها الجنوبية, و كذلك لمركز استقبال للمهاجرين المطرودين من إسبانيا بغض النظر عن جنسياتهم, بل إن الحزب الشعبي اليميني ذهب أبعد من ذلك, حين اقترح في إطار قمة الاتحاد الأوربي في مدينة إشبيلية سنة 2002, استصدار مشروع أوربي لمعاقبة الدول المصدرة للمهاجرين و التي ترفض استقبال المهاجرين المطرودين. غير أن وصول الحزب الاشتراكي العمالي للحكم سنة 2004, بزعامة خوصي لويس سباطيرو, شكل نقطة تحول في إطار العلاقات المغربية الإسبانية و خاصة تعاطيه مع موضوع الهجرة بنوع من الموضوعية و العقلانية في إطار مقاربة جديدة تقطع مع الرؤية الأمنية للحزب الشعبي, و هو ما ساهم إلى حد كبير في تخفيف حالة الاحتقان الاجتماعي الداخلي التي كان يعيشها المهاجرون و إعادة الثقة إليهم في إمكانية معالجة هذا الموضوع عبر تبني سياسة شمولية تتوخى استيعابهم و إدماجهم في النسيج المجتمعي الإسباني, و من مظاهر هذه المقاربة, إلحاق الحكومة الاشتراكية ملف الهجرة بوزارة العمل و الشؤون الاجتماعية عوض وزارة الداخلية كما كان معمولا به على عهد الحزب الشعبي, تعزيز التعاون مع البلدان المصدرة لليد العاملة, و في هذا الصدد نشير إلى الزيارة التي قام بها للمغرب, وفد إسباني رفيع المستوى خلال شهر يوليوز من سنة 2004, و المكون من كاتبة الدولة في الهجرة و الكاتبة العامة في الهجرة و كذا مدير ديوان كاتبة الدولة المكلفة بقضايا الهجرة, و ذلك للتباحث مع المسؤولين المغاربة حول هذا الموضوع, تماشيا مع رغبة الحكومة الإسبانية في وضع سياسة جديدة لتأطير هذا الملف الشائك فيما أطلق عليه "دبلوماسية الهجرة" في أفق تطوير علاقات البلدين على مختلف الأصعدة و كذلك بلورة برامج للتعاون المشترك و فتح قنوات للحوار البناء , و في هذا الإطار, بذلت الحكومة الاشتراكية جهودا حثيثة على مستوى الاتحاد الاوربي لتخصيص مزيد من المساعدات التقنية و المادية للمغرب لمواجهة مشكل الهجرة السرية, ضمن استراتيجية أوربية مستدامة تتزعمها إسبانيا, لحشد كل الإمكانيات المتاحة لمعالجة هذه الإشكالية . أما في الوقت الراهن, و في ظل حكم الحزب الشعبي , نلاحظ بوادر تعامله القديم/الجديد مع موضوع الهجرة من زاوية تحكمها الرؤية الأمنية و هو ما تعكسه نية هذا الحزب في تعديل قانون الهجرة لجعله أكثر صرامة و تعقيدا, كما أن الزيارة الأخيرة لوزير الداخلية الإسباني للمغرب و التي تهدف إلى تعزيز التعاون الأمني بين البلدين و خاصة في موضوع الهجرة, تؤكد هذا التوجه. ختاما, يتضح جليا أن موضوع الهجرة يعد تحديا كبيرا, بالنسبة للبلدين الجارين, تساهم تداعياته في أحيان عديدة في تأزيم و توثر العلاقة بين الطرفين