عبد الرحيم الخصار أنا حفيد الملك الأمازيغي القديم الذي مات غدرا بطعنة من أيدي الرومان هوايتي أن أضرم النار في الجليد و أبني المصائد لطيور لا تصل الأرض يخطر لي أحيانا أن أخرج سمكة من النهر ثم أعيدها إليه و أقف عكس التيار أنتظر موهما نفسي أني سأصطادها يوما ما يخطر لي أحيانا أن أفتح أقفاصا في السطح و أطلق العصافير التي أفنيت سنوات في رعايتها. أنا حفيد الملك الأمازيغي القديم لا أعرف جملة من لغتي، لا أذكر شيئا عن أسلافي سوى أن جدي كان راعيا في جبال الأطلس يطارد قطعان الأروية وعبر منحدرات اللوز كان يركض بالليل و النهار ناصبا شباكه و فخاخه لطرائد الوادي و الغابة وكباقي النازحين ستقذفه المجاعة إلى السهول ليصلح أواني العرب ويتغزل بامرأة ستغدو يوما ما جدتي. أنا حفيد الملك الأمازيغي القديم لا كتاب يذكر شيئا مما أنتظر كل الكتب تروي دائما عكس الحكاية غير أني حين أنظر إلى وجه جدتي كأنما أنظر إلى وجه امرأة من الهنود الحمر قالت لي فيما مضى : أنت حفيد الجبال فاتجهت إلى الجنوب كما يتجه أركيولوجي إلى صحراء بلا خريطة سألت الشيوخ و العرافين و الرعاة و الحكماء سألت مطاريد الليل و الباحثين عن الدفائن و حفاري الآبار تقفيت آثار السلالة في السفوح و على مقربة من الأفلاج في منعرجات القرى ومشاعاتها في الكهوف و المداشر و المغارات لم أسمع سوى رجع صوتي كهدير ركام من الثلج ينهار خبرتني عجوز تتكئ على عكازة و مئة عام و أكثر أن جدي كان حطابا، لذلك حمل فأسه قبل الرحيل و في حمأة الغضب أسقط شجرة العائلة. أنا حفيد الملك الأمازيغي القديم في داخلي تركض قطعان من الجواميس إلى أن تتعب تتعارك النسور ويتناثر ريشها بين الجبال تعوي ذئاب في أكماتها بيد أن صوتها القاسي لا يجتاز الوجار في الداخل تموت أفكار كثيرة بنيران صديقة والدي ينظر إلى صورة أبيه المعلقة فوق الدولاب وتسقط من شفتيه الكلمات ثقيلة في جوف الليل لم تقطب حاجبيك وتحمل الخنجر و البندقية و لا أحد يطاردنا اليوم؟ لماذا تركت الآخرين وتدحرجت من الجنوب مثلما تتدحرج صخرة من أعالي الجبل وتتفتت على جراف في ضفة الوادي؟ أنا حفيد الملك الأمازيغي القديم لم أرث عن أسلافي سوى نظرتي المرتابة و إحساسي الدائم بأني أمشي على رصيف يرتج و أتكئ على حائط سينهار أمد يدي إلى ظلمة لا نهاية لها و أسبح في مياه غادرة فماذا أفعل فيك أيها العالم و كل أملاكي قلم و ورقة؟ أسهر الليالي أشذب الكلمات أناشد صورا في الألبوم أن ترقص معي و أفتح نافذتي في عز الشتاء على نوافذ مغلقة يركض الناس متلهفين باتجاه الحياة و أنا يجرفني التيار باتجاه حياة أخرى يهتف الناس بأسماء بعضهم كما لو أنهم قديسون و أنا أفضل أن أحيا صامتا على أن أهتف باسم أحد أن أكون أعمى على أن أبصر مواكب العته تمر بزهو أمام بيتي أن أكون أصم على أن أسمع نشازك أيتها الحياة ربما اعتاد أجدادي على الجلوس في أعالي الجبل خوفا من غدر السفوح لذلك أحيا في غرفة على السطح أقرأ كتابا عن شعوب المايا و أسمع أغنية لأحفاد آشور أطيل النظر إلى السماء و ألملم شتات النجوم أجلس مثل بومة على كتف العالم و أخاف أن أسقط فتدهسني أطرافه أخاف أن تجتثني يد ما وتطوح بي إلى سهب سحيق. أنا حفيد الملك الأمازيغي القديم الذي ساد هذه الأرض قبل ألفي عام و الذي لا أملك له صورة على جدار غرفتي فقط أتخيله شبيها برجال الأساطير بصولجان من عاج الفيلة و تاج من الريش و الذهب رأيته مرة في منامي بعمامة رجل كردي ربما أشياء كثيرة تربطني بالأكراد غير أني أتنفس هواء هاته البلاد كما يحلو لي و أدب كسائر الخلق في المنحدرات لكنها رغبة الماء في أن يعرف نبعه قبل أن يجرفه الشلال رغبتي أنا في أن ألتفت إلى الوراء كي أجلو وجهتي لتبدو واضحة مثل صورتي في المرآة. * نشر هذا النص في أنطولوجيا بيروت 39 بالعربية و الانجليزية، ضمن تظاهرة ضمت 39 كاتبا عربيا دون سن الأربعين.