اعتبار السياسة الخارجية المغربية حقلا سياديا يختص به الملك ومحيطه، رغم وجود وزير للخارجية، نظريا، ملحق برئيس الحكومة، ويتحرك وفق برنامج حكومي، جعل السياسة المغربية الخارجية طابوها من أكبرالطابوهات، تتحسس له الجهات المسؤولة، وتتفاعل مع كل كلمة تخص هذا الحقل، خاصة تلك التي تأتي ممن هم خارجه. فعلى الرغم من هذه الكلمات التي حملها بيان وزير الخارجية حول تصريح رئيسه السيد عبد الإله بنكيران (رئيس الحكومة) في حق روسيا، وتدخلها في سوريا الذي أحرج المغرب، والتي جاء فيها: «أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون لمخاطبه أن المملكة المغربية، باعتبارها دولة مسؤولة وذات مصداقية على الساحة الدولية، تحدد مواقفها الديبلوماسية الرسمية على ضوء القيم والمبادئ والمصالح التي تحكم سياستها الخارجية». وأضاف وزير الخارجية: «يأتي اتخاذ هذه المواقف الرسمية عقب تقييم عميق ومسلسل من التفاعل والتثبت بانخراط عدد من الفاعلين والمؤسسات». فلا أحد يعلم حقيقة طريقة اشتغال هذا المجال، ولا كيفية اتخاذ القرارات فيه. فلا هي تعرض على البرلمان للنقاش، ولا هي موضوع نقاش مجتمعي، حتى أصبحت سياسة بلادنا الخارجية لغزا يحتار سياسيونا في كيفية التعامل معه؛ فالتعرض لها يعرض وطنيتهم للمحاسبة والمساءلة، كما أن ردود وزير الخارجية المغربي ببيان ضد كل من رئيس الحكومة والأمين العام لحزب الاستقلال تشير إلى أزمة دبلوماسية داخلية تخص سياسات بلادنا الداخلية والخارجية على حد سواء. أما فترة غياب الحكومة وسكون البرلمان فهي تجعل المتنفذين في الواجهة رغم تسييرهم الأمور من الكواليس. غياب الشفافية في التعاطي مع سياسة بلادنا الخارجية يخلق حالة من الضباب لا تتوضح فيها الحدود ولا هوامش العمل ولا المناورة للفاعلين السياسيين، سواء كانوا في الحكومة أوخارجها أفرادا كانوا أو مؤسسات. في بيان الرد نفسه على رئيس الحكومة نقرأ: «لا يمكن لهذه المواقف الرسمية، بالنظر إلى تعقدها وخطورتها، أن تكون محط ارتجال، أو أن تعبر عن وجهات نظر شخصية». لكن بيانات خارجيتنا نفسها تحمل من الارتجال ورد الفعل وعدم توقع التفاعلات معها والنتائج المترتبة عليها، لتُحيلنا على السؤال عن مدى مأسسة حقل الدبلوماسية المغربية في شموليته؟ عن مدى استعانته (إن وُجدت طبعا) بمراكز الدراسات والبحوث المتخصصة، بالخبراء والمفكرين الاستراتيجيين، بمراكز التفكير والضغط؟ رد حزب الاستقلال اليوم على بيان وزير الخارجية، وإن كانت خلفيته هي المشاورات والمفاوضات الحكومية، قد يحرك ملف السياسة الخارجية المغربية في ما يتعلق بالهامش الذي يسمح لمؤسسات الدولة، برلمانا وحكومة وأحزابا سياسية، بالاشتراك في صياغتها.
إن تركيز السلط في يد واحدة أو في جهاز واحد هو الذي يخلق هذا الارتباك الناتج عن التدخل في حقول مختلفة رغم تداخل آليات حفظ مصالح البلاد والعباد في تدبير شأن الأمة ومصالح الوطن. وحده الفصل بين السلط والعمل المؤسساتي الحقيقي المتجاوز للأشخاص وميولتهم وصراعاتهم اللحظية يكفل قوة الدولة المغربية داخليا، ويضمن حضورها القوي خارجيا، لأن قراراتها سوف تحظى بتمثيليتها لمصالح الشعب والدولة على السواء، كما هو شأن كل الدول الديمقراطية التي تفرض احترامها على العالم من خلال احترامها أولا لإرادة ومصالح شعوبها.