نور الدين عيوش، الفاعل في قطاع الإشهار وعضو المجلس الأعلى للتعليم، مدافع شرس عن تدريس الدارجة بالمدارس، وهو، في هذا الحوار، يتهم زملاءه السياسيين والنقابيين في المجلس بخذلان رئيسه عمر عزيمان بشأن مجانية التعليم، ولذلك يقترح أن يبعد هؤلاء عن المجلس، وأن تعاد هيكلته بشكل كامل. هل تعتقد أن إصدار قاموس الدارجة المغربية من شأنه أن يعزز حملتك من أجل تدريسها للأطفال في المدارس؟ بالطبع، لكن دعني أخبرك بقصة هذا القاموس كي تفهم أن الأمر ليس بسيطا كما يعتقد كثيرون. إن العملية استغرقت مني ومن طاقم رفيع المستوى من الخبراء أربع سنوات كاملة، وكانت خلاصتها عمل غير مسبوق في دول العالم العربي. لقد كنت منسقا لهذه المجهودات، وكانت لدى الخبراء الذين كلفتهم بالمشروع الحرية في العمل. كان اتفاقنا مبنيا على صيغة عامة للقاموس، وهم تكفلوا بالتفاصيل. وهؤلاء الخبراء لديهم صيت مرموق في الوسط العلمي المتخصص في اللغات، وهم يدافعون عن فكرة تدريس الدارجة، ويطرحون 1500 كلمة لعموم الناس في هذا القاموس. إنه أمر ينطوي على قيمة وطنية كبيرة. كم كلف المشروع؟ في الواقع، فإن العمل لكونه يخدم مصلحة وطنية عظيمة، فإن كلفته غير جديرة بالأخذ بعين الاعتبار. لقد طرحنا ألفي نسخة للبيع في السوق، وسيكون سعرها يتراوح بين 100 و150 درهما. سيكون سعرا مقبولا، بالرغم من أن كلفته الحقيقية تصل إلى نحو 600 درهم، ويمكنك أن تضرب هذين الرقمين لتحصل على الحساب التقديري لكلفته الحقيقية (أي 120 مليون سنتيم). ثم إن العمل لم ينته بعد، لأن غنى الدارجة المغربية لا يمكن حصرها في قاموس يتضمن 1500 كلمة فحسب. سنستمر في تحديث القاموس، وسنضع القاموس الحالي على الأنترنت ليتصفحه الناس بشكل مجاني، وسنطلب أي مقترحات لكلمات جديدة، وستجمعها اللجنة العلمية، ثم سنقوم بتجديد القاموس كل 6 أشهر. ومن مول مشروع القاموس؟ في الحقيقة، كان تمويلا من مركز تنمية زاكورة الذي أسسته، وهذه المؤسسة تملك أموالا كثيرة، وسأقول لك إنني بعدما بعت مؤسسة زاكورة للقروض الصغرى لفائدة البنك الشعبي، فقد كان ذلك بسعر جيد ووضعته في حساب لدى البنك، وفوائده لوحدها تمول مشاريع مركز تنمية زاكورة، وقد مولت القاموس من تلك الفوائد التي أتحصل عليها من البنك. ألا تخشى أن تكون كل هذه الأموال التي صرفت على القاموس والجهد البشري المبذول فيه بدون أي مردودية إذا قوبل مشروعكم بمعارضة شديدة؟ بالطبع سيكون هناك معارضون، لكني لا أخشاهم، وعلى كل حال، فإن كلمتهم لا تلقى الصدى خارج دوائر محدودة، لأني أعرف أن شخصيات كبيرة ومؤسسات لديها تأثير هائل مثل اليونسكو لديها المشروع نفسه لتدريس الدارجة. إن الأمر علمي خالص، ولغة الأم كما يقال هي ما يجب أن يبدأ أي طفل في تعلمه. أما أولئك الذين لا يريدون رؤية طفل يتعلم الدارجة في مدرسته، فهم أولئك الذين يغمضون أعينهم عن حقيقة أن غالبية المواطنين لا يعرفون اللغة العربية أيضا بالرغم من أنها لغة رسمية وتدرس في المدرسة. إن الناس لم يعد يهمهم الدفاع عن العربية، لأنه موقف مشبوه. يحق لي السؤال إذن: لماذا يصمم هؤلاء على رفض تعليم الدارجة، وتحويلها إلى خصم للعربية بالرغم من أن نتائج عقود طويلة من تدريس العربية لم تقدم لنا مجتمعا يتقن اللغة العربية؟ إنني أخاف أن يكون موقفهم مبنيا على سياسة مضادة لمصلحة الناس. السياسيون يرون أن دعوتكم ليست سوى امتداد لمصالح اللوبي الفرانكفوني في البلاد؟ السياسيون من عادتهم أن يقولوا أشياء غير حقيقية، لذلك فإني لا أخافهم، لأني أشعر بالصلابة عندما أرى رئيس حزب يقضي أوقاته في الاستصغار المتواصل للدارجة، لكنه لا يعثر على غيرها لمخاطبة الناس، سواء في التجمعات الانتخابية، أو في التلفزيون. إنهم يعرفون أنهم إن استعملوا اللغة العربية بشكل سليم، فإنهم سيفقدون جمهورهم. إن السياسي المغربي الذي يغرق خطبه في اللغة العربية لا يتبعه الناس. ناهيك عن أني أعرف رؤساء أحزاب لا يتقنون اللغة العربية، لكنهم يهاجمون الدارجة، ويدعون إلى مواجهة من يطرح خيارا ثانيا في اللغات المحلية للتدريس، وفي المقابل هناك أشخاص يتقنون اللغة العربية، بل إن لديهم باعا في كل محتوياتها ويدرسونها في الجامعات، ومع ذلك، فإنهم مقتنعون بأن الدارجة يجب أن تُدرس للأطفال. إنني لا أطرح تدريس الدارجة كبديل عن اللغة العربية، وبالرغم من كل المعارضات الموجودة، فإني أرى أننا بعد 15 أو 20 عاما، سنكون مجتمعا يتحدث بالدارجة، ويكتبها وفق قواعدها ووفق ما سيتعلمه في الدارس. ألا تعتقد أن توقعاتك حالمة في ظل قوة المعارضة الحالية لمشروعكم. إن المجلس الأعلى للتعليم نفسه لا يستطيع إحراز تقدم في ذلك؟ تقديراتي عقلانية، وعندما أقول لك شيئا، فإني أكون على وعي بكل الجوانب المرتبطة بالدعم. وبهذه الكيفية، فإني كنت مدافعا عن تعليم الدارجة داخل المجلس الأعلى للتعليم، لكنه لم يقدم في نهاية المطاف سوى القليل لصالح هذه القضية. لقد كانت تواجهني في تلك المرحلة، ومازالت، هيئات سياسية ونقابات، ومجموعة من المعلمين الكبار في السن الذين لا يتقنون أي لغة غير العربية، ولا يعرفون حتى كيفية استخدام الحاسوب. هؤلاء من كانوا يعارضونني داخل المجلس الأعلى للتعليم وخارجه. وهؤلاء أنفسهم هم من يعارضون تدريس العلوم باللغة الفرنسية، وهم من يقللون من شأن تدريس الأطفال اللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية. في نظري، فإن هؤلاء يعارضون هذه المشاريع لأنهم، ببساطة، خارج التاريخ. دفاعك المستميت عن الفرنسية هو ما يثير الشك في دوافعك بالنسبة إليهم. إنهم يقولون: لا تسمعوا لذاك الرجل فهو فرانكفوني، وكأن الأمر يتعلق بنعت مسيء. إنني أتحدث عن الناس لأني أعرف كيف يعيشون. لدي خادمة في البيت ترسل أولادها إلى مدرسة حرة، ولدي بعض الأفراد من عائلتي يرسلون أولادهم إلى مدرسة عمومية. إن الاطلاع على هذه التجارب عن كثب يبين لك كيف ينبغي النظر إلى الأمر. لدي صديقة عضو في البرلمان، لديها طفلان، واحد ترسله إلى مدرسة حرة، والثاني إلى مدرسة عمومية، وهي تعرف حجم الفارق بين النظامين التعليميين، لكن حزبها يعارض أي مناقشة عقلانية حول اللغة العربية. إن الأمر يشبه راكبين في سفينة تعرضت لثقب، وبالرغم من أن هنالك إمكانات لإصلاح الثقب، فإن الراكبين الذين يحدثون ضجيجا أكبر، ويتخيلون أن كلماتهم مسموعة، يطلبون من الجميع أن يتركوا السفينة تغرق. وما سيحدث في قضية التعليم هو أن هؤلاء سيهربون في قوارب الإغاثة، وسيتركون الذين ليست لديهم القدرة على النجاة ليغرقوا في سفينتهم. أعرف شخصا في حزب الاستقلال يحاربني بشكل عصي على الفهم، لكني أعتقد أن حزبه لا يحق له أن يتحدث في هذا الموضوع، لأن قادة هذا الحزب لا يرسلون أولادهم إلى مدارس تدرس اللغة العربية، وتجد أطفالهم يتحدثون الإنجليزية والفرنسية بطلاقة وأعمارهم صغيرة. لا يمكن لمثل هؤلاء أن يقدموا أنفسهم كمدافعين عن استخدام اللغة العربية في التدريس. لكن، يبدو أن المجلس الأعلى للتعليم تنخره الخلافات، حتى إنك بالكاد تجد موقفا صادرا عنه يدافع عنه جميع أعضائه، كما حدث ذلك في تدريس الدارجة أو مجانية التعليم؟ مشكلة المجلس الأعلى للتعليم تكمن في فشله على المستوى التواصلي. لا يوجد هنالك أشخاص قادرون على تلخيص آراء المجلس بشكل واضح ومفهوم للناس. ويحدث هذا لأن أعضاءه يتطاحنون فيما بينهم لأسباب إيديولوجية، وبينهم صراعات لا تُتخيل. لا يمكن أن تخرج فكرة واضحة عما يحدث داخل المجلس الأعلى للتعليم. كانت فكرة رئيسه عمر عزيمان واضحة: إن مجانية التعليم لا يمكن المساس بها، لكن من يملك مالا عليه أن يدفع قليلا لدعم التدريس العمومي. وهنا بدأت الفكرة تتكسر حتى تحول عزيمان إلى عدو للناس أجمعين، ووقع كل ذلك بسبب استعمال مصطلح «الطبقة المتوسطة» في المناقشات، ولأنها تعرضت لكثير من الإنهاك في هذه السنوات، فقد كان الرأي العام متحفزا لتلقي فكرة أن المجلس الأعلى للتعليم سيعدم مبدأ المجانية في التعليم العمومي. وفي رأيي، فإن الطبقة المتوسطة يجب أن تدرس أبناءها في مدارس حرة غير عمومية، وعلى السلطات الحكومية أن تدعمها لفعل ذلك من الناحية المادية. إن الواقع لا يمكن حجبه، وأكثرية أفراد الطبقة المتوسطة يدرسون أبناءهم في مدارس خاصة، وهم يعانون الكثير في سبيل ذلك. ويمكن للسلطات أن تقدم دعما ماليا لهم، ويمكن، بكل سهولة، تخفيف الضغط على التعليم العمومي، وأن تتاح لهم حرية القرار. إن مثل هذه الأفكار يعارضها أولئك السياسيون الذين يريدون مستقبلا جيدا لأبنائهم، ولا يريدون أن يزاحمهم الناس العاديون في ذلك، لكن الناس شعروا بالمصيدة، وعلى سبيل المثال، فإن خادمة البيت عندي تكافح لكي يبقى أبناؤها في مدرسة حرة، وأنا أحس بقلقها المستمر من ألا تكون قادرة في يوم ما على دفع مستحقات المدرسة. هؤلاء الناس يؤمنون بجودة التعليم في القطاع الخاص، ويخافون من الاقتراب من التعليم العمومي، وأنا أقول للمسؤولين المعنيين: ارفعوا جودة التعليم العمومي، وافرضوا الرسوم، ثم خيروا الناس بين تعليم أولادهم في المدارس الحرة وتلقي دعم حكومي عن ذلك، وبين دفع الرسوم في مدرسة عمومية. سيكون الخيار المتاح للناس آنذاك صعبا، لكن، أن تطلب من الطبقة المتوسطة، في الظروف الحالية، أن تمول لك التعليم العمومي وهو على حاله الراهنة، فإنك لا تفكر بشكل جيد على ما يبدو. تطرح أيضا تصنيف الناس الذين يجب أن يدفعوا الرسوم، وتمييزهم عن أولئك الذين لا تسمح لهم أحوالهم بفعل ذلك؟ في الحقيقة، فإن التصنيفات الحالية للطبقة المتوسطة لا تبدو لي واقعية، فقد سمعت أنهم يعرِّفون الطبقة المتوسطة بالفئة التي تتلقى أجورا أعلى من الحد الأدنى بقليل. إني مثلا أرى أشخاصا يتلقون أجورا أو لديهم مدخول جيد، لكنه بالكاد يكون كافيا ليلبي حاجياتهم، فلا يمكن أن تطلب من الناس أن يتخلوا عن شراء ألبسة جيدة، أو قيادة سيارة لائقة بدعوى أنهم يجب أن يسهموا في عملية تمويل تعليم عمومي غير جيد. الأغنياء لا يفعلون ذلك أيضا، وهم لن يلتفتوا إليك إن طلبت منهم فعل شيء إزاء ذلك. لا يمكن أن تفرض على الطبقة المتوسطة أن تجري حمية قاسية بدون هدف محدد. إذا لم تكن لديك استراتيجية قابلة للتنفيذ لتحسين جودة التعليم العمومي، فإنك لن تحصل على درهم من جيوبهم. يظهر أيضا أن الرأي المقدم بالمجلس الأعلى للتعليم تعرض للانتقاد من أعضاء في داخل المجلس بعد إصداره. هل يمكن تصور أن هناك فئة داخل المجلس تحاول فرض تصورها حول إصلاح التعليم على الآخرين دون مراعاة لطبيعة المجلس كهيئة استشارية ينبغي أن تكون آراؤها مسنودة بنوع من الإجماع؟ ما يحدث في المجلس الأعلى للتعليم خطير للغاية، ولقد لاحظت ذلك عن كثب، وقلت لعمر عزيمان إنك ستجد نفسك في ورطة وسط أشخاص يتفقون معك على شيء، ثم لاحقا يعلنون للناس أنهم لم يكونوا موافقين على رأيك. لقد قلت له إنني لا أحترم مثل هؤلاء. لدى عزيمان جرأة في تناول القضايا المطروحة على المجلس، وليست لدى الآخرين الشجاعة لمعارضة رأيه داخل المجلس لأن حجتهم ضعيفة في مواجهة حجته. وشخصيا، عارضت عزيمان في بعض الأمور، وقلتها له بصراحة، وداخل اجتماعات المجلس، وهو ليست لديه مشكلة في وجود الاختلاف، لكن ما يحدث الآن عملية سيئة للطعن في الظهر وليس تعبيرا عن الاختلاف. إن أجواء الثقة بين الأعضاء ستنكمش بشكل سريع، وسيصبح من الصعب الوثوق في أحد بشأن أي شيء. وبشكل صريح، لم تعد هنالك أجواء للثقة داخل المجلس، ولم يعد رئيسه قادرا على فعل شيء بسبب خذلان الآخرين.