عندما زار القاضي الفرنسي أليكسي دوتوكوفيل الولاياتالمتحدة، مبعوثا من طرف الحكومة الفرنسية ليقدم تقريرا بخصوص نظام السجون، سرعان ما ولى وجهه نحو المؤسسات السياسية ونظام الاقتراع وأسلوب الحكامة لينبهر بالديمقراطية الأمريكية، وليكتب ما بين ستني 1835 و1840، وفي جزأين، مؤلفه الشهير عن الديمقراطية في أمريكا. لم يتوقف دوتوكوفيل عند وصف الحياة الديمقراطية في ذلك التاريخ، بل ذهب بعيدا في منطق استشرافي إلى اليقين بقيام نظام دولي مرتكز على الثنائية القطبية بفضل تطور روسيا، مؤكدا أن الديمقراطية قد تتحول إلى طغيان للأغلبية وإلى غياب للحرية الثقافية، متخوفا مما قد يصيب الثقافة والأخلاق والأفكار. ويبدو اليوم أن واقع الديمقراطية في أمريكا قد تجاوز كثيرا توقعات دوتوكوفيل، فقد أصبح المال وحرب الدعاية الأسلحة المركزية للصراع من أجل استقطاب الناخبين. هكذا تكون الحملات الانتخابية للمرشحين الرئيسيين قد حطمت كل الأرقام القياسية بخصوص الميزانيات المرصودة للدعاية الانتخابية، فقد أعدت كلينتون لحملتها الدعائية سنة 2016 ما يناهز 112 مليون دولار، كما أن المرشح ترامب، والذي هو من أباطرة العقار في أمريكا، وضع ثروته التي تقارب 5 مليار دولار رهن طموحه الانتخابي. أكثر من ذلك، عرفت الحملات الانتخابية تبادلا للاتهامات ودسائس ومكائد. فقد تبادل المرشحان في المناظرات العمومية التي جمعتهما اتهامات حادة، إذ لم تتورع كلينتون عن وصف خصمها بأنه أخطر مرشح للرئاسة في تاريخ أمريكا، بينما اعتبر ترامب أنها ارتكبت أعمالا إجرامية وأنها تستحق السجن، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تم الكشف عن تسجيلات لترامب منذ أكثر من 10 سنوات يسيء فيها بشكل فج إلى النساء، كما أن مدير التحقيق الفيدرالي (FBI) دخل على الخط عن طريق دعمه غير المباشر لترامب، بتوجيه رسالة إلى الكونغرس حول البحث في رسائل أخرى لكلينتون، وما إذا كانت مصنفة أم لا. إلا أنه سرعان ما تراجع ليؤكد أن كلينتون لا علاقة لها بالفعل الجرمي. أيا كانت النتائج، فسيحتفظ العالم بصورة جديدة عن الانتخابات الأمريكية، انتخابات يطغى فيها المال والدعاية واستغلال نفوذ المؤسسات والجماعات الضاغطة على كل الاعتبارات الأخرى. عن إذاعة ميدي 1