ماذا لو استيقظنا على أنباء انهمار صواريخ أمريكية أو غربية على مواقع حساسة للنظام السوري؟ وكيف يرد النظام الذي حذر أمس من أن أي هجوم أمريكي عليه سيتسبب في «كتلة من النار واللهب ستحرق الشرق الأوسط برمته»؟ ما هي الخيارات التي تملكها دمشق في هذا السياق؟ هل تطلق صواريخها في اتجاه إسرائيل؟ وماذا لو ردت الدولة العبرية باستهداف عصب النظام، أي الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة؟ هل تتخذ دمشق قراراً بتوسيع النزاع كأن تطلق صواريخ في اتجاه تركيا الأطلسية أم باتجاه الأردن؟ وهل تستطيع مواجهة تبعات مثل هذا السلوك؟ ماذا تفعل إيران إذا انهمرت الصواريخ الأمريكية على أهداف سورية؟ هل يطلق «حزب الله» اللبناني المنخرط في الحريق السوري صواريخه على إسرائيل؟ وهل يستطيع حالياً خوض مواجهة من هذا النوع؟ هل تولد فجأة منظمات مجهولة - معلومة وتستهدف قوات الأممالمتحدة في جنوب لبنان؟ وهل باستطاعة روسيا أن تفعل أكثر من التنديد والتحذير من «الخطأ التاريخي» والعرقلة في مجلس الأمن؟ قبل أيام فقط، لم تكن مثل هذه التساؤلات مطروحة أو مسموحاً بتداولها. لكن الأزمة السورية دخلت بالتأكيد مرحلة جديدة مختلفة. ولا مبالغة في القول إن مرحلة ما بعد الكيماوي لا تشبه ما قبله. وأي متابع لهذه الأزمة يدرك أن صور جثث أطفال الغوطتين التي طافت العالم وتصدرت صفحاته وشاشاته فتحت في الأزمة السورية الصفحة الأشد خطراً وهولاً. وخير دليل على دقة الأيام أن سورية وافقت على توجه المفتشين الى المنطقة المنكوبة وجنبت الوزير وليد المعلم، بعد المحادثة الهاتفية اللافتة مع نظيره الأميركي جون كيري، الخطأ الذي ارتكبه طارق عزيز بأوامر من صدام حسين خلال لقائه الشهير مع جيمس بيكر. قبل الكيماوي، تعايش العالم مع المذبحة المفتوحة في سورية. تعايشت عواصم الغرب مع مشاهد الدمار والمجازر الجوالة والبراميل المتساقطة. عثرت هذه العواصم على أسباب تبرر تحفظها والابتعاد عن الانغماس في النار السورية. انزلقت الثورة بفعل براعات النظام إلى ما يشبه الحرب الأهلية. وقدمت «جبهة النصرة» هدية قيمة لباراك أوباما وزعماء غربيين. صار باستطاعتهم القول: «لن نسقط الأسد لنسلم سورية لتلاميذ تنظيم القاعدة». امتنعت عواصم غربية حتى عن تنفيذ ما وعدت به، وبحجة عدم وقوع الأسلحة في الأيدي الخطأ. تتصرف واشنطن ولندن وباريس على أساس أن «لدى النظام السوري ما يخفيه» وأن استخدامه السلاح الكيماوي «شبه مؤكد». لم تأخذ جدياً اتهامه المعارضة باستخدام السلاح الكيماوي. اذا عززت معلومات المفتشين شكوك هذه العواصم ومعلوماتها سيجد النظام السوري نفسه في وضع يشبه أوضاع نظام صدام حسين. ستطرح مسألة ترسانته الكيماوية وستظهر مطالبات بإخضاعها للتفتيش. سيضطر إلى بدء سلسلة من التنازلات، وإلا مواجهة ضربات. وضع النظام بعد مجزرة الغوطتين لا يمكن أن يكون كما كان قبلها. روسيا نفسها لا تستطيع التصرف كأن المجزرة لم تقع. إسرائيل القريبة من مسرح الأحداث ستعيد تقويم حساباتها. لا شيء يشير إلى أننا في الطريق إلى تدخل عسكري بري في سورية. لكن الأكيد هو أن العالم سيضع يده على هذا الملف. سيكون العقاب أكيداً إذا ثبت أن النظام استخدم ترسانته الكيماوية. أغلب الظن أن هدف العقاب سيكون اقتياده إلى طاولة المفاوضات ليوافق على ما كان يرفض مجرد التلميح إليه. ولهذا يجري التذكير بخيار كوسوفو و«اتفاق دايتون». سيكون من الصعب على روسيا أن تتصرف بعد الكيماوي كما كانت تتصرف قبله، إلا إذا كانت لا تعارض قيام «دولة للأقليات» على جزء من سورية، وهو ما لمّح إليه بوتين من باب التخوف من حصوله خلال لقاء له مع مسؤول عربي رفيع.