حلقة اليوم من برنامج "حكايات من زمن فات" الذي يُقدمه "اليوم 24" خلال شهر رمضان المُعظم، عن أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد أهم وأبرز رموز التاريخ الإسلامي، وأحد أهم القادة الميدانيين والعسكريين في التاريخ الإسلامي، إنه الفارس خالد بن الوليد رضي الله عنه. ولد الصحابي الجليل خالد بن الوليد في أسرة ثرية وذات شرف رفيع في قريش، وتربى على الفروسية وكان أحد أشهر أبناء قريش ذكاءً في فنون الحرب، وكان أبوه عبد شمس الوليد بن المغيرة ذا جاه عريض وشرف رفيع، وكان معروفًا بالحكمة والعقل، إلا إنه كان خصمًا عنيدًا للإسلام والمسلمين، وكان شديد النكاية بالرسول صلى الله عليه وسلم. ولم يشهد خالد غزوة بدر إلا أن شقيقه وقع أسيرًا في أيدي المسلمين، وذهب خالد لفدائه في المدينة، إلا أنه بعد فترة قصيرة من فدائه، أسلم شقيقه وهرب مرة أخرى إلى المدينة، إلا أن أول مواجهة بين خالد والمسلمين كانت في غزوة أحد، والتي تولى فيها قيادة ميمنة المشركين، حيث استطاع تحويل دفة المعركة مُستغلا خطأ رماة المسلمين، عندما تركوا الجبل لجمع الغنائم، فهاجم بفرسانه مؤخرة جيش المسلمين، وتحوّل هزيمة القرشيين إلى نصر، وبينما كان المسلمون في مكة لأداء عمرة القضاء في عام 7 ه، وفقًا لاتفاق الحديبية، أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الوليد بن الوليد، وسأله عن خالد، قائلاً له: ما مثل خالد يجهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وحده مع المسلمين على المشركين كان خيرًا له، ولقدمناه على غيره، فأرسل الوليد إلى خالد برسالة يدعوه فيها للإسلام، فخرج مُهاجراً إلى المدينة هو وعثمان بن طلحة، وفي طريقهم التقوا عمرو بن العاص، فدخل ثلاثتهم المدينة معلنين إسلامهم، وحينها قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها. وبعد عدة أشهر من إسلامه، اشترك خالد كجندي في جيش أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال الغساسنة، بعد أن اعترضوا طريق الحارث بن عمير الأزدي، والذي كان أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب بصرى، وقتلوه، وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقود الجيش زيد بن حارثة فإذا استُشهد يخلفه جعفر بن أبي طالب، وإن استُشهد يخلفه عبد الله بن رواحة، وإن قتل الثلاثة يختار المسلمون قائدًا من بينهم، وعند بدء الحرب فوجئ جيش المسلمين بأنهم أمام جيش جرار قوامه مائتي ألف مقاتل، وبدأت المعركة، وواجه المسلمين موقفًا عصيبًا، حيث قتل القادة الثلاثة على التوالي، ليختار المسلمون خالدًا ليقودهم في المعركة، حتى استطاعوا أن يصمدوا بقية اليوم الأول. وفي الليل جلس خالد يُفكر في خطة يستطيع بها هزيمة هذا الجيش الرهيب، فقام بنقل ميمنة الجيش إلى الميسرة، والميسرة إلى الميمنة، وجعل جنود المقدمة مكان جنود مؤخرة الجيش، نقلل جنود المؤخرة إلى مُقدمة الجيش، ثم أمر طائفة بأن تثير الغبار ويكثرون الجلبة خلف الجيش حتى الصباح. وفي الصباح، فوجئ جيش الروم والغساسنة العملاق بتغيّر الوجوه والأعلام عن تلك التي واجهوها بالأمس، إضافة إلى الجلبة، فظنوا أن مددًا قد جاء للمسلمين، فأمر قائدهم بالانسحاب وخشي الروم أن يلاحقوهم، خوفًا من أن يكون الانسحاب مكيدة، وبذلك، نجح خالد في أن يحفظ الجيش من إبادة شاملة، وكسرت في يده يومئذ تسعة أسياف، وعندما عاد إلى المدينة، أثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ولقّبه بسيف الله المسلول، ثم جعله على رأس القوات في عدد كبير من الغزوات والسرايا. وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم شارك في قتال المرتدين في عهد أبي بكر الصديق، والذين ادَّعى بعضهم النبوة، والعض الأخر ممن تمرد على الإسلام ومنع الزكاة، والأخرين الذين ارتدَوا عن الإسلام، وكان اضطراب كبير وفتنة عظيمة، وفي أحد الجبهات التي كان يُقاتل المسلمين فيها مسيلمة الكذاب، يُرسل أبو بكر جيش على رأسه الصحابي عكرمة بن أبي جهل، فينتصر عليه مسيلمة، فأرسل له أبو بكر الصحابي شرحبيل بن حسنة، فينتصر عليه مُسيلمة هو الأخر، مما زاد حُزن المسلمين، ورفع من الروح المعنوية لأتباع "مُسَيْلمة الكذَّاب"، فارسل أبو بكر خالد على راس الجيش، لتدور بينهم معركة عظيمة، قاد فيها مسيلمة قواته التي زادت على الأربعين ألف مقاتل، بينما لم تزيد قوات المسلمين على ثلاثة عشر ألف مجاهد، وصمد مُسيلمة حتى أدرك خالد أنهم لن ينتصروا إلا بقتل مُسيلمة، فبرز خالد حتى إذا كان أمام الصفوف دعا إلى المبارزة، فجعل لا يبارز أحدًا إلا أرداه قتيلاً، حتى دنا من "مسيلمة" فأرهقه وأدبر، ونادى مسيلمة في قومه: الحديقةَ الحديقةَ؛ فدخلوا "حديقة الموت" وأغلقوها عليهم، وأحاط المسلمون بهم، فصرخ البراء بن مالك قائلاً: يا معشر المسلمين، احملوني على الجدار اقتحم عليهم. فحملوه، وقاتلهم على الباب حتى تمكن من فتحه للمسلمين، فدخلوا، واقتتلوا قتالاً شديدًا داخل الحديقة، حتى رأى "وحشيّ بن حرب" مُسيلمة فهجم عليه بحربته فقتله، وانتصر المسلمون، ثم أصبح خالد قائد المسلمين المغوار الذي قادهم من نصر إلى نصر ومن فتح إلى فتح. وتوفى رضي الله عنه في فراشه، حيث قال قولته الشهيرة " لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر، إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء، وتوفى عام 21 ه، ودُفن في حمص في مسجد عُرف باسمه، إلا أنه قد تم تخريب المسجد والضريح على أيدي قوات بشار الأسد في شهر مايو عام 2014، انتقاما من أهل حمص. مقولة خالد الخالدة جامع خالد بن الوليد قبل هدمه الضريح بعد هدمه