كانت طنجة مدينة دولية، ثم صارت مدينة عشوائية، وتنتظر اليوم أن تتحول إلى مدينة عالمية، لكن هل تملك مدينة سادها الفساد والعشوائية لعقود منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، أن تتحول في لحظة إلى القطب العالمي؟ اطلاق مشروع طنجة الكبرى أشعل الأحلام والأطماع، وعرى حقائق في المدينة التي تخفي داخلها الكثير من التناقضات. في السابع والعشرين من شتنبر الماضي أطلق الملك محمد السادس برنامج «طنجة الكبرى» من أجل تنمية مندمجة ومتوازنة وشاملة، وجاء في التعريف الرسمي بالبرنامج أن هذا المشروع سيمكن مدينة طنجة من الارتقاء إلى مصاف المدن الكبرى في العالم، وسيجعل المدينة قطبا اقتصاديا هاما بالمملكة، وذلك من خلال تمكينها من مشاريع مهيكلة تطلبت استثمارات ضخمة. ومع طنجة الكبرى، كبرت أحلام البعض، وكبرت أيضا هموم البعض، وكبرت أطماع البعض، وسرت حمى بالمدينة الشمالية أكبر من تلك التي سرت قبيل ترشيح طنجة لاحتضان expo2012 : الطنجاويون يحلمون بتدفق الأموال والخيرات بفضل مشروع طنجة الكبرى. البرنامج الجديد كما جاء دائما في التعريف الرسمي به، سيأخذ بعين الاعتبار العناصر الأساسية المهيكلة لمدينة كبرى تتجه نحو المستقبل، وتتمثل بالبيئة الحضرية لضمان جودة الحياة، والبيئة الاجتماعية لتثمين الثروة البشرية، والبيئة الاقتصادية لتطوير مؤهلات وخبرات المدينة، والبيئة الثقافية من أجل ترسيخ الهوية وقيم الانفتاح التي تزخر بها المدينة، مع تثمين إرثها. ويتعلق الأمر أيضا بتعزيز مناخها الروحي لإيلاء ممارسة الشعائر الدينية المكانة اللائقة بها في المجتمع. إذن، بيئات طنجة بمختلف أنواعها وأشكالها هي الهدف من المشروع الملكي، وهي أرضية انطلاق الحلم الكبير. الحلم الذي يعد بالمدينة العالمية والتي ستنافس كبريات مدن المتوسط إذا ما علمنا أن مشروع طنجة الكبرى، الذي يفتقر إلى أولويات القطب الحضري الوطني، فما بالك بالقطب الدولي؟ حالة طنجة الكبرى التي تعتري المسؤولين والساكنة ليست سوى حالة من الوهم الكبير.
المجال الحضري ..أين المفر؟ لامجال لتوسع طنجة، وإذا كانت هناك جدية في هذا المشروع فمن الأفضل أن تخلق مدن جديدة، هكذا، يتحدث مسؤول بولاية طنجة، المدينة المخنوقة والتي تنكشف هشاشتها مع أول قطرة مطر، استنفدت كل مساحاتها، فهناك مساحات خصصت للفضاءات الخضراء والمنتزهات، تم تحويلها إلى بنايات وعمارات سكنية، لا يوجد شبر في طنجة يسمح بما يتحدث عنه المشروع. من أكبر مفارقات المشروع افتقاده لتصميم التهيئة بشهادة عدد من المستشارين الجماعيين. وحسب إفادة مصادر مطلعة على تسيير المدينة، انتهت صلاحية التصميم السابق، ولم يتمكن مكتب الدراسات بمعية الوكالة الحضرية من إنجاز التحديد الطبوغرافي. هكذا يبقى مشروع طنجة الكبرى الذي يعد بإحداث محور ثالث للطريق السيار، وطريق ساحلي، وتثنية الطرق الإقليمية، وإحداث طرق التفافية كبرى كتلك الرابطة بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، «طريق البحرين الالتفافية»، وتعميم الطرق على مستوى الأحياء، وإحداث ممرات خاصة ومواقف سيارات تحت أرضية داخل المدينة، فضلا عن طريق ساحلية أطلسية، مشروعا بدون تصميم. الاشكالات العقارية لعاصمة البوغاز، تعتبر شيئا عاديا وموجودا في كل المدن الكبرى. هكذا يعلق فؤاد العماري عمدة مدينة طنجة في تصريح لأخبار اليوم، قائلا: «صحيح هناك تراكمات في الملف العقاري، لكن في مشروع طنجة الكبرى هناك الإرادة لتصحيح هذه الأوضاع، نحن نحلم بمدينة استراتيجية، وهناك أراضي واسعة بالجهة الشرقية للمدينة، وتوسعها سيكون بشكل معقلن وحضاري». قبل سنة من انطلاق البرنامج العملاق، والذي ستخصص له ما يقارب 10 ملايير درهم، التأم عدد من الجمعيات حول طاولة نقاش لإعداد مشروع المخطط الجماعي للتنمية (2013-2017)، بإشراف من المجلس الحضري للمدينة، وخلص الجميع إلى ضرورة تحويل بعض المرافق العمومية خارج المجال الحضري للتخفيف من الضغط الحضري التي أصبحت تعيشه مدينة طنجة على مستويات عدة( التلوث، السير والجولان...) الفاعلون الجمعويون المشاركون في هذا النقاش، والذين استقت «أخبار اليوم» بعض تصريحاتهم، أجمعوا على ضرورة عدم تفويت الوعاءات العقارية الشاغرة أو ذات المساحات الكبرى، للمنعشين العقاريين لما يمكن أن تشكله البنايات المتزايدة من تضييق للمدينة. ويؤكد المشاركون في إعداد المخطط الجماعي أن المشروع لم يخرج بعد إلى حيز الوجود، في حين خرج مشروع طنجة الكبرى، وهو ما عقب عليه العماري: «لسنا في حلبة للسباق، المشروع ملك لكل الفاعلين، والمحدد الأساسي تنزيل هذا المشروع، الطنجاويون يجب أن يدعموا المشروع، والقانون سيضرب بقوة على يد كل من سولت له نفسه عرقلة هذا الحلم الكبير». حسن الحداد، الفاعل الجمعوي بالمدينة، يقول في تصريح ل «أخبار اليوم»، لقد طالبنا بإنشاء مشاريع تنموية يستفيد منها سكان المدينة والجماعة على حد سواء، بحيث تساهم في رفع المداخيل الجبائية كبديل لهذه المرافق التي سيتم نقلها خارج المدينة من قبل(قاعات مخصصة للأنشطة السوسيو-ثقافية، مرافق ترفيهية، منتزهات وغيرها…). نفس النسيج الجمعوي الذي شارك في إعداد المخطط الجماعي للتنمية، يتساءل: «كيف خرج مشروع طنجة الكبرى إلى الوجود، بينما المشروع الذي ساهمنا فيه تم إقباره؟» وفي الوقت الذي يتربص بارونات العقار بالمرافق الكبرى التي سيتم تصديرها خارج المدينة الحالية، فإن ناشطين جمعويين يتساءلون ما مصير سوق الجملة؟ الذي تعد مساحته من أكبر الأوعية الفارغة، ما مصير المسلخ البلدي والمحجز البلدي الذي يمتد على هكتارات؟ وإلى من سيؤول مرآب العمالة؟ الجواب كان لدى مجلس المدينة، حيث أسرت مصادر مطلعة من رئاسة المجلس أن المحطة الطرقية لطنجةالمدينة، والتي توجد في موقع استراتيجي ستتحول إلى مساحات خضراء ومنتزه سيستفيد منه سكان المدينة، بينما باقي الأوعية ستباع في إطار من الشفافية حسب المصدر نفسه. في طنجة الموعودة بالمدينة الكبرى أحياء لم تر النور بعد، فأجزاء من أحياء (السانية، العوامة ومسنانة) تفتقد في القرن الواحد والعشرين إلى الماء والكهرباء، بل وحتى الصرف الصحي. «أخبار اليوم» انتقلت إلى هذه الهوامش، واستمعت إلى بعض السكان الذين صرحوا أنهم يقطنون هذه المناطق منذ أزيد من عقدين، وجاءت برامج تأهيل المجال، ثم التدبير المفوض، ثم التأهيل الحضري، ورغم تأكيد دفاتر التحملات على ضرورة توفير هذه العناصر للأحياء المذكورة، إلا أن الساكنة لازالت تعيش في ظلام وقاذورات، وباستثناء ربط هذه الأحياء بالماء الشروب وفق مخطط المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فلا كهرباء ولا قنوات للواد الحار. من جانب أخر تدور حركية أخرى، الطنجيون يريدون الاستفادة من قيمة المدينة التي ستكبر. الإدارات والمؤسسات العمومية تشتغل بدينامية مرتفعة، مصدر من المحافظة العقارية بالمدينة أسر ل «أخبار اليوم»، «ارتفعت نسبة طلبات التحفيظ بطنجة بمعدل 150 في المائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية. الكل يجمع وثائقه ويحفظ ممتلكاته، وحتى نسبة الاستشارات ارتفعت بشكل كبير»، ليست المحافظة فقط ما يعرف هذه الوتيرة من الارتفاع، تتراكم الملفات لدى الموثقين والعدول، وهو ما صرح به عضو عن هيئة عدول طنجة، قائلا: «ارتفعت نسبة المقاسمة وشهادات اللفيف، وتوثيق الملكيات»، وفي المحكمة الابتدائية هناك، ارتفاع لحالات النصب والتدليس بين الشركاء والورثة، لقد عم جنون طنجة الكبرى. في المقهى الشهير قبالة قنصلية فرنسا، حيث يرابط السماسرة، لا تتوقف الهواتف عن الرنين.. «لحسن» سمسار خبير في عقارات طنجة، يمارس هذه المهنة منذ السبعينيات، يقول ل «أخبار اليوم»، «الأمر يشبه إلى حد كبير الفوضى التي عمت عند ترشيح طنجة للمعرض الدولي الكبير، هناك عقارات تضاعف ثمنها مرتين، وهناك أشخاص اجتمعت عليهم الأزمة الاقتصادية في أوروبا وسمعوا بخبر مشروع طنجة الكبرى، فعادوا إلى ممتلكاتهم العقارية، إما لإنشاء مشاريع ومقاولات متوسطة، أو لبيعها وهم يطالبون أحيانا بأثمنة خيالية». في المقهى أيضا عاينت «أخبار اليوم» أشخاصا يسحبون عروضهم، وهم لم يعودوا راغبين في البيع.
القرى التي تحلم بالاندماج أغلب الأراضي المحيطة بطنجة تنقسم إلى أراضي الحبوس، أراضي الطلبة، وهو عرف خاص بالمنطقة، الأراضي السلالية وأراضي المياه والغابات، وبينما ضاعت أراضي الطلبة بين عشية وأخرى إذ تم التراجع عن هذا العرف التضامني، بسبب القيمة المفترضة للأرض، وبسبب شيوع خبر مشروع طنجة الكبرى. يعتبر التحديد النهائي لمساحات المياه والغابات قنبلة موقوتة، ستؤدي إلى تهجير عشرات المداشر نحو طنجة الكبرى. ويعود هذا التوقع إلى سببين، أولهما، أن اغلب المهاجرين الذين تخلوا عن أراضيهم فقدوها، بسبب غيابهم الطويل وزحف الغطاء النباتي عليها، وهو ما يدخل في تحديدات مأموريات المياه والغابات للأراضي التابعة لها، وثانيهما، تسبب فيه الخنزير البري، إذ أن تكاثر الخنزير البري بالقرى المحيطة بطنجة، وتدميره للمحاصيل جعل أغلب المزارعين يتخلون عن فلاحة الأرض، وهو ما جعل أيضا الغابة تمتد فوق هذه الأراضي، وهو ما سيخلق احتقانا كبيرا عند إعلان المياه والغابات عن تحديد أراضيها، فضلا عن النشاط المكثف لجمعيات قنص الخنزير بالمنطقة، والتي تؤدي أنشطتها إلى الكثير من الأضرار، فعشرات السيارات التي تعبر وسط الأراضي الصالحة للزراعة أو المتخلى عنها بسبب تكاثر الخنزير، تشق طرق خاصة بها، بدون تعويض للفلاحين أصحاب الأراضي، وتغير من معالم الحدود عند التوثيق. عند قيام المياه والغابات بتحديد أراضيها هذه السنة، رفع العديد من السكان تعرضاتهم (انظر الوثيقة)، لكن هذه التعرضات لم تصل، ولم تؤثر في تحديد المسح النهائي لأراضي المياه والغابات، وهو ما خلف جدلا حادا بين المندوبية و السكان، قد يتطور إلى ما لا يحمد عقباه. في القرى، حيث من الضروري وضع تصاميم تهيئة، خاصة بالقرى المجاورة لطنجة الكبرى، والحفاظ على العالم القروي، وعلى الأنشطة الاقتصادية ودعمها، ووضع خط فاصل بين التعمير الحضري والعالم القروي للحفاظ عليه من الاندثار، تتحرك فئات أخرى في الخفاء، إنهم النواب السلاليون . عدد من النواب السلاليين ،حسب شهادات عدد من السكان القرويين، يقومون بالتواطؤ مع بعض الملاكين لتغيير حدود الملكيات، التي غالبا ما تكون محددة في العقود العدلية القديمة، بحدود طبيعية أو بالجوار. العملية التي تسمى تصحيح المسافة، أصبح لها سعر معروف لدى النواب السلاليين، قد يصل إلى 3 دراهم للمتر، وهي قيمة الإكرامية التي يغير مقابلها النائب السلالي حدود الأراضي. وحساب المسافة بالمتر بدل «المعاينة»، يدل على تحول كبير في وعي الساكنة القروية، التي تخوض أيضا صراعا جديدا مع أبناء عمومتها الذين غادروا القرية في اتجاه طنجة، وهم اليوم يعودون للمطالبة بحقهم في أراضي الجموع أو في أراضي كانوا قد باعوها بأثمنة بخسة في القرن الماضي.
البيئة في طنجة الكبرى.. من هنا ستبدأ الكارثة في إطار حملة الترويج لطنجة الكبرى، صرح والي الجهة محمد يعقوبي في لقاء مع الفعاليات المدينة، أن 25 في المائة من التمويل العام المخصص لبرنامج طنجة الكبرى، والذي يبلغ حوالي 7.7 مليار درهم، مخصص للمجال البيئي، الذي يتصدر بذلك قائمة المجالات الخمسة الأساسية المشمولة بالبرنامج، متبوعا بالمجال الاجتماعي، ثم المجال الاقتصادي. بموقعها في الملتقى بين بحرين تستفيد طنجة من مناخ متميز وشواطئ ممتدة، يتذكر سكان طنجة المخضرمون، كيف أنه في سنة 1970 كان شاطئ طنجة يعتبر ثاني أحسن شاطئ في العالم بعد فيلاديلفيا بالولايات المتحدةالأمريكية. اليوم شواطئ طنجة غير مسموح السباحة فيها، وتقع في المرتبة D لأنها خطيرة و ملوثة. وغير بعيد عن الشاطئ البلدي للمدينة تشق أودية الصرف الصحي طريقها نحو البحر بجانب المقاهي والفنادق المصنفة، وبالقرب من محطة القطار الجديدة التي بنيت بمعايير جمالية حضارية كبيرة؛ مما يجعل زوار عاصمة البوغاز يغلقون أنوفهم بمجرد أن تطأ أقدامهم المدينة. وتشكل الأودية،خاصة وادي السواني ووادي اليهود ومغوغة، قنابل موقوتة ضد البيئة والصحة العمومية بطنجة، حيث يسجل غياب تام لوضعية الأودية في برنامج طنجة الكبرى حسب مصادر من مجلس المدينة، فلم تشكل أي لجنة للتتبع والمراقبة والوقوف على حالة هاته الأودية حاليا، وما أنجز من التصاميم والبرامج المخصصة لهاته الأودية، ماعدا الإشارة إلى تخصيص مبلغ 34 مليار سنتيم للأودية. ليس هناك تقرير مفصل لما تم إنجازه، وتبقى كارثة بناء سوق فوق «واد ليهود»، خصص له 3.5 مليار سنتيم سابقا لوضع ( التغطية والأنابيب الكبرى و صهريج لجمع الماء..) لاستيعاب المياه والتخفيف من الضغط، من مفارقات اهتمام المشروع ببيئة طنجة، وإيذانا بتكرار ما حدث خلال بناء المنطقة الصناعية على واد مغوغة، إشكالية البناء فوق واد اليهود، يجيب عنها عمدة المدينة قائلا: «في مشروع سوق واد ليهود، تم احترام كل الضمانات القانونية، ثم بعد حصول المستثمر على رخصه أصبح من غير الممكن تدارك هذا الوضع. أتفق مع من يعتبر أن البناء فوق الوادي مسألة خطرة، لكن وكالة حوض لوكوس، هي من أشرفت على الترخيص». مصدر مسؤول من وكالة حوض لوكوس قال في اتصال بأخبار اليوم: «لقد وضعت شروط قاسية للمشروع، لكن طارحي مشروع السوق استجابوا لكل هذه الاشتراطات، وبالفعل مجلس المدينة كان متحفظا على ذلك..» خلال يناير 2012، وفي إطار مقاربة تشاركية قامت الجماعة الحضرية لطنجة، بتنظيم ندوة حول مسألة النظافة بطنجة، بخصوص نقل المطرح العمومي بمغوغة لمكان جديد، خلصت بالإجماع إلى ضرورة التسريع في إيجاد بديل لمطرح النفايات بمغوغة. وفي هذا الصدد تم اقتراح 13 منطقة بديلة لهذا الأخير، حيث وقع اختيار جماعة حجر النحل «مدشر سكردلة» لاحتضان المطرح الجديد. مستشار جماعي بجماعة حجر النحل رفض الكشف عن اسمه أسر ل»أخبار اليوم»، أنه ورغم ضغوطات الإدارة الوصية للمصادقة على هذا المقترح، فإن الجماعة رفضت في إحدى دوراتها القبول باحتضان المطرح، رفض الجماعة سبقته حملة للسكان وبعض فعاليات المجتمع المدني للتحسيس بخطورة هذا المطرح على المنطقة، عندما توجهت أخبار اليوم إلى عمدة المدينة باستفسار حول قضية المطرح العمومي، أجاب العماري: «عندما قدمنا المشروع إلى جلالة الملك، قدم مشفوعا بدراسة علمية تضمنت تحديدا دقيقا لستة مناطق مقترحة، وأثبتت الدراسة أن موقع جماعة المنزلة يبقى هو الأقرب للمواصفات العلمية والعالمية، وقد صادق عليه المجلس الجماعي «. خصوصية جماعة المنزلة، وما تتوفر عليه من ثروات متعددة، تستوجب حمايتها والحفاظ عليها فالمنزلة تتوفر على (فرشة مائية سطحية وجوفية، بحيرة كبيرة ونهرين، محمية للطيور المهاجرة المعترف بها دوليا، ومستوطنة لطائر الحبار الملتحي المحمي والمدعم من طرف الاتحاد الأوروبي وحكومات أجنبية، بالخصوص لحماية هذا الطائر والحفاظ عليه، فضلا عن الثروة الغابوية)، وهي المتنفس الوحيد المتبقي في حزام طنجة- غابة سيد المنصر- كما تتوفر المنطقة على مآثر تاريخية (فينيقية، رومانية، وإسبانية..). السؤال البيئي الذي يطرحه مشروع طنجة الكبرى، اتخذ من عمدة المدينة حيزا كبيرا في حديثه لأخبار اليوم، وقد أشار فؤاد العماري إلى أن طنجة تتوفر على أزيد من 4000 هكتار من الغابات وهو ما لا يتوفر لأي مدينة أخرى، اليوم يقول العماري: «كل من قطع شجرة أو أحرقها سيتحمل عواقب وخيمة، لا يمكن التضحية برئة المدينة». إقناع جماعة المنزلة باحتضان المطرح، جاء حسب الفاعل الجمعوي حسن الحداد، بعدما قامت الجماعة الحضرية لطنجة بزيارة لفرنسا من أجل الاطلاع على نماذج عصرية لتدبير النفايات تحترم الحقوق البيئية للمواطنين، لكن يعود حسن الحداد للتساؤل: «إذا افترضنا أن هذا المطرح البديل سيكون بمواصفات عصرية تحافظ على البيئة بمعيار (صفر تلوث)، لكن يبقى السؤال بخصوص الأسطول الذي سيتكلف بجمع النفايات من داخل المدينة، والذي عليه أن يستجيب للمقومات الحديثة على كل المستويات، من حيث وقت جمع النفايات من أماكن نقلها وصولا للمطرح المستقبل، من جهة أخرى وجب إثارة الانتباه عند نقل المطرح إلى مصير عشرات العائلات التي تعيش من مطرح النفايات بمغوغة ماذا سيكون مصيره». عبد الاله أفيلال، رئيس الجماعة القروية المنزلة في تصريح أدلى به لأخبار اليوم، استبعد أي ضرر بيئي للمطرح الجديد على الجماعة، وعن قصة المطرح قال: « توصلت بمراسلة من السلطة الوصية، تطلب فيها إدراج نقطة جديدة إلى جدول أعمال الدورة حول المطرح الجديد، وعند اطلاعنا على مشروع المطرح وجدنا أن الأمر يتعلق بمعمل لتدبير النفايات بشكل عصري ومتوازن، فضلا عن 250 منصب شغل التي ستوفر لساكنة الجماعة». منذ أسابيع أطلق ورش من أجل إنجاز مشروع صناعي بالمنطقة الحرة بجماعة «كزناية» المدخل الجنوبي لطنجة الكبرى، الورش سيخصص لإنجاز مشروع الوحدة الصناعية الجديدة التابعة لشركة عملاقة للمشروبات الغازية ، والتي من المنتظر أن تشكل أكبر مصنع للمشروبات الغازية في أفريقيا؛ أدى ببساطة إلى طمر ضاية سيدي قاسم بالأتربة، وتدمير هضبة قرية الحجريين المكسوة بأشجار الغابة المانعة لانجراف التربة. ووقفت «أخبار اليوم» على جبال من الأتربة ألقيت وسط الأرضية الخاصة بضاية سيدي قاسم، واستمر الأمر لأيام قبل تدخل السلطات منتصف نوفمبر الماضي لمنع المقاولات المكلفة بالأشغال من إلقاء الأتربة داخل البحيرة، وتحولت الشركة العملاقة إلى إلقاء الأتربة والركام في اتجاه آخر. هذه المرة قرب المطار وخلف المنطقة الحرة على شكل نقاط متعددة ودهسها بالجرافات؛ حتى لا يظهر التراكم الذي يرتفع يوميا. وهكذا، تبقى بحيرة سيدي قاسم محاصرة بين توسعة المطار من جهة، وطمرها بالأتربة من جهة أخرى؛ مما أدى إلى تقلص مساحتها والنباتات التي تنتشر على جنباتها، فضلا عن فقدانها لدورها كمحطة للطيور المهاجرة. المصنع العملاق أثار الكثير من ردود الأفعال، منها تصريحات رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك بوعزة خراطي، الذي حذر من مخاطر استنزاف الثروة المائية التي يمكن أن تتعرض له طنجة في السنوات العشر المقبلة، بسبب تأثيرات هذا المصنع الذي سيستهلك 1600 مليون لتر من الماء سنويا ، وذلك استنادا إلى تجربة سابقة في إحدى المناطق الهندية مع مشروع مماثل. وقد سبق لإدارة الشركة عند التعريف بهذا المشروع في ندوة صحفية بطنجة بتاريخ 24 شتنبر الأخير، أن بينت أن معدل إنتاجه سيصل إلى 100 مليون لتر من المشروبات سنويا، وهو ما ظلت رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين تدق ناقوس الخطر حوله. هكذا، تبرز القاعدة التي سينطلق منها مشروع طنجة الكبرى، المدينة التي ستحمل مواصفات عالمية، بها أحياء بدون ماء وكهرباء، المدينة التي يفترض أن تنافس مارسليا واسطمبول وبرشلونة، يتحكم النواب السلاليون في مصيرها، المدينة التي تريد دخول العصر الرقمي ومنظومة النقل البحري العالمي ليس لها تصميم تهيئة، وتترصدها مافيات العقار عند كل مساحة خضراء، المدينة العالمية التي لا مكان للبيئة في خطتها، والتي ينام سكانها وهم يحلمون بأنهار من دهب ستجري تحتهم.
مافيا الكاريانات
المجال الحضري المختنق سيدفع بالمدينة نحو هوامشها، وهناك تدور أنشطة مشبوهة. في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي، عرفت عروس الشمال إنزالا قويا للمهاجرين من القبائل المجاورة، وانتشرت البراريك بالمدينة، وكلما كانت هناك مبادرة للقضاء على دور الصفيح، إلا واستفاد المهاجرون الداخليون من البقع الأرضية، التي كانت تمنح في إطار محاربة السكن غير اللائق. اليوم توجد في ضواحي المدينة فئة محترفة في إنشاء دور الصفيح، وهي تتحرك بقوة في هوامش المدينة، وتتوسع بشكل خطير في المساحات غير المراقبة، وتستعمل في ذلك عصابات تتنقل بين الأحياء الهامشية، وتمارس نوعا من الدعاية المغرضة لتشجيع السكان على السكن بالأحياء. « أخبار اليوم « اتصلت بأحد المتخصصين في خلق البراريك، وتقمصت دور أحد الراغبين في «براكة»، فكان الطلب واضحا، في طريق المطار، وسيكلفك الأمر 20 ألف درهم، ثم 20 أخرى عند شمولك بطنجة الكبرى. المافيا المتخصصة في العشوائيات لا يقتصر دورها على بناء البراريك والاتجار في بؤس العمال والوافدين على طنجة، بل يتجاوز ذلك إلى إيجاد مساحات جديدة في المجالات المتاخمة للمدينة، وفي أعقاب إطلاق المشروع الملكي، نشبت الحرائق في الهوامش الخضراء للمدينة، وتتم العملية بشكل ميكانيكي، يتم الإحراق ليلا لتصبح الأعمدة أو الجدران قائمة في الصباح. وهكذا مثل الفطر يكبر الكاريان... هكذا تم تدمير مساحات شاسعة من نباتات الدوم، الغطاء النباتي الذي يميز المنطقة. عمدة المدينة قال لأخبار اليوم: «من الطبيعي أن تظهر بعض السلوكات المنحرفة لدى بعض السكان، لكن مادام القانون هو سيد الموقف، فلن نسمح لأي كان بأي تجاوز». حسن الحداد الفاعل الجمعوي وابن جماعة المنزلة، قاد «أخبار اليوم» في جولة عبر قرى المدينة، هنا، تبدى عملية ممنهجة، يقوم بها المهاجرون من البوادي، إذ بمجرد أن تنهى إلى علمهم أن مشروع طنجة الكبرى قادم، وأنه سيرفع من قيمة الأراضي، عادوا إلى بواديهم، وشرعوا في إحراق النباتات أو الغابة بأكملها، ثم تنقية الأرض من الشوائب المتبقية، ومباشرة زراعة شتلات من الزيتون، لإظهار الاستغلال الذي يخولهم ملكية الأرض حسب أعرافهم.