وقف الجميع في مدخل المنزل، الكُل شاخصة أبصارهم، دامعة أعينهم، مُتفطرة قُلوبهم. فهؤلاء أحفادها يبكون بحُرقة لأنها بحسب قولهم "كانت الأم الحنون التي احتضنتهم لما انشغل آباؤهم بالدعوة"، وأولئك أبناؤها يبكون لوعة فراق الأم، وغير بعيد منها أبناؤها أيضا لكنهم ليسوا من صلبها بل عرفوها لما كانت تخدمهم حين زيارتهم لزوجها الشيخ عبد السلام ياسين. خرج الجمع من المنزل، وفي وفد حاشد اتجهوا إلى مسجد الشهداء وسط العاصمة الإدارية الرباط. إلا أنه وبعد أداء صلاة الجنازة، فوجئ المُشيعون ب"إنزال أمني" و"تطويق" لمقبرة الشهداء، ليُخبر أهل الفقيدة بأن عليهم أن يدفنوا المرأة في قبر آخر غير ذلك الذي حُفر لها بمُحاذاة قبر زوجها الشيخ عبد السلام ياسين، إلا أن المُشيعين من عائلتها وأعضاء جماعة العدل والإحسان، رفضوا طلب السلطات وأصروا على أن تُدفن بالمكان الأول. ساعات من الشد والجذب، تخللتها في بعض الأحيان بعض التدخلات الأمنية، في حين أخرجت هذه الجنازة، ندية ياسين نجلة الشيخ الراحل عن صمتها الذي دام أكثر من خمس سنوات، إذ بدت مُستاءة وغاضبة بشدة، كما احتجت بقوة على مجموعة من المسؤولين الأمنيين. وغير بعيد من احتجاج ندية وبعض قيادات الجماعة على ما وصفوه ب"المنع التعسفي"، وبالضبط داخل أسوار المقبرة أغمِي على زوجها عبد الله الشيبانِي، في حين تم نقلُ فتح الله أرسلان، بعد أن تعرض للإغماء، إلى جانب عدد من المُشيعين والمُشيعات. وسط شعارات "حسبنا الله ونعم الوكيل"، و"شهدوا يا أهل الروضة والمخزن داير الفوضى"، و"هذا عيب وهذا عار الحصار حتى في القبر"، وما رافقها من إصرار للجماعة وعائلة المرحومة على دفنها بالقرب من قبر عبد السلام ياسين، مُقابل تبرير السلطة ل"منعها" بكون عدم اتجاه القبر نحو القبلة، ووقوعه في منطقة غير مناسبة. مُبررات السلطة لم تُقنع أيا من أعضاء الجماعة، الذين أصروا على طلبهم بدفن خديجة بقرب زوجها عبد السلام، مُعتبرين أن طريقة الدفن "سليمة" ولا شوائب فيها، خُصوصا وأن مئات الموتى بالمقبرة مدفونون بنفس الشكل، لينتهي المطاف بقبول السلطة طلب الجماعة، مع "تحميلها المسؤولية الشرعية لطريقة الدفن" على حد قول أحد المسؤولين.