عندما تمسك امرأة مقود سيارتها، فإن عليها توقع الكثير في مجتمع مازال ينظر إلى المرأة العاملة أو التي تغادر منزلها وهي تقود سيارتها، نظرة دونية. نساء كثيرات يتعرضن يوميا للتحرش الجنسي من طرف بعض رجال الأمن وآخرين، يعترضون سبيلهن، ويخيرونهن بين تحرير مخالفة أو الرضوخ لمطالبهم. شهادات وحكايات تحرش استهدفت نساء سائقات، وكان أبطالها بعض رجال شرطة المرور، الذين لا يمثلون المؤسسة وقيمها ودورها في المجتمع. منذ أقل من سنتين أفادت دراسة قامت بها المندوبية السامية للتخطيط، حول تعرض النساء المغربيات للتحرش، أن 827 ألف امرأة مغربية، تتراوح أعمارهن بين 18 و64 عاما، تعرضن مرة واحدة على الأقل خلال ال12 شهرا الماضية لسلوك التحرش الجنسي. وتشير الدراسة إلى أن حوالي 372 ألفا منهن تعرضن ل«التحرش الجنسي» بالأماكن العامة، و32 ألفا منهن بمقرات عملهن، فيما تعرضت 15 ألف فتاة بالمؤسسات التعليمية لأعمال تدخل ضمن نطاق التحرش الجنسي. هذه الدراسة، ورغم طابع العمومية الذي تكتسيه، فإنها تظهر الخطر الذي تواجهه نساء المغرب اللواتي أصبحن عرضة للمضايقات والمعاكسات، التي يصنفها القانون والمواثيق الدولية والحقوقية في باب التحرش. حوالي مليون امرأة سنويا يتعرضن للتحرش بالمغرب، والسمة الغالبة على هذا التحرش أنه يأتي من رجال يمثلون سلطة أو نفوذا، ما يضفي طابعا خاصا على التحرش الجنسي يجعله مصحوبا بعنصر الإكراه المعنوي. لعل أخطر ما يمكن أن تتعرض له المرأة هو التحرش الذي يكون مصدره من يمثل السلطة أو يتحدث باسمها، وقد عرضت على المحاكم المغربية أكثر من قضية تحرش جنسي كان بطلها رجل شرطة أو دركي. فقبل سنتين أوقفت النيابة العامة بآسفي رجل أمن برتبة مقدم شرطة عن العمل، وأحالته على المجلس التأديبي على خلفية عدم قيامه بمهمة مسنودة إليه، وارتكابه جرما أخلاقيا، من خلال تحرشه بامرأة متزوجة بالمستشفى الإقليمي محمد الخامس بآسفي، ورغم أن السيدة المشتكية تنازلت عن متابعة الشرطي، فقد تم تقديمه إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بآسفي، الذي أمر بإجراء مواجهة بين الطرفين. وبعد المداولات والمرافعات، نطقت المحكمة الابتدائية بآسفي بحكمها الذي يقضي بإدانة الشرطي المتهم بالتحرش الجنسي بمريضات مستشفى محمد الخامس في المدينة نفسها، وقضت في حقه بشهرين حبسا موقوف التنفيذ، وأداء غرامة مالية قدرها ثلاثة آلاف درهم. «اليوم24»، وفي الكثير من الشهادات التالية، تقدم حالات خاصة للتحرش ضحاياها نساء لا ذنب لهن سوى أنهن يقدن سياراتهن، كما يفعل الرجال، وهن ضحايا مضايقات غرضها التحرش الجنسي من طرف بعض رجال شرطة المرور، وبعض المسؤولين الأمنيين الذين منحهم القانون صفة ضبط المخالفات، فاستحالت في يدهم سلطة للضغط من أجل التحرش وابتزاز النساء السائقات، وأجمعت هذه الشهادات، التي قدمتها نساء ذوات مستوى تعليمي عالٍ أو لا بأس به، على أن أقل الخسائر التي يمكن الخروج بها هي تمكين الشرطي المتحرش من رقم الهاتف المحمول، حتى يخلي سبيل نساء كلهن تعرضن للتحرش، وكل واحدة كانت لها طريقة في التخلص من الورطة. طلبات المتحرش.. هواتف ومواعيد سناء الصحافية لم تتعرض للمضايقة من طرف رجال شرطة مرة واحدة فقط، بل العديد من المرات، حسب شهادتها ل« اليوم24»، والسبب حسب ما صرحت به، أنها غير محجبة أو ربما طريقة لباسها مثيرة شيئا ما. «أول مرة تعرضت فيها للمضايقة كانت في الأيام الأولى من السياقة، وذلك في الطريق الرابطة بين طنجة وتطوان، إذ فوجئت برجل المرور أو من يعرف بشرطي الجولان يوقفني بحجة أنني تجاوزت السرعة المسموح بها. لحظتها، كنت متأكدة أنني لم أقم بأي مخالفة، الشيء الذي أثار شكوكي، خصوصا أن نظرات الشرطي لم تكن بريئة. بعد أن طلب مني أوراق السيارة قدمتها له، واستفسرت عن سبب التوقيف فجاء جوابه الصادم: ‘‘عجبتيني وبغيت نوقفك''.. أصر على عدم تسليمي الأوراق إلا حين حصوله على رقم الهاتف. رفضت في البداية، لكنني استسلمت في الأخير، وأعطيته رقم هاتف خاطئ للتخلص منه». مريم، طالبة جامعية، تحكي تفاصيل مطاردة هوليودية، كان بطلها شرطي مرور ركب دراجته ليحصل على رقم مريم، التي تقول: «قصتي كانت مضحكة مع معاكسات رجال الشرطة، كنت حينها رفقة صديقتي على دراجة نارية في مدينة مراكش. تعمدت صديقتي عدم الوقوف في إشارة المرور الحمراء، وبعد دقائق قليلة فوجئنا بشرطي المرور فوق دراجة نارية يتبعنا. حاولت صديقتي مضاعفة السرعة لكن دون جدوى، فالشرطي كان دائماً وراءنا. مرت أكث من 10 دقائق ونحن نحاول الهرب من الشرطي، فجأة سمعناه يقول: ‘‘غير وقفي وقفي، راني باغي غير نهضر معاك''، بعدما سمعنا ذلك حاولنا الابتعاد، فقال الشرطي: ‘‘واعطيني غير النمرة وسيري''. عندما سمعنا ذلك تنفسنا الصعداء، وخففت صديقتي السرعة. لم نستطع بعدها المراوغة، وتمكن الشرطي من الحصول على رقم الهاتف، لتبدأ رحلة المعاناة للتخلص من اتصالات الشرطي». استغلال خوف المرأة السائقة أو وقوعها في مأزق، من النقاط التي يضغط بها رجل الشرطة الراغب في التحرش، كما تحكي (لبنى.ع) موظفة، حيث تقول: «وقعت لي حادثة مع سيارة أجرة في أحد مدارات المدينة. الحادثة كانت خفيفة، وعندما نزلت من السيارة لكي أتفقد موقع الاصطدام تقدم مني شرطي المرور وقال لي: ‘‘متخافيش أنا غنوقف معاك''، وشرع في تأنيب سائق سيارة الأجرة، لكنه أثناء ذلك بدأ يضع يده فوق كتفي وهو يتحدث معه، ثم جرني بعيدا وقال لي: ‘‘اتفقوا على المصالحة وراه غادي يدير اللي بغيتي متبقاي غير على خاطرك''، شكرته فإذا به يرد: ‘‘وأنا شكون يخليني على خاطري؟''، ففهمت بأن كلامه يوحي بطلب رشوة، قلت له ‘‘سأحضر حقيبتي''، فابتسم وقال: ‘‘أنا بغيت النمرة ونتلاقاو بلا صداع ديال الكسيدة''. فهمت قصده وأخبرته بأنني متزوجة، فأجابني: ‘‘وأنا أيضا متزوج''، قلت له: ‘‘إذن سأتصل بزوجي وهو محام (زوجها ليس محاميا) ليتفاهم معك ويحل مشكلة الحادثة''، فانتفض في وجهي قائلا: ''علاش أنا شنو قلت ليك؟ سيري باركة من اللصيق''. لم أخبر زوجي بالأمر، وهو بالمناسبة موظف مثلي، ولم تكن هذه المرة الأولى ولا الأخيرة». «قصتي مع التحرش تتكرر كل يوم وإن كانت الطرق تختلف»، هكذا تبدأ (علياء.س)، أستاذة في مدرسة للتعليم الخاص، شهادتها، لتضيف: «بحكم مسكني بمنطقة الهرهورة أتوجه كل صباح من منزلي نحو العاصمة الرباط، وأجتاز أكثر من حاجز لشرطة المرور، وربما بسبب التحرر الظاهر علي في المظهر غالبا ما أتعرض للتحرش كلما وقفت بأحد الحواجز، مرة بالتخيير بين المخالفة أو الرقم الهاتفي، ومرة بطريقة مهذبة، مرة واحدة باللمس أثناء تسليمي وثائق السيارة لأحدهم، حيث تعمد أن يلمس أصابعي، لكن أغرب قصة عشتها بسبب التحرش عندما سلمت بطاقة شخصية (كارط فيزيت) لأحد رجال الشرطة بالقرب من أحد مداخل المدينة بالطريق الساحلي، حيث تحول الأمر إلى مشكلة حقيقية، انطلقت المعاكسات الهاتفية، وبعد أن أجبته بأدب وأخبرته بأن الأمر أصبح يزعجني وأنني سلمته البطاقة في إطار التعريف بشخصي، بدأ يظهر في مكان قبالة مقر عملي، حينها شعرت بالخطر، فأخبرت أخي الذي أجرى اتصالا بصديق له في الأمن الوطني، لينقطع الرجل عن الظهور، وبعد حين وصلتني منه رسالة نصية، مفادها أنني فهمته خطأ وأن غرضه كان شريفا، لكنه لم يتقدم لخطبتي إلى اليوم». الباحث في السوسيولوجيا، صلاح حمودة، يعتبر أن هناك طريقتين للتعامل مع حالات «التحرش»التحرش، أولا التفادي، ويقصد به الباحث تجنب الأماكن والمواقف التي يفترض فيها وجود أشخاص بعينهم يتوقع منهم هذا السلوك، كما ينصح الباحث بضرورة تعريف الأسرة بظروف وأماكن عمل وتردد المرأة الضحية. ثانيا، المواجهة، وفيها تواجه المتحرَّش بها الشخص المتحرش، إما بنظرة حازمة ومهددة، أو بكلمة رادعة ومقتضبة، أو بتغيير مكانها ووضعها، أو بتهديده وتحذيره بشكل مباشر، أو بالاستغاثة وطلب المساعدة ممن حولها، وهي استراتيجية تحتاج إلى الذكاء وحسن تقدير من الضحية، وليس هناك سيناريو واحد يصلح لكل المواقف، وإنما يتشكل السيناريو حسب طبيعة الشخص وطبيعة الظروف. ويضيف الباحث المتخصص أن ما يعيب استراتيجية المواجهة أنها ربما تحدث ضجة أو فضيحة لا تحبذها المرأة أو الفتاة في مجتمعاتنا المحافظة، على الرغم من أن فيها ردعا قويا لكل من تسول له نفسه التحرش بأي فتاة. التهديد بالشكاية للتخلص من التحرش خولة، الطالبة التي تملك سيارة صغيرة أهداها إياها والدها بمناسبة حصولها على الإجازة، وهي تتابع دراستها العليا في أحد المعاهد العليا بمدينة سطات، ناشطة جمعوية ومدونة على الشبكة العنكبوتية، وهي تدرك جيدا إمكانية تعرضها للتحرش بعدة أماكن ومن طرف عدة أشخاص مستغلين موقعهم أو نفوذهم، وقد أقرت بأنها تعرضت للتحرش من طرف شرطي مرور، لكنها تضيف: «كلما ظهر لي أن الشرطي الواقف أمامي لديه نية التحرش جردت أمامه كل القوانين والجمعيات التي أعرفها والتي يمكن أن أستنجد بها في هذه الحالة، وهو ما يجعل المتحرش يرتبك.. أحيانا». تقول خولة: «عندما أخبرت صديقاتي بهذه الطريقة، أسأن استعمال حقوقهن، وبدأن يتهمن رؤساءهم في العمل زورا، حيث يدعين إزاء كل شخص لديهن معه مشكلة أو خصومة أنه يتحرش بهن كنوع من التهديد والضغط، وهي إساءة كبيرة، وأمر لا يقل خطورة عن فعل التحرش الجنسي نفسه، وهو ما أدعو أيضا إلى محاربته». (حياة.ن) مستخدمة في القطاع الخاص تقول: «كثيرا ما أتعرض للتحرش في الشارع وفي العمل، ولكن تحرش شرطي المرور أو حتى الدركي الذي يوقف سيارتي يشوبه الكثير من الضغط، حيث أحس بأنني مختنقة ولا أستطيع الحفاظ على هدوئي. أتذكر أنني منذ سنتين كنت على الطريق الدائري لمدينة طنجة وأوقفني شرطي على مقربة من مدخل الميناء، وطلب أوراق السيارة، ثم بدأ ينظر إلي بنظرات مريبة، ثم قال لي: ‘‘وهبطي غير نشوفوك''، أحسست بخوف كبير خصوصا أنني لست من مدينة طنجة، ومروري بها مجرد نزهة. نزلت من السيارة ليبدأ الشرطي في طرح أسئلة غريبة وخصوصية من قبيل: شكون شرالك السيارة؟ وماذا تفعلين في طنجة؟ وعندما أجبته بأنني أقضي عطلة، قال: ‘‘جيتي كونجي ندوزوه جميع''، ولم يتركني حتى أخذ رقم هاتفي، خصوصا أنه سجل علي مخالفة (الفحص التقني)، بعدها بدأ يتصل بي، ولم أكن أرد عليه، وصممت أن أغير رقم الهاتف، وإذا أرسل إلي رسالة قصيرة سأودع شكاية لدى النيابة العامة». حالات التحرش المعلنة التي يتورط فيها رجال شرطة قليلة ربما بسبب مجتمعاتنا المحافظة التي تفضل السكوت عن الظاهرة عموما، وربما بسبب عدم ورود شكايات على الجمعيات التي تعنى بالموضوع، لكن بين الفينة والأخرى تنتشر أخبار متابعة أحد رجال الأمن بهذه التهمة، ففي شهر نونبر الماضي كانت المحكمة الابتدائية في شفشاون محجا للكثير من المواطنين والهيئات السياسية والجمعوية والحقوقية، من أجل متابعة قضية يتابع فيها شرطي متهم بالتحرش الجنسي بسيدة متزوجة. المحكمة أدرجت جلسة متابعة الشرطي وزوج المشتكية، الذي كان دخل في عراك جسدي مع الشرطي، بعدما أخبرته زوجته بأنه تحرش بها في الشارع العام. وقبيل ذلك كانت لجنة تابعة للإدارة العامة للأمن الوطني حلت، بمدينة شفشاون، لفتح تحقيق في ملفات عرضت على الدائرة الأمنية في»المدينة، ضمنها ملف الشرطي المتابع بالتحرش الجنسي.