ونحن نودع سنة 2014 بآلامها وآمالها، نستقبل عام 2015 بتحديات جديدة..ومن أبرز التحديات المطروحة في جدول الأعمال الوطني، ذلك المشروع الكبير المتعلق بإعادة هيكلة الدولة وفق منظور جديد للجهات والجماعات الترابية في علاقتها بالدولة المركزية. خلال هذه الدورة، ستدخل مسطرة التشريع المتعلقة بالقوانين التنظيمية للجهات والجماعات الترابية مرحلة الحسم بعد المشاورات السياسية التي باشرتها الحكومة مع الأحزاب السياسية. علينا أن نقر منذ البداية بأن الدستور المغربي وضع المبادئ الأساسية للشروع في بناء النظام الجهوي، بحيث نص الفصل الأول من الدستور على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة. وإذا كان الباب التاسع من الدستور (من الفصل 135 إلى الفصل 146)، قد حسم في العديد من المبادئ والمرتكزات التي ينبغي استحضار فلسفتها من طرف المشرع، وهو يضع القوانين المؤطرة للجهوية المتقدمة، فإن المسودات الأولية التي سبق لوزارة الداخلية الإعلان عنها قبل حوالي شهرين، لم تستجب للشروط الضرورية لتحقيق التقدم الضروري من الناحية الديمقراطية والمؤسساتية. إن مشاريع القوانين التنظيمية المنتظرة، ينبغي أن تنطلق من تعزيز ما راكمته التجربة المحلية من مكتسبات، وأن تجيب، أيضا، عما سجلته من اختلالات تعوق التنمية المحلية بُغية تجاوزها وفق منهجية متدرجة في نقل اختصاصات المركز إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى. لقد حسم الدستور في انتخاب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر، كما نص على تسيير شؤونها بطريقة ديمقراطية، معتبرا أن التنظيم الجهوي والترابي يرتكز على مبادئ التدبير الحر وعلى التعاون والتضامن، وأناط برؤساء مجالس الجهات، مسؤولية تنفيذ مداولات هذه المجالس ومقرراتها، وهي مسؤولية محورية تتطلب توفير الشروط المؤسساتية اللازمة لمؤسسة الرئيس ليقوم بدوره على الوجه الأكمل.. إن طريقة انتخاب رئيس مجلس الجهة تعد نقطة حاسمة في هذا الباب.. وفي هذا الإطار، ينبغي للنقاش المتعلق بالقوانين الانتخابية أن يستحضر حاجة بلادنا، وهي تبني ورش الجهوية المتقدمة، بأن هذا الورش لا يمكن أن ينجح باعتماد بعض المسلكيات الانتخابية الفاسدة من قبيل ما حدث سنة 2009..وهنا، ينبغي التشديد على الدور الحاسم لوزارة الداخلية وللسلطات المحلية في تعبئة مواردها البشرية على قاعدة الحياد، والتعامل بمسافة واحدة مع جميع الأحزاب السياسية، والسهر على تنظيم انتخابات حرة ونزيهة لا يطعن فيها أحد. إن عملية انتخاب رؤساء المجالس بالنسبة إلى الدوائر الخاضعة لنمط الاقتراع اللائحي، ينبغي أن تحترم إرادة الناخبين من خلال حصر التنافس على الترشيح للرئاسة بين رؤساء اللوائح الانتخابية الثلاث الأولى، وذلك انسجاما مع فلسفة الاقتراع الحر، الذي هو التعبير الأمثل للإرادة العامة للمواطنين، واستلهاما، أيضا، من روح الدستور الذي حصر منصب رئيس الحكومة داخل الحزب الأول الفائز بالانتخابات التشريعية.. إن اختيار المشرع الدستوري لتعيين رئيس الحكومة من الحزب الأول، ينطلق من فلسفة واضحة، وهي احترام إرادة الناخب، وهو ما ينبغي أن يسترشد به المشرّع العادي، وهو يقوم بتنزيل مقتضيات الدستور. من جهة أخرى، لا يمكن لمشروع الجهوية أن يتحقق بنجاح، إلا بإقرار علاقة جديدة بين الولاة والعمال تتجاوز بالتدريج طبيعة العلاقة التي كانت سائدة في المرحلة السابقة، وهي علاقة مبنية بالدرجة الأولى على احترام فلسفة الدستور التي أعلت من قيمة الصوت الانتخابي، وجعلت الجهة تتبوأ، تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة إلى الجماعات الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات. بينما أناطت بالولاة والعمال، مهمة مساعدة رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية، باعتبارهم يمثلون السلطة المركزية في الجماعات الترابية. إن طبيعة العلاقة بناءً على ما سبق ينبغي أن تستند على مبدأ التعاون والتكامل والاحترام المتبادل، وكل خلاف يرجع فيه إلى القضاء أو إلى تحكيم رئاسة الحكومة.. تفاصيل أخرى ذات صلة بالموضوع، سنعود إليها في فرصة لاحقة بحول الله..